PCP

يا عمال العالم اتحدوا

الميليشيات المسلحة تستبيح ليبيا

يحاول أعضاء المجلس الوطني الانتقالي الليبي والحكومة الليبية الجديدة، التقليل قدر الإمكان من مخاطر الوضع الميداني في العديد من المدن الليبية وفي العاصمة طرابلس بشكل خاص. ولكن تصاعد الاشتباكات المسلحة في شوارع العاصمة الليبية وسقوط المزيد من الضحايا بين المدنيين الأبرياء، ضحايا الاقتتال بين الميليشيات المسلحة التي تسعى كل منها ليكون لها الحصة الأكبر في حكم ليبيا، وتطبيق معتقداتها الفكرية والسياسية، وتحقيق المنافع الشخصية، وبعض هذه المجموعات وخاصة التكفيرية منها، تسعى للانتقام من الموالين لنظام القذافي ومن المواطنين الذين لم يشاركوا هؤلاء «الثورجيين» القتلة أعمالهم الانتقامية، والذين فقدوا الكثير من المكاسب التي كانت مؤمنة لهم سابقاً. وهؤلاء المواطنين يواجهون الميليشيات المسلحة التي تمنعهم من التجمعات والمظاهرات الاحتجاجية على المماطلة في صرف مرتبات ومكافآت مالية لهم، وتراجع الخدمات الضرورية التي كانوا ينعمون بها سابقاً. وعلى الرغم من أن عدد من المجموعات المسلحة التزمت بالموعد النهائي الذي حدده المجلس الانتقالي للانسحاب من العاصمة طرابلس، إلا أن الكثير من هذه الميليشيات التي يقودها، زعماؤها، يتنافسون للسيطرة على بعض المنشآت والمؤسسات في أنحاء المدينة. ومن بين هذه المجموعات المتطرفة، ممن مارست وتمارس الفساد وبيع الأسلحة وتهريبها خارج الحدود لقاء مبالغ كبيرة من الدولارات، فكدسوا الثروات، وهؤلاء هم من مارس اغتصاب عدد كبير من النساء، أثناء أحداث العنف والقتل التي يحبون أن يسمونها «بالانتفاضة الليبية». هؤلاء القتلة تراهم اليوم يسيرون في شوارع طرابلس، وهم سلفيون يحملون البنادق والمدافع، ويقودون الشاحنات المحملة بالصواريخ وتتصدى لهم مجموعات مسلحة أخرى أيضاً تدعي «الدفاع عن الإسلام». والخلافات المعلنة بين هذه المجموعات المسلحة، هي بين تيارات متطرفة وبين من يدعى بالإسلام «المعتدل» وكل منهم يتبنى تفسيراً أكثر تشدداً للدين، ويطالبون بأن تكون مرجعية المجتمع والدولة وسياسات الحكومة المرجعية الدينية حصراً. ولا يمكن الاستهانة بحجم الخطر، فالأطراف المتقاتلة تمتلك كل منها كميات كبيرة من الأسلحة، وقد تحدد النتيجة من الذي سيتمتع بالنفوذ السياسي في ليبيا في نهاية المطاف. لقد أصبح فكر الأخوان المسلمين السمة البارزة لما يسمى «بالربيع العربي»، ففي تونس نجح حزب النهضة «الإسلامي المعتدل» الذي صرح زعيمه الغنوشي، «أنه لا يوجد في الدستور التونسي ما يحظر العلاقات مع إسرائيل» وأنه هو شخصياً، لم يتحدث يوماً عن أمريكا بأنها الشيطان الأكبر»؟!! .. والمجلس الانتقالي الليبي ورئيسه العميل الصغير للناتو، وعد بافتتاح سفارة للكيان الإسرائيلي في طرابلس. لقد أظهرت الثورتان التونسية والمصرية بأن الانتخابات النيابية التي جرت والتي حملت جماعات؟ الأخوان المسلمين إلى برلماني البلدين، تدل بشكل واضح، بأن الانتخابات ليست العصا السحرية التي تأملها الشعوب، وقد تأتي بنتائج عكس ما أراده الثوار الحقيقيون. لاشك أن الانتخابات الحرة النزيهة ستكون مقبولة من قبل الشعب بغض النظر عن نتائجها، ولكن من غير الممكن القول بأن الانتخابات التونسية والمصرية التي نجح فيها الأخوان المسلمون، كانت نزيهة وحرة. ففي الانتخابات التونسية أنفق حزب النهضة الأخواني مئات الملايين من الدولارات التي دفعتها قطر لهذا الحزب أثناء حملته الانتخابية. فعناصر هذا الحزب وكذلك الأخوان والسلفيون في مصر، استغلوا ظروف المواطنين المعيشية فقاموا بتوزيع المواد الغذائية الأساسية، ليتمكنوا بعد ذلك من شراء الأوطان، وخطف الثورة الحقيقية من أصحابها الفعليين، كما قد فعل الشيء نفسه حزب السادات ومبارك. ولو عدنا قليلاً للتاريخ كيف تلاعبت النازية الألمانية بمشاعر الشعب الألماني. وفي الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الرأسمالية، يلعب كيس المال الدور الحاسم في تقرير مصير الانتخابات. فكم كان أنجلز على حق عندما قال: بأن ممارسة الديمقراطية الحقة مرتبطة بالمستوى الحضاري للبشر. رغم كل ذلك لا يعني أن لا تكون هناك عملية انتخابات ولكن لكي تكون نزيهة وعادلة، يجب توفير الشروط المتساوية للمشاركين فيها، فالانتخابات تحتاج لمناخ سياسي بعيداً عن المال السياسي والنفوذ وتدخل السلطات في نتائجها. وما نراه اليوم في هذه الظروف هو محاولة لإنتاج الفوضى الخلاقة وتنصيب العملاء كما يحدث في ليبيا وغيرها ــ فالتيار الديني المتطرف وما يسمى بالمعتدل المدعوم من واشنطن ومن دول الخليج بالمال وغيره، لم يقم سوى بتدمير وتخريب الثورة في تونس ومصر خاصة. ويستمر حكام هذه البلدان بالتعاون مع قطر وتركيا بالقيام بدور مشبوه دعماً للمشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، وذلك من خلال دعم المخربين والخونة إن كان في ليبيا أو سورية لاستكمال مخطط ضرب قوى المقاومة والحرية في المنطقة العربية. ومن الواضح أن قدّر الشعب السوري لوحده مواجهة صراع الثيران الهائجة من خارج الحدود، الذين تقودهم أمريكا وحفنة من الخونة في الداخل والخارج، يحركهم المال السعودي والقطري وأجهزة استخبارات بعض الدول المجاورة التي تقوم بالتنسيق الكامل مع الاستخبارات المركزية الأمريكية. وما تشهده سورية اليوم من حرب إعلامية شاملة، قامت به نفس هذه الوسائل بحرب إعلامية مضللة ضد نظام القذافي، كانت تميل دائماً لتسليط الضوء على ما ترتكبه قوات القذافي، وتتجاهل في الوقت نفسه الانتهاكات والجرائم التي كان المتمردون يقومون بارتكابها بحق المدنيين، وما تقوم به قوات الأطلسي من قتل وتدمير للآمنين الليبيين وللبنية التحتية التي تم تخريبها بشكل تحتاج فيه إلى سنوات طويلة إعادة ترميمها. ولا أحد يعرف حتى الآن ماذا ستفرض أمريكا وفرنسا وبريطانيا على الشعب الليبي بعد أن تسبب حلفها الأطلسي بمقتل أكثر من /130/ ألفاً من الليبيين وإصابة نحو /200/ ألف بجراح وبتشريد مليون ليبي داخل وطنهم بسبب القصف المدمر وحصد الأرواح. يبلغ عدد سكان ليبيا حوالي /6/ ملايين، فهذا يعني أن أكثر من /10%/ من الشعب الليبي ما بين قتيل وجريح سقطوا في هذه الحرب الظالمة، بينما تشتت وفقد ممتلكاته ومصالحه أكثر من مليوني ليبي. وأمريكا تطالب بثمن كل رصاصة أنفقتها في قتل الليبيين وكذلك أعضاء حلف الناتو الآخرين. كما طالبت تماماً الحكومة العراقية بالتعويض لعائلات المقتولين الأمريكان على الأرض العراقية والبالغة مليارات الدولارات. عدا نفقات الحرب التي قدرتها واشنطن ب، /800/ مليار دولار. عندما انفجر الوضع في ليبيا، التقى ساركوزي مع قيادات المجلس الانتقالي الليبي، وهمس في آذانهم، إذا أردتم السلاح للمقاتلين وتدخل الناتو، لابد من الحصول على المداخيل النفطية مقابل السلاح والمال. ووافق المجلس الانتقالي على أن يقوم حلف الناتو والـ «CIA» والاستخبارات الفرنسية بهذه المهمة، مقابل العقود النفطية بعد القضاء على نظام القذافي، وهذا ما جرى بالضبط، وستمر سنوات طويلة يدفع خلالها الشعب الليبي فاتورة الحرب التي شنها الناتو على بلاده على حساب لقمة شعبه وتنميته الاجتماعية والاقتصادية وسرعان ما أدرك الشعب الليبي أن الغرب آخر ما يفكر به هو حرية الشعب الليبي، وحتى لو فكر ولو للحظة، فإنه يربط ذلك بمدى المنافع النفطية والثروات الأخرى التي سيجنيها من خلال ذلك.


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني