PCP

يا عمال العالم اتحدوا

الاتحاد الأوروبي إلى أين؟

بيّنت الأزمة التي تهز العديد من اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي مدى التناقضات داخل زعامة هذه المجموعة الإمبريالية. فرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يرى أن أزمة منطقة اليورو تظهر ضرورة إصلاح الاتحاد الأوروبي وجعله لا مركزياً وأكثر مرونة ً، عوضاً من السعي إلى تكوين كتلة ممركزة ومتراصة، وهذا الموقف يقع في تضاد مع ما تطرحه القيادة الألمانية التي تسعى إلى تعميق التكامل الاقتصادي والسياسي في إطار الاتحاد الأوروبي. وحسب رأي كاميرون، المعروف بحماسه المعتدل جداً للوحدة الأوروبية، أن تدخل الاتحاد الأوروبي والقواعد الكثيرة التي يفرضها تعرقل النمو الاقتصادي، لذلك على بروكسل أن تعيد للدول الأعضاء جزءاً من صلاحياتها. وتريد بريطانيا أن تتحكم بمفردها بقانون العمل لديها خاصة في مجال امتداد يوم العمل. ويتهم كاميرون الاتحاد الأوروبي بفقدان شعور الواقعية لديه، حيث تريد المؤسسات الأوروبية زيادة موازناتها في حين أن المواطنين الأوروبيين مضطرون لشدّ أحزمتهم. وكما أشارت صحيفة «ديلي ميل» أن الأوساط الحاكمة في بريطانيا تريد أن تستغل الأزمة الأوروبية لكي «تتحرر من الاتحاد الأوروبي». وفي الوقت نفسه يطرح السؤال كيف لها أن «تتحرر»، في حين أنَّ اقتصادها مرتبط جداً بالاتحاد الأوروبي، حيث يصدر إليه /40%/ من مجمل صادراته؟ لذلك عبر كاميرون وبشكل قطعي عن معارضته لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وأكد أنه فقط يريد أن يصلح هذا الاتحاد من خلال إعادة النظر باتفاق لشبونة الذي يحدد القواعد العامة لعمل الاتحاد الأوروبي. من جهتها تقول المستشارة الألمانية أنغيلا ميركيل أنها أيضاً تريد إعادة النظر في اتفاق لشبونة، ولكن بمنظور آخر تماماً لما يطرحه زميلها البريطاني، أي باتجاه توسيع صلاحيات المفوضية الأوروبية، وبالدرجة الأولى منحها صلاحية إلزام الدول المدِينة بانضباط قاس في مجال نفقات موازناتها. وفي المؤتمر الأخير للحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم الذي جرى في ليبتزيغ أعلنت ميركيل أن مهمة الجيل الأوروبي الحالي إتمام الاتحاد الاقتصادي والنقدي في أوروبا وتكوين اتحاد سياسي على هذا الأساس. وحسب إدعائها، فقد بيّنت الأزمة أن القرارات المتخذة في إحدى دول الأعضاء تؤثر على الدول الأخرى، لذلك من الهام رصّ صفوف الاتحاد الأوروبي إلى أقصى حد ممكن. بينما رئيس الكتلة البرلمانية لهذا الحزب فولكير كاودير كان أكثر صرامة عندما قال في كلمته بمؤتمر لايبتزيغ: «أنه من الآن ولاحقاً ستتكلم أوروبا بالألماني»، مما أدى إلى موجة احتجاجات في العديد من الدول الأوروبية. فقد كتبت تايمز اللندنية: «أن ألمانيا مجدداً تحارب أوروبا. وهي بشكل خاص تريد وضع حدود جديدة وتسعى إلى استعباد الشعوب الأخرى». بينما «بيلد» الألمانية تخيف الألمان عندما تؤكد: «أن الكل يسعون إلى الحصول على أموالنا: البريطانيون، والأمريكيون والجميع في الاتحاد الأوروبي». أما فرنسا فهي تناور بين هذين النقيضين. وما يجعل موقفها متذبذباً كون مؤسسات أوروبية عديدة تعتبر وضعها الاقتصادي صعباً جداً. فكما أشارت شبكة «أوروينوز» أنه «من المحتمل أن تكون فرنسا الحجر التالي من أحجار الدومينو الذي سيسقط نتيجة أزمة المديونية العامة». وأتت هذه التقييمات بالرغم من أن فرنسا أظهرت شيئاً من الانتعاش الاقتصادي في الربع الثالث من العام الجاري. وبسبب هذه المخاوف تصر باريس على زيادة دور البنك المركزي الأوروبي في دعم الدول المدِينة من خلال إصدار سندات مالية من قبل هذه المؤسسة لدعم الدول الواقعة في أزمة. وهذا الموقف لا يتناسب مع التوجه الألماني الذي يقول أنه يراد تحميل ألمانيا نتائج رعونة الآخرين. ولتسوية الخلافات دعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي كل من المستشارة أنغيلا ميركيل ورئيس وزراء إيطاليا الجديد ماريو مونتي لتناول الغداء في مدينة ستراسبورغ بالمشاركة مع أهم المسؤولين في المفوضية الأوروبية. والغداء الذي امتد لساعة ونصف فقط كان عسير الهضم كما شخـّصه الصحفيون. ويشير المراقبون أنه لدى دول الشمال تزداد المشاعر بوجوب التخلص من الشركاء المفلسين بأي سبل. إذ حاول العديد من أعضاء مؤتمر الحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا أن يمرروا توصيات حول طرد اللاعبين الضعفاء من منطقة اليورو. وفي نفس الاتجاه أتت مقولات رئيس وزراء هولندا مارك ريوتي: «أنه في المستقبل يجب أن يكون الحد الأقصى للعقوبة بإجبار الدول المعنية بالتخلي عن اليورو». وفي حين تجري المواجهات بين حيتان الإمبريالية لإيجاد مخرج مناسب لكل واحد منهم من الأزمة، تتوصل الجماهير الشعبية إلى قناعة بأن المخرج الأفضل هو التخلص من الحيتان أنفسهم. هذا ما تقوله الجماهير في اليونان وهذا ما يسعى إليه الغاضبون في إسبانيا...


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني