PCP

يا عمال العالم اتحدوا

الشعب اليمني ليس سعيداً بالتآمر الأمريكي والخليجي

المحتجون في الشارع اليمني، السعداء بذهاب الرئيس علي عبد الله صالح إلى السعودية للمعالجة من الإصابات التي تعرض لها، يطالبون بعدم عودته إلى اليمن، وإذا ما عاد، يجب أن لا يعود لممارسة مهامه رئيساً للبلاد. ويعتبرون سفر صالح للسعودية، هو نهاية نظامه، دون أن يكون لدى أحد الوضوح حول ماهية النظام الذي سيحل مكانه. الجميع في اليمن قلق على المصير الغامض لبلدهم. فتوازن القوى بين المعارضة والموالين لنظام صالح يكاد يكون متساوياً، مع غلبة واضحة للشعب اليمني الذي يحلم بغدٍ سعيد لوطنه وشعبه، ويطمح بإنهاء الأزمة، التي قد تدفع إلى حرب أهلية، بدت ملامحها قوية من خلال الصراع العشائري والقبلي المسلح، الذي يرفضه معظم أبناء الشعب اليمني، لقناعته بأن زعماء العشائر يبحثون عن مصالحهم الخاصة، وخدمة مصالح الغرب الاستعماري ومصالح الولايات المتحدة. وفي الجوهر، الشعب لا يفرق كثيراً بين قوات صالح وقوات الأحمر حلفاء الأمس. وهما معاً مرتبطان بالأجندة الأمريكية والخليجية. وأمريكا الحزينة على حليفها علي عبد الله صالح، لم يكن لديها خيار سوى مطالبته بالتنحي، لصالح خصمه الأحمر، أملاً في تفويت الفرصة على الثوار الحقيقيين الذين انتفضوا ضد واقعهم المأساوي، الذي لم يعد ممكناً تحمله، والذي أفرزه نظام كمبرادوري ممزوج بالقبلي والعشائري الإقطاعي المتخلف. فاليمن يتميز بخصائص سلبية جداً، ساهمت إلى حد كبير بتمدد وتكاثر أزماته ومشكلاته، أهمها ارتفاع نسبة الجهل والأمية تفوق /75%/ من عدد السكان، وارتفاع معدلات الفقر /65%/ تحت خط الفقر، وارتفاع نسبة البطالة /40%/ من عدد السكان، مع ضعف الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة ضعف الموارد الاقتصادية، وعدم القدرة على استغلالها. إضافة إلى تعدد وتنوع التيارات المتصارعة ووجود اختلالات كبيرة في البناء المجتمعي والأنساق الاجتماعية المتخلفة. ويتميز الوضع الراهن في اليمن بمسألتين أساسيتين، الشارع اليمني المناهض لحكم صالح الاستبدادي العميل لأمريكا والخليج، ويريد إنهاء حكمه لصالح الشعب وإعادة الحقوق المسلوبة، التي انتزعت من الجنوبيين بعد إعلان الوحدة الاغتصابية، التي حرمت اليمن الجنوبي من جميع المكتسبات التي تحققت في ظل النظام الوطني التقدمي السابق. ومساواة الحوثيين المحرومين من الحقوق المدنية والإنسانية، مع الآخرين على الأقل من الناحية الدستورية والقانونية. ومن جهة أخرى لم يثق الرئيس ومؤيدوه، أن تضمن المبادرة الخليجية سلامته وعدم ملاحقته في حال تنحيه عن السلطة. لذلك يصر على القتال حتى آخر قطرة من دم شعبه. ويدرك صالح النسيج الاجتماعي والثقافي المتراكم عبر السنين والذي لا يمكن لأي وثيقة سياسية أن تلغيه مهما كانت الضمانات. فالعرف القبلي له استحقاقاته بدءاً من الثأر أو دفع الدية وصولاً إلى الانتقام السياسي، والذي لا يمكن تجاهله في النزاع السياسي القائم. وهذه المواصفات للمجتمع اليمني، تساهم في تطويل الأزمة وتعقيدها. إلا أن القلق الحقيقي والارتباك، يبدو واضحاً لدى الإدارة الأمريكية تجاه الحدث اليمني، ففي الوقت الذي، تمكنت فيه الإمبريالية الأمريكية من قطع الطريق على وصول الثورتين التونسية والمصرية إلى أهدافها في إجراء تغيير حقيقي والتحول نحو الديمقراطية الفعلية المنشودة، فإن هاتين الثورتين، تطمحان في شق طريقهما نحو التغيير الذي يستجيب لمصالح الشعبين التونسي والمصري. بعد إسقاط حليفين رئيسيين للإمبريالية الأمريكية وإسرائيل في المنطقة، فإن واشنطن بدورها، تسعى جاهدة لإملاء إرادتها على مسار ونتائج هذه الثورات. وينسحب هذا الموقف على الوضع في اليمن، فأمريكا التي كانت تعول كثيراً على الرئيس اليمني، لتفويت الفرصة على الثوار، فإنها فجأة تخلت عنه كما فعلت تماماً مع زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومع القذافي، وتطالبه بالتنحي. ولو أنها ضمنياً تشعر بغصة على هؤلاء «الزعماء» الذين قدموا لها خدمات لا تقدر بثمن. وتخلت فقط عندما اقتنعت بأن صالح كما هو حال عملائها الآخرين، لم يتمكن من احتواء الأزمة. والجميع يذكر، عندما رجحت كفة الشعب التونسي والمصري واليوم اليمني، فوراً طالبت بتنحي هؤلاء عن الحكم. رغم أن صالح قدم كل التنازلات في بداية الاحتجاجات، حتى خيل للبعض أنه سيتخلى طوعاً عن الحكم. والرئيس صالح كما الآخرين شعر بخيانة أمريكا له، تماماً كما شعر بن علي ومبارك والقذافي. وكأن ما يجري يتم وفق سيناريو محبوك بدقة في غرف العمليات الأمريكية والغربية. والحقيقة، أن الشعوب العربية لم تعد قادرة على تحمل الأنظمة العميلة والفاسدة والمتسلطة، والخادمة المطواعة للإمبريالية الأمريكية وإسرائيل، وعندما اقتربت هذه الشعوب من النجاح، سارعت أمريكا لركب موجة الاحتجاجات وتجييرها لصالحها. والمساعي الأمريكية والخليجية لتهدئة الوضع في اليمن، ليس حرصاً على الشعب اليمني، بل لتخوفها من انتقال العدوى اليمنية وغيرها على عقر دارها. فالحالة اليمنية، في حال وصول الثورة إلى نهايتها السعيدة بالنسبة للشعب اليمني، قد تنعكس على دول الخليج. وربما يتلخص الموقف الخليجي والأمريكي، في إيجاد مخرج آمن للرئيس اليمني، وهو الذي خدم الرجعية الخليجية ومصالح الولايات المتحدة طوال سنوات طويلة، وهو الذي أنهى النظام التقدمي في الجنوب اليمني، الذي كان عامل قلق ورعب بالنسبة للمصالح الأمريكية في المنطقة وخاصة في القرن الأفريقي. فعندما يعلن أوباما عن رغبته بـ «تشكيل العالم كما يجب أن يكون»، لم يقصد سوى أن يكون هذا العالم في خدمة المصالح الأمريكية. وتستخدم أمريكا قوتها الدبلوماسية والعسكرية، لإعادة تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمنطقة العربية، والهدف هو تحويل الثورات الشعبية إلى ثورات مجيرة لصالح أمريكا، وذلك بصياغة مجموعات جديدة من الزعماء مدجنة سهلة الانقياد وتكون نخبة مختارة صديقة ومنصاعة للولايات المتحدة وإسرائيل، ليس فقط من بين أصدقاؤها القدامى ولكن عن طريق احتواء القوى الجديدة التي تنتجها الثورة. وهذا ما تحدث عنه أوباما موضحاً: «علينا أن نصل إلى أولئك الناس الذين سيصوغون المستقبل .. ولاسيما الشباب وأن نقدم المساعدة إلى المجتمع المدني، وعلينا مضاعفة الميزانية لحماية مؤسسات هذا المجتمع». «ولن يكون المستفيدون من عناصر الليبرالية الجديدة فقط، وإنما هم من النشطاء قادة الحركات الاحتجاجية والإسلاميين المعتدلين» وثمة برامج أمريكية موجهة إلى الشباب ... «قادة مشروع الديمقراطية» والذي ترعاه وزارة الخارجية الأمريكية بمساعي «الشراكة الشرق أوسطية». وتعمل واشنطن اليوم لانتزاع فكرة معارضة الهيمنة الأمريكية والإيديولوجية الليبرالية الجديدة، في المنطقة، وتحويل القوى «الثورية» المنتفضة إلى قوى براغماتية مهيأة للاندماج بالنظام الدولي القائم الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، والمشكلة ليست في الشخصيات بحد ذاتها، بل باستعدادها القيام بهذا الدور المرسوم لها أمريكياً، ولا يهم الكثير من هذه الشخصيات التي قبلت الاندماج، أن تفقد قاعدتها الشعبية، بسبب قبولها بالرعاية الأمريكية. والإيديولوجية الأمريكية التي تريد تعميمها على المنطقة، ليست فقط سياسية وفكرية بل تكمن جذورها في الاقتصاد، الذي يجب أن يخدم السياسة. ولكي يقوم بهذا الدور، لابد أن يكون من خلال الأسواق الحرة والشركات التجارية، والنهج الاقتصادي الليبرالي، الذي يصفه البعض بأنه «الإصلاح الاقتصادي». دون أن ينتبه على أن مثل هذا الإصلاح الليبرالي هو بالذات الذي أنتج الحالة الثورية المناهضة لنتائجه السلبية على المجتمع والكادحين، وتتم اليوم خطط تحت شعار الاستقرار والتحديث الاقتصادي في العديد من البلدان بما فيها اليمن، برعاية وتخطيط البنك العالمي وصندوق النقد الدولي والبنك الأوروبي للتنمية بناء على طلب الولايات المتحدة الأمريكية. ومن المعروف أن استثمار الأموال والمساعدات المقدمة لأي بلد مشروطة باعتماد نموذج الولايات المتحدة في تولي المؤسسات باسم الليبرالية والإصلاح وتوجيه اقتصاديات منطقة الشرق الأوسط وغيرها للارتباط والارتهان بالسوق الأمريكية والأوروبية ــ ومن الواضح أن أمريكا بطرحها لإيديولوجيتها على بلدان العالم الثالث، ستكون هي المشكلة وليست الحل، وستبقى تمثل قوة احتلال بعباءة مزيفة اسمها الديمقراطية وحقوق الإنسان. ولكن هذه السياسة بالذات هي التي تقاومها الشعوب المتطلعة فعلاً للديمقراطية والحرية والاستقلال. د. ابراهيم زعير


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني