PCP

يا عمال العالم اتحدوا

بمناسبة الذكرى الثالثة والتسعون لتأسيس حزب شيوعي في فلسطين(حول ملابسات تأسيس الحزب الشيوعي الفلسطيني)

يعود نشوء الحركة الشيوعية في فلسطين إلى عام 1919, عندما تشكل في آذار 1919 "حزب العمال الاشتراكي في فلسطين" من قبل مجموعة انشقت في تلك السنة عن حزب "بوعالي تسيون", ودعت إلى قطع كل العلاقات مع الحركة الصهيونية والانضمام إلى الكومنترن. لقد أرتبط هذا ألانشقاق بالمد الثوري الذي اجتاح الحركة الثورية العالمية بعد الحرب العالمية الأولى وبتأثير ثورة أكتوبر الاشتراكية, إذ ساعد ذلك على انتشار تعاليم ألاشتراكية في صفوف العمال والمثقفين التقدميين اليهود وقطع العلاقة مع الاشتراكية الصهيونية التي ربطت مصيرها بالاستعمار البريطاني. ففي هذه الفترة تعمق التمايز الإيديولوجي داخل الحركة العمالية اليهودية في البلاد وأنكشف ألطابع الرجعي والاستعماري للصهيونية وجوهرها المعادي للحركة القومية الفلسطينية, مما عجَل من انسلاخ تلك المجموعة فكريا وتنظيميا عن حزب "بوعالي تسيون" والتخلي عن أغلبية الأوهام الاشتراكية الصهيونية. حسم الشيوعيون الأوائل مواقفهم الفكرية, وشقوا طريقهم نحو الفكر الماركسي اللينيني, بالرغم من بقاء بعضا من عدم الوضوح الفكري بخصوص عدة قضايا, وبالأساس بخصوص الصهيونية والقضية القومية. إن خصوصية نشأة الحركة الشيوعية في فلسطين عكست نفسها لاحقا ولفترة طويلة ميزت عملية نشوء أغلبية الأحزاب الشيوعية في البلدان المستعمره, إذ لم تكن نتاجا لنمو طبقة عاملة عربية متطورة أو نتيجة لتطور جناح يساري في حركة التحرر القومي الفلسطينية, بل نشأت في داخل المجتمع الاستيطاني اليهودي الذي كان يمثل أقلية كولونيالية غريبة عن المجتمع العربي الأصلي. إن هذا الواقع ادخل الشيوعيون الأوائل في تناقض كبير, ما بين دعوتهم لتحرير البلاد وإقامة نظام اشتراكي وما بين جذورهم الصهيونية وكونهم جزءا من التجمع الاستيطاني الغريب. في المؤتمر الأول "لحزب العمال الاشتراكي في فلسطين ", صاغ الحزب لأول مرة سياسة وإيديولوجية بلشفية تميزت عن كل البرامج التي تبنتها التيارات الاشتراكية في الصهيونية. وبهذا خطى خطوة متقدمة وحاسمة نحو تكوين وجهة نظر فلسفية ماركسية نحو العالم. لقد دعم المؤتمر الموقف اللينيني من الحرب العالمية ألأولى وأيد ثورة أكتوبر ألاشتراكية وأعلن أيضا عن تخلي الشيوعيون عن كل علاقة مع الأممية الثانية, كما وفصلوا أنفسهم عن الحركة الصهيونية وقرروا التوجه نحو الأممية الشيوعية للانضمام إلى صفوفها. بالرغم من هذه المواقف والقرارات الهامة التي أقرها المؤتمر الأول التأسيسي, إلا أن الحزب بقي واقعا تحت تأثير بعض الأفكار الصهيونية حيث صاغ مفهوم "الصهيونية البروليتارية". وتعبيرا عن هذا الموقف أقام الحزب علاقات مع حركة العمل الصهيونية بهدف توسيع صفوفه ودائرة تأثيره, و أقام حزب العمال ألاشتراكي العبري, الذي وجه جل نشاطه الى المهاجرين اليهود الجدد . نتيجة لتلك السياسة القومية التي انتهجتها قيادة الحزب حينذاك جرى في داخل صفوفه عام 1922 انشقاق تنظيمي تشكل على أثره حزبان شيوعيان: الحزب الشيوعي في فلسطين بقيادة جوزيف برزيلاي (برغر), والحزب الشيوعي الفلسطيني بقيادة حاييم اورباخ. بالرغم من التخبط الفكري قام الحزب بعدة نشاطات دعمت مواقفه السياسية واستقلاله الأيديولوجي وبلورت طابعه الثوري. إذ قام بتنظيم المظاهرات احتفالا بذكرى ثورة أكتوبر في 1920. كما وشارك أعضاؤه بالعديد من النشاطات الجماهيرية المعادية للاستعمار البريطاني وبالأساس بعيد العمال العالمي. بقي ألانشقاق في الحركة الشيوعية في فلسطين حتى عام 1923. ففي شهر تموز 1923 عقد الحزب مؤتمره الخامس, الذي شكل نقطة تحول حاسمة على طريق تحوله إلى حزب أممي. ففي هذا المؤتمر تم توحيد الحزبين. في حزب واحد سمي بالحزب الشيوعي الفلسطيني ، من الناحية السياسية والفكرية اتخذ المؤتمر قرارات حاسمة وصحيحة بصدد الحركة القومية العربية, إذ اعتبرها "احد العوامل الأساسية التي تقاوم الاستعمار البريطاني", ورأى من واجبه القيام بعمل كل شيء من اجل مساندتها. كما واتخذ المؤتمر موقفا نهائيا من الأيديولوجية الصهيونية, وتخلى عن أوهامه السابقة وبما يسمى "الصهيونية البروليتارية". ففي هذا المؤتمر قيم الحزب الحركة الصهيونية بأنها حركة تتجسد فيها تطلعات البرجوازية اليهودية وتقف في جبهة واحدة مع الاستعمار البريطاني, إذ ربطت مصيرها مع مصير المحتلين الامبرياليين، كما ودعت قرارات المؤتمر إلى مقاومتها بواسطة العمل الإيضاحي بين العمال اليهود خاصةو توجيه النضال ضد الصهيونية البروليتارية . بألأضافة الى ذلك قرر المؤتمر إيفاد السكرتير العام للحزب حاييم اورباخ إلى موسكو من اجل إقناع قيادة الأممية الشيوعية بالاعتراف بالحزب كفرع لها. وبعد عدة لقاءات ومفاوضات صعبة وطويلة قررت اللجنة التنفيذية الكومنترن قبول الحزب في صفوف الأممية الشيوعية وقبول " الكتلة العمالية" في صفوف الأممية النقابية الحمراء. لقد اشترطت اللجنة التنفيذية للكومنترن على الحزب من أجل قبوله في صفوف الكومنترن "أن يسعى إلى إقامة أوثق الصلات مع أوسع الجماهير العربية بغية تحويله من منظمة للعمال اليهود إلى حزب قطري حقيقي".. ودعته إلى دعم حركة التحرر الوطني للسكان العرب في نضالهم ضد الاحتلال البريطاني- الصهيوني.". طرح الكومنتيرن أمام الحزب ثلاث مهام أساسية: * المهمة الأولى هي إنجاز تعريب صفوفه والتحول إلى حزب مرتبط بالجماهير العربية الفلسطينية. * المهمة الثانية هي إقامة الجبهة العمالية المتحدة للعمال العرب واليهود. * المهمة الثالثة هي إقامة الجبهة المتحدة المعادية للامبريالية. لقد شكلت مسألة التعريب القضية الأساسية للحزب, فهي تجسيد للاتجاه الموضوعي عند الشيوعيين للارتباط بالجماهير العربية. فمن جهة شكل السكان العرب الغالبية العظمى من سكان فلسطين. والمعنيون قبل كل شيء بالتحرر من الاستعمار البريطاني وبناء كيانهم السياسي المستقل. من جهة ثانية بدأت الطبقة العاملة العربية بالنمو العددي والكيفي وبتشكيل وعيها الطبقي, كما وأخذت تحتل حيزا ودورا في نمو الحركة التحررية العربية, غير منعزلة عن المد الثوري الذي اجتاح في تلك الفترة أوروبا والمستعمرات وخاصة مصر والعراق وسوريا والمغرب العربي. لقد قام الحزب الشيوعي بنشاطات نقابية وسياسية عديدة دفعت باتجاه التعريب وألأنعطاف نحو الجماهير العمالية العربية, حيث بدأ بنشر مواقفه ونشاطاته باللغة العربية , كما وفي عام 1924 قام بإصدار مجلة أسبوعية عربية علنية تدعى "حيفا", عالجت بالأساس قضايا العمال العرب في فلسطين. وقد أضحت هذه المجلة منبرا لشرح سياسة الحزب الشيوعي في صفوف العمال العرب في فلسطين . فتح النشاط النقابي في الوسط العربي أمام الحزب الشيوعي أفاقا جدية للتغلغل في وسط العمال العرب وجذب العناصر الواعية إلى صفوفه. أذ قام الحزب بتشكيل عدة خلايا عربية, إلى جانب ذلك بدأ الحزب بالعمل على إعداد كوادر عربية متقدمة, وذلك من خلال إرسال البعثات للدراسة في جامعه كادحي الشرق في موسكو. وكان من هؤلاء المرسلين عامل البناء رضوان الحلو- السكرتير القادم للحزب و كذلك نجاتي صدقي و موسي البديري, مما ساهم في تعميق عملية التعريب. بألأضافة إلى ذلك مارست اللجنة التنفيذية للكومنترن ضغوطات كبيرة على قيادة الحزب من اجل تسريع عملية التعريب, إلا أن جزءا من قيادة الحزب اليهودية , وخاصة سكرتيره العام حاييم اورباخ (أبو زيام), عملت على إعاقة ذلك, مما حذا باللجنة التنفيذية للكومنتيرن على تغيير القيادة الحزبية عدة مرات. وفي عام 1934 عيِِِن رضوان الحلو سكرتيرا عاما للحزب حتى عام 1943,عام تاسيس عصبه التحرر الوطني ألأمر الذي ساعد الحزب على الانفتاح أكثر على الوسط العربي وتطوير دوره ومساهمته في النضال التحريري للجماهير الفلسطينية.


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني