PCP

يا عمال العالم اتحدوا

الجزء الثاني من تاريخ الحركة الشيوعية في فلسطين

كما ذكرت في الجزء الاول فقد وضع المؤتمر الخامس ثلاث مهام امام الحزب ،كانت اولها التعريب الذي تعرضت له اعلاه .اما المسألة الثانية التي ناضل الحزب من أجل تحقيقها والمرتبطة عضويا بالمهمة الأولى, كانت مسألة إقامة "الجبهة العمالية المتحدة". إن حقيقة نشؤ الحزب الشيوعي في وسط المستوطنين وعدم ارتباطه بالحركة القومية التحررية للشعب الفلسطيني عكس نفسه على نشاط الحزب, حيث عبر عنه بتعمق الاتجاه النقابي في سياسته والتأكيد على المسألة الطبقية كقضية محورية في نشاطه . اتخذ الشيوعيون الأوائل منذ البداية خطا كومنتيرنيا في العمل النقابي, وهو العمل داخل التنظيمات العمالية الجماهيرية وبالأساس الهستدروت والسعي لتغيير طابعها "الإصلاحي " وتحويلها إلى نقابات "عمالية ثورية" تضم العمال اليهود والعرب. وفي إطار السياسة الكومنترنية الداعية لتحقيق وحدة الحركة النقابية وإقامة جبهة عمالية متحدة, سعى الحزب الشيوعي إلى انجاز هذه الجبهة من خلال تشكيل "لجان الوحدة" في أوساط العمال. وبمبادرة منه جرى في أوائل عام 1926 تشكيل حركة الوحدة, حيث تحولت نوادي الحركة خلال فترة قصيرة إلى مقرات عمالية جماهيرية تقيم الندوات وحلقات النقاش وتساهم في تنظيم العمال العاطلين عن العمل. لكن في أواخر عام 1927 أغلقت السلطات البريطانية هذه النوادي وشنت حملة اعتقالات كبيرة في صفوف الشيوعيين, كما وقامت بطرد عددا كبيرا من كوادر الحزب وأنصاره خارج فلسطين. أضافة إلى ذلك حاول الحزب دمج العمال العرب بالتنظيمات النقابية اليهودية. وبضغط من الكتلة العمالية الشيوعية وافقت قيادة اتحاد نقابات سكك الحديد والبريد والبرق على قبول انضمام العمال العرب إلى صفوف الاتحاد. ولكن نتيجة لمواقف الهستدروت المعادية للعرب خرج العمال العرب من نقابة عمال سكك الحديد, وشكلوا أساسا لإقامة أول نقابة عربية شاملة وهي " جمعية العمال العرب الفلسطينية" وذلك في 21 آذار 1925 في حيفا. في 11-12 كانون ثاني عام 1930 انعقد المؤتمر العمالي العربي الأول في مدينة حيفا. وقد شارك الشيوعيون الفلسطينيون العرب مشاركة فعالة في قيادة المؤتمر وفي صياغة قراراته السياسية. حيث ألقى الشيوعي محمد علي قليلات الكلمة المركزية في هذا المؤتمر وساهم في تعميق طابعه السياسي وصياغة أشكال جديدة للعمل النقابي مثل الإضراب والعرائض وغيرها. كما وانتخب المؤتمر الشيوعيين محمد قليلات أمينا عاما وكامل عودة أمينا مساعدا. لم يتمكن الحزب الشيوعي الفلسطيني من تحقيق هدفه في إقامة الجبهة العمالية المتحدة, لكن بالرغم من ذلك استمر الشيوعيون في العمل النقابي سرا داخل الهستدروت وسعوا إلى تجذير الحركة النقابية العربية في فلسطين. المهمة الثالثة التي طرحت أمام الحزب في تلك الفترة كانت مهمة تحقيق شعار "الجبهة المتحدة المعادية للامبريالية". ومن اجل تنفيذ هذه المهمة دخلت قيادة الحزب في مفاوضات عديدة مع زعماء في الحركة القومية العربية, ودعت للقيام بنشاطات مشتركة. بعد فشل تلك المفاوضات توصلت قيادة الحزب إلى استنتاج مفاده أنه على الحركة القومية العربية أن تنسلخ عن قيادتها الإقطاعية المساومة للاستعمار, كما وأن عليها أن تقاد من قبل جناح يساري راديكالي تقدمي. لقد تأثرت مواقف الحزب الشيوعي الفلسطيني في هذه الفترة بقرارات المؤتمر السادس الكومنترن الذي عقد عام 1928 خاصة بصدد التحالفات مع قيادة الحركة القومية الإصلاحية, و بدلا من تكوين جبهه موحده برز خط انعزالي بلور مواقفه في تاسيس و اصدار جريدة "إلى الإمام" باللغة العربية عام 1929. نتيجة لهذا الخط ألانعزالي عجز الشيوعيون أنذاك عن تفهم خصوصية المسألة القومية في فلسطين, إذ رأوا فيها "تناقضا قوميا عربيا يهوديا" يتغذى من سياسة الامبريالية والصهيونية. إن هذا التقييم لم يساعد الحزب على اتخاذ موقفا صحيحا من حركات المقاومة العربية وخاصة انتفاضة عام 1929 وإشكاليات تلك ألانتفاضة. لكن بالرغم من هذا الموقف الانعزالي الغير صحيح, إلا أن الحزب بدأ في أوائل سنوات الثلاثين بتلمس خصوصية المسألة القومية الكولونيالية, وأنكب على صياغة برنامجا سياسيا جديدا الذي أقر بمؤتمره السابع الذي عقد في أوائل شهر كانون ثاني عام 1931في ظل تطورات وتغيرات جذرية عاصفة في منظومة العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلى التركيبة القومية في فلسطين التي جرت في العشرينات من القرن الماضي. لقد مارس الانتداب البريطاني سياسة إدارية واقتصادية كفلت بناء القاعدة الاقتصادية والبنية السياسية والتنظيمية للاستيطان الصهيوني. إذ بدأ في شباط 1922 بتعديل القوانين العثمانية بخصوص ملكية الأراضي المشاعية وتحويلها إلى ملكية المندوب السامي، ومن ثم بيعها للوكالة اليهودية. كما أخذت الحكومة الانتدابية بإعطاء الامتيازات الاقتصادية للشركات الصهيونية مثل مشروع كهرباء فلسطين 1921، ومشروع إنتاج البوتاس في البحر الميت 1929. بألأضافة الى ذلك شجعت الهجرة اليهودية إلى فلسطين وسعت إلى زيادة الاستيطان فيها. من جهة أخرى لعبت الحركة الصهيونية دورا كبيرا في إحداث وبلورة التغيرات الاقتصادية والسياسية والديموغرافية في فلسطين. فقد اعتمدت بالأساس على العنصر البشري الممثل بالهجرة اليهوديةوعنصر الاستيطان، اذ لعب هذان العنصران دورا كبيرا في السيطرة على الأرض العربية واحتلالها وطرد الفلاحين منها. لقد أدت الهجرة المكثفة إلى حدوث تغييرات ملموسة في التركيبة القومية لسكان البلاد مما أوجد قضية قومية داخلية حادة. إن أساس الاستيطان الزراعي هو السيطرة على الأرض، ومن أجل ذلك أقيم عام 1901 ما يسمى "بالكيرن كيمت" الصندوق المعد لتمويل وعقد صفقات شراء الأراضي. ومن أجل استكمال البنية التنظيمية السياسية للتجمع الاستيطاني اليهودي أنشئ العديد من المؤسسات الصهيونية التي نظمت في داخلها الأغلبية الساحقة من المهاجرين والمستوطنين اليهود. ففي عام 1920 أنشئت النقابة العامة للعمال اليهود، واكتمل في نفس السنة بناء الجهاز المالي الصهيوني بإنشاء الصندوق التأسيسي المختص بالهجرة والاستيطان والمسئول عن توفير الظروف الملائمة للعمل الزراعي والصناعي وبناء المستوطنات والمدن. وقد بدأ هذا الصندوق بالعمل برأسمال قدره 25 مليون جنيه إسترليني. أما على المستوى العسكري فقد أسست الحركة الصهيونية منظمه "الهجاناه" والتي شكلت جناحها العسكري الضارب. إن ما يميز المنظومة الكولونيالية الصهيونية هو أنها لم تستهدف مجرد تحقيق الاستعمار السياسي والاقتصادي، بل استهدفت احتلال فلسطين واستيطانها وإجهاض عمليه تحرر الشعب العربي الفلسطيني. وبخلاف الاستعمار الكلاسيكي الذي كان يتم من خلال إرسال الجيوش واحتلال البلدان المتخلفة، فإن الاستعمار الصهيوني تم من خلال الهجرة السكانية المكثفة وتمركز رؤوس الأموال الكبيرة في مجالات الصناعة والزراعة المتقدمة. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف اعتمدت المنظومة الكولونيالية الصهيونية في سياستها على ثلاثة مبادئ أساسية: أولا مبدأ احتلال الأرض، ثانيا مبدأ احتلال العمل ، وثالثا مبدأ احتلال السوق أي الترويج للإنتاج العبري ومقاطعة الإنتاج العربي. إن تحقيق هذه المبادئ في السياسة الصهيونية المنتهجة في البلاد جعل من الصراع أكثر تعقيدا ومن البنية الاجتماعية الاقتصادية للمؤسسه الصهيونيه أكثر تماسكا وبالارتباط بظهور ونمو المنظومة الكولونيالية في فلسطين نمت وتطورت الطبقة العاملة في البلاد ، حيث أدى الاحتلال البريطاني وتمركز رؤوس الأموال الصهيونيه في فلسطين إلى خلق فرص عمل واسعة، وبالأساس في مجال المواصلات والنقل وشق الشوارع، والعمل في المستوطنات. من جهة أخرى أدى انهيار البنية الاقتصادية والإقطاعية في فلسطين بعد انتهاء الاحتلال العثماني إلى ظهور أنماط إنتاج جديدة وعلاقات إنتاجية رأسمالية في الريف والمدينة. حيث بدأت تظهر وتنمو ظاهرة العمال الزراعيين وخاصة عمال الحمضيات وعمال المعسكرات ، كما نشأت في الوسط العربي شريحة برجوازية كومبرادوريه مرتبطة بالشركات الأجنبية وتسويق بضائعها في السوق الداخلي، مما ساعد على نمو شريحة عمال الخدمات وخاصة من الفلاحين المهاجرين من الريف. أما على مستوى التنظيمات السياسية في فلسطين لقد ارتبط نشوؤها بالاحتلال البريطاني للبلاد، وذلك كأدوات للدفاع عن البلاد والتصدي للخطر الاستعماري. لكن وبسبب تخلف العلاقات الاجتماعية والسياسية لم تتطور المنظومة السياسية الحزبية بالشكل المطلوب، بل اتخذت طابعا طائفيا في البداية. إذ تألفت الجمعيات الإسلامية- المسيحية في المدن، والتي وحدت بالأساس العناصر القومية وضمنت هيمنة الفئة الشبه إقطاعية والمالكين العقاريين على قيادة الحركة القومية العربية في فلسطين. لكن وبالرغم من هذا الطابع الديني إلا أن هذه الجمعيات مثلت أول مظهر للوعي السياسي المنظم في البلاد بعد الاحتلال البريطاني. لقد ساهمت هذه الجمعيات مساهمة كبيرة جدا في تنظيم الجماهير العربية في فلسطين وفي طرح برنامج سياسي لها. ومن ابرز نشاطاتها عقد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول في القدس في 27 كانون الثاني 1919. لقد أصبحت المؤتمرات الوطنية الفلسطينية تمثل الشكل التنظيمي والبرلمان الشعبي الذي يوحد في داخله كافة أفراد الشعب الفلسطيني، حيث اعتبرت لجانها التنفيذية الممثل والناطق الوحيد باسم الفلسطينيين. في هذه الفترة انقسمت الحركة السياسية والحركة القومية على أساس عائلي. إذ سيطرت عائلة الحسيني بزعامة أمين الحسيني على المؤتمرات الفلسطينية ولجانها التنفيذية، ومثلت عائلة النشاشيبي الجناح المعارض الذي كان يتهادن مع الاستعمار البريطاني. إن تخلف النظام الحزبي في تلك الفترة شكل نقطة ضعف كبيرة في الحركة القومية الفلسطينية، مما سمح لأبناء العائلات الغنية وملاكي الأرض بالسيطرة على قيادة هذه الحركة وإلى عدم السماح لنضال الجماهير العربية بالتطور بالقدر الكافي. تميزت الحركة القومية الفلسطينية آنذاك بتغليب الاتجاه المعادي للصهيونية وعدم التأكيد على العداء للاستعمار، بل ظهرت هناك اتجاهات علنية تدعو للتعاون مع الاستعمار البريطاني مقابل تخليه عن دعم البرنامج الصهيوني في فلسطين. استمر هذا الوضع حتى بداية سنوات الثلاثينيات. إذ اشتدت عملية تطور العلاقات الاجتماعية الرأسمالية وازداد الاستقطاب الطبقي حدة. وقد ساهم في ذلك اشتداد الحملة الصهيونية على الأرض العربية بمساعدة الانتداب البريطاني. كما أدى حرمان الفلاحين العرب من الأراضي الزراعية وإفلاس الصناع الصغار أمام مزاحمة المؤسسات والمشاريع الصناعية اليهودية الكبرى إلى الإسراع بانهيار التركيبة الاجتماعية التقليدية وإلى التنامي السريع لشريحة العمال المأجورين، الذين أصبحوا القوة الأكثر تحركا ودينامية من الناحية السياسية. في ظل تلك الظروف والتطورات والتغيرات الجذرية والعاصفة جرى انعقاد المؤتمر السابع للحزب الشيوعي ، وقد ساهم في التحضير له محمود الأطرشفلسطيني من اصل جزائري عضو اللجنه التنفيذيه للكومنترن، الذي انتدب من قبل اللجنة التنفيذية للكومنترن لأجل تنفيذ هذه المهمة إذ عاد إلى فلسطين في أيار عام 1930 ولعب دورا رئيسيا في عقد المؤتمر كما انتخب عضوا في سكرتارية اللجنة المركزية. يعتبر المؤتمر السابع محطة هامة في التطور الفكري والسياسي للحزب الشيوعي الفلسطيني، وبالأساس بكل ما يخص مسألة التعريب. إذ لأول مرة يتم عقد مؤتمر للشيوعيين الفلسطينيين يشارك فيه عدد متساوي من المندوبين العرب واليهود إلى جانب حضور ممثل الكومنتيرن. وقد شكل هذا المؤتمر كما جاء في قراراته التي نشرت باللغة العربية" الحجر الأساسي لإيجاد حزب شيوعي معرب يتمشى على المبادئ الدولية ليس بنظرياته وخططه فقط، بل بتركيبته القوميه" . في هذا المؤتمر تمت مناقشة العديد من القضايا التنظيمية والسياسية والفكرية وتم اتخاذ عدة قرارات في المواضيع التالية: 1. قرار بخصوص " أعمال اللجنة المركزية للحزب خلال الأربع سنوات" المنصرمة وتلخيص المسألة التنظيمية للحزب ما بين المؤتمر السادس والمؤتمر السابع للحزب. 2. قرار بخصوص "المسألة الوطنية والموقف السياسي الحاضر" 3. قرار بخصوص المسألة الزراعية بعنوان " قرار للعمل في القرى العربية" 4. قرار " في مكافحة الحركة الصهيونية" 5. قرار "بشأن الشباب الشيوعي". 6. قرار " عن العمل النقابي" من مميزات هذا المؤتمر أنه ولأول مرة يقوم الحزب الشيوعي الفلسطيني بمعالجة وبحث مسائل لم تكن تعيرها المؤتمرات السابقة اهتماما "كالمسألة القومية" " والمسألة الكولونيالية والصهيونية" و" المسألة الزراعية " و" المسألة النقابية" ، حيث تم الكشف عن جوهر المسألة القومية، وارتباطها بالمسألة الزراعية وتحديد الطرق والوسائل لحلها. إلى جانب ذلك جرى تحديد دور الاستيطان الصهيوني في عملية الصراع السياسي والاجتماعي في فلسطين. حيث قيم دور الأقلية القومية اليهودية التي تشكلت في فلسطين " كأداة اضطهاد رئيسية في أيدي الاستعمار الانكليزي ضد السكان العرب الأصليين...وجعلهم ( الجماهير اليهودية) جيشا إضافيا يستغله الاستعمار الانكليزي في حركاته الاستعمارية في فلسطين وما يجاورها من البلاد العربية". في هذا المؤتمر أتخذ الحزب موقفا حاسما من الصهيونية على كل أجنحتها وأحزابها ومؤسساتها ودعا الى فضح " الجوهر الفاشستي- القومي الكامن في سياسة الهستدروت وبوعالي تسيون، وفضح سياسة كافة الاحزاب الصهيونية المعتدلة و" المتطرفة" معا، كأحزاب ترمي كلها الى غرض واحد وهو: مكافحة الحركة الوطنية العربية التحررية، مكافحة العمال والفلاحين العرب، مكافحة العمال اليهود الثائرين، في صالح البرجوازية اليهودية والاستعمار البريطاني" . بالرغم من أهمية الطروحات التي جرت مناقشتها في المؤتمر إلا أن قيادة الحزب وقعت في عدة أخطاء وتقييمات نظرية غير صحيحة. لقد اتخذ الحزب موقفا خاطئا بصدد البرجوازية القومية في فلسطين، وحدد بشكل غير دقيق دورها في مرحلة الثورة الوطنية التحررية، وبهذا اخطأ أيضا في صياغة الشعارات السياسية المناسبة التي كان يجب أن ترفع في هذه الفترة. ففي صدد تقييمه للبرجوازية الوطنية الفلسطينية، أشار المؤتمر إلى أن البرجوازية العربية انقسمت إلى شطرين: شطر الوطنية الثورية التي تمثلت بالجناح الراديكالي المتمثل بمجموعة حمدي الحسيني وشطر الوطنية الإصلاحية التي انتقلت إلى معسكر الاستعمار. لقد أشار مؤتمر الحزب إلى أن البرجوازية العربية المتمثلة بالوطنيين الإصلاحيين واللجنة التنفيذية العربية بدأت تسعى بشكل مطرد إلى عقد تسوية مع الاستعمار البريطاني قبل وبعد ثورة آب 1929. كما ودعا إلى فضح المجلس الإسلامي ، كهيئة تدافع عن مصالح رجال الدين والاقطاعيين وجماعة التجار باسم الدين والمجد القومي، وتعمل يدا بيد مع الهيئات الحكومية الفلسطينية الاستعمارية، ومن هنا أكد المؤتمر على ضرورة تعبئة العمال والفلاحين في النضال ضد الاستعمار البريطاني وأداته المتمثلة بالصهيونية، وإلى النضال أيضا ضد البرجوازية العربية وموقفها الخائن من حركة التحرر الوطني . في الوقت ذاته دعا المؤتمر للعمل والنشاط المشترك مع الجناح الراديكالي في الحركة الوطنية ( جناح حمدي الحسيني) وإيجاد تشكيلات واسعة لمقاومة الاستعمار. إعتقد الشيوعيون آنذاك إلى أن النضال من اجل "إسقاط" القيادات القومية العربية الخائنة يجب أن يتم من خلال إقامة جبهة موحدة معادية للاستعمار. وأن الخطوة الأولى نحو تحقيق هذا الهدف هو تشكيل "اللجان الثورية في البلاد للعمال والفلاحين". لكن بالرغم من هذه التقييمات السياسية غير الصحيحة إلا أن الحزب الشيوعي الفلسطيني كان الحزب الوحيد الذي رأى الأهمية الكبرى للنضال العام والموحد لليهود والعرب، إذ رأى فيه الوسيلة القوية والطريق الوحيد للتحرر القومي. لقد قيم الشيوعيون في هذا المؤتمر تقييما صحيحا انتفاضة عام 1929، حيث أعتبرها ثورة ضد الاستعمار البريطاني والصهيوني.وفي سياق تلخيص دوره في هذه الأحداث أكد المؤتمر أنه نتيجة لفشل قيادة الحزب آنذاك بتنفيذ مهمة التعريب لم يتمكن الشيوعيون من التقرب من الجماهير العربية و القيام بدوره الثوري الهام ، وعليه أكد المؤتمر على ضرورة توثيق صلات الحزب بجماهير العمال والفلاحين العرب والإسراع في تنفيذ توجيهات الكومنترن بخصوص مسألة التعريب. ففي قراره " في مكافحة الحركة الصهيونية" أكد المؤتمر على ضرورة وواجب العمل المشترك بين اليهود والعرب لمقاومة الاستعمار البريطاني والصهيوني ، مؤكدا على أن " مكافحة الصهيونية ترتبط كل الارتباط بمسألة الأراضي"، وعليه فمن واجب الحزب " أن يفسر للجماهير العربية واليهودية بأن استعمار اليهود للأراضي في فلسطين غير ممكن الا على حساب انتزاع أراضي الفلاحين العرب بمساعدة الاستعمار البريطاني، وبأن الواجب عليهم أن يعملوا متحدين على مقاومة هذا الاستعمار الصهيوني الجائر" . نلاحظ أنه بكل ما يخص المسألة القومية وحركة التحرر العربية لم يتمكن من التوفيق بشكل صحيح بين الطبقي والقومي، حيث غلّب الأولى على الثانية. إن أحد الأخطاء الكبيرة في تقييمات قيادة الحزب كان تقييمها غير الصحيح للدور المهيمن والقائد للطبقة العاملة في ثورة التحرر الوطني في فلسطين. إذ اعتقدت هذه القيادة بأن الثورة بقيادة الطبقة العاملة هي الطريق الوحيد لحل القضية القومية والكولونيالية والاجتماعية في البلاد. إن هذا التقييم لا يتجاوب ولا بأي شكل من الأشكال مع إمكانيات الطبقة العاملة ذاتها والحزب الشيوعي، ولا مع الواقع الموضوعي التي تنشط وتتواجد فيه. حيث ان الطبقة العاملة في فلسطين مقسمة على أساس قومي، ونقاباتها العاملة ضعيفة ، إلى جانب أنها كانت واقعة تحت تأثير القيادات القومية والإصلاحية. لذا فإن رفع مثل هذا الشعار نظريا من قبل قيادة الحزب اضر بنضال الحزب وعزله عن الجماهير الشعبية، ولم يساعده على انجاز خطة التعريب وتحقيق شعار الجبهة المتحدة المعادية للامبريالية. وقد ناقش المندوبون ظواهر الانحرافات الشوفينية الصهيونية عند قيادة الحزب القديمة، وتأثيرها على خطه السياسي ودوره الجماهيري، كما جرى أيضا التحذير من خطر الانحرافات الشوفينية العربية والدعوة إلى صياغة برنامج سياسي على أساس علمي وأممي. وقد أعلن المؤتمرون عن تأييدهم لخطة التعريب وأصاغوا خطة تنظيمية من اجل تحقيق ذلك. وفي نهاية المؤتمر تم انتخاب قيادة جديدة للحزب من جوزيف برزيلاي، محمود الأطرش ونجاتي صدقي. لكل هذا فإن المؤتمر السابع يعتبر حدثا تاريخيا هاما في حياة الحزب الشيوعي إذ ساهم مساهمة جدية في دفع عمله السياسي والتنظيمي، وعلى الأخص في الوسط العربي.


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني