PCP

يا عمال العالم اتحدوا

السلطة الفلسطينية ضحية لعبتها

جوليان سالانغ أستاذ وباحث في العلوم السياسية، مختص بالمسألة الفلسطينية. نشر مؤخرا كتابا بعنوان "بحثا عن فلسطين، ما بعد سراب أوسلو" . يتناول بالفحص في المقابلة التالية طلب انضمام فلسطين إلى منظمة الأمم المتحدة و يعتبره حدثا خلوا من أي مضمون..(مقابلة صحفية) لماذا تطلب السلطة الفلسطينية انضمام دولة فلسطينية إلى منظمة الأمم المتحدة في الأسبوع المقبل؟ إنها تطلب من منظمة الأمم المتحدة هذا الاعتراف لأن لديها انطباعا بأن كل ما تم القيام به لحد الآن فاشل. فالمفاوضات توجد في نقطة الصفر منذ أكثر من 10 سنوات، ومحاولة بناء دولة "من أسفل"، التي كانت خط حكومة سلام فياض [الوزير الأول بالسلطة الفلسطينية منذ 2007] فشلت إلى حد بعيد. الجوهر الكامن خلف هذه الفكرة الأصيلة هي التالي: رغم استمرار الاحتلال، نقوم ببناء البنيات التحتية التي ستصبح عمليا "دولة" يمكن فيما بعد للمجموعة الدولية أن تعترف بها كدولة. ليس نهاية الاحتلال ما سيتيح قيام دولة، بل قيام الدولة سينهي الاحتلال. لكن الدولة عمليا لا وجود لها بعد. لم يبق غير منظمة الأمم المتحدة. وقد ولد هذا الفشل الحاجة إلى مسعى إضافي، يتمثل في التوجه إلى الأمم المتحدة بقصد الحصول على شرعية على الصعيد الدولي بصفة ممثل دولة. وقد دفع وعي المسؤولين الفلسطينيين بالطابع الافتراضي للدولة الفلسطينية إلى الاعتقاد أن هذا المسعى سيعزز حججهم. بوجه حجج إسرائيل؟ ما يحرك هذا المسعى هو أمل أن تكون السلطة الفلسطينية على قدم المساواة مع إسرائيل في مفاوضات بين دولتين بإشراف أمريكي. لكن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت نية الاعتراض بالفيتو على هذا الاعتراف بالدولة الفلسطينية داخل منظمة الأمم المتحدة. أليس هذا ، و الحالة هذه، مسعى الفرصة الأخيرة من جانب السلطة الفلسطينية؟ فعلا، انه مسعى الفرصة الأخيرة لسلطة فلسطينية راهنت على حل الدولتين، وفاوضت تحت إشراف الولايات المتحدة الأمريكية. بطلب هذا الاعتراف ربما تحاول إعادة تحريك منظور مرفوض أكثر فأكثر لا سيما من قبل الفلسطينيين أنفسهم، بسبب زوال الأسس المادية للدولة بفعل استمرار الاستيطان و التصلب الإسرائيلي بصدد المسائل الأساسية. كما يلاحظ فك ارتباط بين القيادة الفلسطينية، المهووسة بالتفاوض، و السكان الساعين إلى مقاومة الاحتلال و عواقبه. هل يمكن الحديث عن فشل السلطة الفلسطينية؟ كان مفترضا أن تزول هذه السلطة مع قيام الدولة. لكن في النهاية لم تعلن الدولة، و ليس لها أي وجود مادي. تضع حصيلة السنوات العشرين الأخيرة موضع سؤال شرعية السلطة الفلسطينية وحتى وجودها، هذه السلطة المشرفة على تسيير مناطق حكم ذاتي دون أن تحصل على أي استقلال فعلي. سقط ممثلو السلطة الفلسطينية في تناقضات متأصلة منذ توقيع اتفاق أوسلو في 1993-94. لقد راهنوا على بناء الدولة الفلسطينية في إطار سيرورة متفاوض عليها مع دولة إسرائيل، آملين إثبات إمكان إسناد تسيير مجموع الأراضي المحتلة لهم. لكن هذا المشروع فشل. لقد وقعت السلطة الفلسطينية ضحية لعبتها الخاصة. في البدء لم تكن تنوي السير حتى نهاية مسعى منظمة الأمم المتحدة. لقد دققتُ في بعض ما صدر أخيرا من وثائق ويكليكس، وعثرت فيها على تصريحات مسؤول فلسطيني، صائب عريقات، الذي كان يضمن قبل عام ونصف لمسؤولين أمريكيين ألا يسير الفلسطينيون حتى النهاية، وأن يتوقفوا حال استئناف المفاوضات. لكن المفاوضات لم ُتستأنف. هل يحتمل ألا يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية بموجب الطلب المقدم يوم 23 سبتمبر؟ طبعا سيتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية من طرف أغلبية الدولة في الأمم المتحدة. لكنها لن تقبل عضوا. فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية منذ البداية أنها لن تتبع المسعى الفلسطيني، فستستعمل حق الفيتو. وما من سبب ليتغير ذلك. أظن أن قسما من السلطة الفلسطينية كان يأمل أن تجبر التطورات الجارية بالمنطقة الأمريكيين على خفض تبعيتهم لإسرائيل. لكن هذه المراهنة كانت جسورة. كانت منظمة التحرير قد ركبت الرهان ذاته خلال 30 سنة، أي رهان أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية حكما بين إسرائيل و الفلسطينيين. و الحال أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون حكما، إنها مدرب احد الفريقين. فإسرائيل تظل حليفها الرئيس بالمنطقة. هل تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تفادي تصويت في نيويورك؟ سيكون للفيتو المعلن صدى سيئ بالمنطقة العربية. وهو موقف بات يزعج الإدارة الأمريكية. وبالتالي فمؤكد أن ثمة مفاوضات جارية في هذه اللحظة بين الولايات المتحدة الأمريكية و الفلسطينيين لثنيهم على مواصلة المسعى حتى النهاية. و بجميع الأحوال لن تكون فلسطين عضوا بمنظمة الأمم المتحدة. إذا لم تقم الدولة الفلسطينية برعاية الأمم المتحدة، أو الولايات المتحدة، فقد يكون لها عراب آخر، مثل تركيا ؟ لكن مهلا، ما الذي يعتبر دولة؟ ثمة دول ليست عضوا بمنظمة الأمم المتحدة مثل تايوان أو كوسوفو. ولها علاقات دبلوماسية و اقتصادية... مع أغلبية "المجموعة الدولية". رهان فلسطين الرئيسي هو السيادة السياسية و الترابية. يمكن أن تعترف بها 191 دولة، لكنها بلا سيادة. ف قسم من ترابها لا يزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، ولن يحل كونها "دولة" مسألة اللاجئين أو الفلسطينيين ضحايا الميز الإسرائيلي. إذا كان إعلان الدولة لا يغير المعطيات، فهل سيكون للانتفاضات العربية اثر على الفلسطينيين؟ ما قد يحرك الخطوط هو فعلا الحركات الناشئة بالعالم العربي التي قد تؤدي إلى عزل إسرائيل على الساحة الإقليمية. حالما أمكن للشعوب العربية أن تضغط على حكامها، اتخذت المسألة الفلسطينية من جديد طابعا إقليميا، وقد تصير قضية عربية. لكننا بعيدون جدا عن هكذا حالة. لكن لا شك أن تعبئة المصريين بعد اعتداء اليات يوم 18 أغسطس الأخير ردعت إسرائيل عن مواصلة مهاجمة قطاع غزة بشراسة. و تمثل أحداث السفارة الإسرائيلية بالقاهرة يوم 9 سبتمبر آخر أمارات التغيرات الجارية، إذ لم يعد بوسع بعض الأنظمة كبح الاحتجاج. ماذا سيضيف، بنهاية المطاف، هذا التصويت بالأمم المتحدة ؟ سيأتي بتأكيد ما بات معلوما منذ بضع سنوات، ألا وهو أن إسرائيل في عزلة متزايدة على الساحة الدولية. لذا لا تريد الولايات المتحدة الأمريكية، و لا إسرائيل، هذا التصويت الذي سيجسد، في لحظة معينة، داخل منظمة الأمم المتحدة، عزلة الدولة العبرية. ستؤكد تلك الجلسة تطورا جاريا منذ سنوات عديدة، و متسارعا بعد قصف غزة في 2008-2009. لكن هذا التصويت لن يغير ميزان القوى حول مسالة السيادة الترابية و السياسية للفلسطينيين. مقابلة بمجلة L’Express ، نشرها جوليان سالانغ بمدونته تعريب : المناضل-ة


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني