PCP

يا عمال العالم اتحدوا

مصر... ألاعيب البسطار وسدنة الهيكل في مواجهة الثورة المستمرة

فضت الشرطة العسكرية المصرية الاعتصام أمام مقر السفارة الإسرائيلية بالقاهرة في أعقاب تراجع أعداد المعتصمين بعد تسعة أيام من الاعتصام. هذا الاعتصام الذي بدأ بعد اقتحام المتظاهرين سفارة العدوان ووكر التجسس الصهيوني وأنزلوا علم القتلة والمجرمين وأحرقوه ورفعوا العلم المصري عوضاً عنه، مطالبين بقطع العلاقات الدبلوماسية بالدولة الصهيونية وإعادة الحقوق المسلوبة في الأرض والثروات. وأعادت الشرطة العسكرية وضع الأسلاك الشائكة والحواجز الاسمنتية في مدخل الشارع المؤدي إلى مبنى السفارة، وانتشر عدد كبير من الجنود خلف الحواجز حاملين العصي والدروع، فيما تموضعت ست مدرعات أمام المبنى لتأمينه. في وقت تراجع فيه المجلس العسكري عن قرار خجول باستدعاء السفراء، فيما أعلنت العديد من القوى السياسية تعليق الاعتصام حتى انتهاء "التحقيقات المشتركة" بين مصر وإسرائيل حول مقتل خمسة من الجنود المصريين بنيران إسرائيلية في سيناء. في المقابل تنتشر دعوات إلى جمعة الغضب الثالثة في 9 أيلول المقبل للمطالبة بطرد السفير وتحقيق مطالب الثورة مترافقة مع المطالبة بعدم الاستجابة للدعوات المهادنة بتعليق الاعتصام. وتحاول القوى الانتهازية والعميلة دق الأسافين بين المتظاهرين سواء من خلال الانضمام المفاجئ للتحركات ومحاولة ركوب موجة الاستياء أو الانسحاب المفاجئ منها، أو من خلال رفع شعارات مهادنة حيناً ومتطرفة حيناً آخر، لا بل وصلت الوقاحة بالبعض إلى حد تفجير نقاشات حول من أنزل العلم الصهيوني عن السفارة الإسرائيلية ووضع العلم المصري بدلا منه رغم أن المشهد مصور ونقل على مختلف الشاشات التلفزيونية، وتحول اختلاف الروايات بين المعتصمين حول قصة تسلق مبنى السفارة إلى مشادات كلامية، كادت تتطور إلى اشتباكات لولا نجاح بعض العقلاء في تهدئة الجانبين. وبعيد ذلك اندلع خلاف آخر بين المعتصمين عندما جاء شاب ملتح يطالبهم بحمل السلاح والتوجه إلى الحدود بدلا من الهتاف الذي لم يعد يحل شيئاً، على حد قوله. في هذه الأثناء ذكرت صحف مصرية نقلا عما وصفته بمصدر رفيع المستوى بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة بأن (القاهرة تدرس حاليا تعديل بعض بنود "معاهدة السلام" مع إسرائيل فيما يخص نشر القوات وطبيعة الأعداد والمعدات بسيناء، في إطار ما يخدم الحفاظ على الأمن في المنطقة، وما يتوافق مع سياسة مصر الخارجية عقب ثورة 25 يناير)، وما يخدم أمن المنطقة يعني تعزيز القبضة الأمنية على سيناء من خلال وقف عمليات استهداف انبوب الغاز وعرقلة دعم المقاومة الفلسطينية والاستمرار في خنق غزة. وتنص "معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية" الموقعة في العام 1979 على انهاء الوجود العسكري في سيناء. ولم توافق اسرائيل سوى مرة واحدة في 2005 على الخروج عن نص المعاهدة عندما سمحت لقوة من الشرطة المصرية بالتمركز في معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة لخنق القطاع وتجويع أهله والإمعان في إذلالهم، وللتذكير فقد كان عمر سليمان، رئيس المخابرات المصرية، المهندس الميداني لهذه العملية في حين وفر له عمرو موسى التغطية السياسية من خلال ما يسمى الجامعة العربية، وقاد محمد البرادعي، رئيس هيئة الطاقة الذرية آنذاك، عمليات التمويه من خلال توجيه الأنظار إلى الملف النووي الإيراني حينما تحولت غزة لمعسكر اعتقال نازي، وموسى والبرادعي، المرشحان الرئاسيان الآن، يقومان اليوم بتضليل الرأي العام المصري ومحاولات تمييع النضال الثوري بالتعاون مع المجلس العسكري والأخوان المسلمين. وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أكد استعداد بلاده للنظر في أي طلب مصري لنشر قوات عسكرية إضافية في سيناء، وقال وزير دفاعه إيهود باراك أن السماح لمصر بنشر المزيد من القوات في سيناء سيمكنها من السيطرة على "حالة الفوضى" على طول الحدود، معتبرا أن ذلك يصب في مصلحة إسرائيل. وكانت الاذاعة الاسرائيلية اعلنت ان اسرائيل وافقت على انتشار نحو الف عنصر من حرس الحدود المصريين في شبه جزيرة سيناء بهدف "اعادة الامن" الى هذه المنطقة. وأكد تقرير لمجلس العلاقات الخارجية بواشنطن أنه (إذا كان المجلس العسكرى، واقعيا، أفضل حليف لإسرائيل داخل مصر حاليا، فإنه يتعين على تل أبيب الكثير للقيام به. ورغم أنه دائما لا يقرأ الإسرائيليون جيرانهم بشكل صحيح، لكن يبدو أنه قد حان الوقت لفهم أن السيادة المحدودة لمصر فى سيناء أساءت للمجلس العسكري سياسياً ولإسرائيل أمنياً). بكلمة أخرى، فإن توسيع مهام الجيش المصري تعني: توسيع قدراته لحماية ظهر اسرائيل الصهيونية، والحفاظ على أحد أبرز انجازات الرئيس المخلوع حسني مبارك وهو انجاز تزويد اسرائيل بالغاز المصري بأسعار بخسة، وهي إحدى أكبر صفقات الفساد في التاريخ المصري، بينما يعمل الاعلام المأجور والامبريالي على تصوير إعادة نشر القوات المصرية في سيناء وكأنه انجاز غير مسبوق للمجلس العسكري، في محاولة لتمييع القضايا وإلباسها لبوساً يهدف لتوجيه المشاعر الثورية في غير وجهتها الحقيقية بما يديم سلطة العسكر، كواجهة لحكم البرجوازية الكمبرادورية، والممثلة بالقوى السياسية ذات الصلة الوثيقة بنظام مبارك، والمتحالفة مع البرجوازية التجارية والاقطاعيين السابقين وكبار ملاك الأراضي والممثلين بالأخوان المسلمين. وتبقى المشكلة الأساسية التي تواجه الثورة المصرية هي كثرة التنظيمات وضعفها وغياب أشكال التنظيم الجدي بما يعكس الوعي الاجتماعي للجماهير، ويزيد من تشويش الصورة القوى التي لبست وتلبس لبوس المعارضة في حين تنسق مع النظام الحاكم سراً وعلانية وتنساق في مخططاته وتلعب الأدوار المرسومة لها، ويضاف إلى ذلك اشاعة الثقة العمياء بالمجلس العسكري، ومحاولة اضفاء هالة قدسية عليه وعلى قراراته طالما تمتع بها طغاة مصر. ومازالت الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية تسوء في مصر، والآفاق السياسية تزداد غموضاً، ومازال الفرعون المخلوع راقداً على محفته وحوله ومن خلفه سدنة هيكله وحماة عرش الطغيان، ومازال القمع يمارس على استحياء أو تحت مظلة قانون مفصل على مقاس الطغاة. وكأن التاريخ يقول مجدداً، كما قال أحد المنورّين قبل قرن من الزمن، أنها (لن تنتصر حتى تتبلشف). وإن كانت الثورة المصرية تحبو قبل أشهر فإنها مازالت تحبو اليوم لكنها بدأت تتعلم الكلام.


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني