PCP

يا عمال العالم اتحدوا

تواصل الحملة على قوى المواجهة العربية باسم الديمقراطية

في مقال بعنوان )) حزب الله وسياق المنطقة, هل يتحرر لبنان من محرِّريه؟)), يقول لنا أحد سدنة الديمقراطية, بأن الشعبية التي يحظى بها حزب الله والتي تجاوزت حدود لبنان, لا تشكِّل دليلاً على إمكانية استمرار هذا الحزب وتعاظم قوته, فقد شهدت المنطقة العربية خلال الحقبة السابقة قوىً ثورية أكثر شعبية من هذا الحزب, غير أنها لم تلبث أن ذوت وانهارت بعد أن بدأت تغترَّ بشعبيتها إثر تحقيقها بعض المنجزات, معتبرة أن وضعها بات يعطيها الحق بالتعالي على جماهيرها وعلى استئصال القوى الأخرى المخالفة لها, وما هو كارثي في هذا السياق الذي عاشته المنطقة " كما يضيف الكاتب", هو أن تلك القوى عندما كانت تنهار بسبب غرورها ونتيجة استفزازها للعدو الخارجي, لم تكن تغرق أتباعها وحدهم في بحر من الدماء بل تغرق معهم بلدها ومنطقتها. فقبل هذا الحزب- كما يوضح لنا الكاتب-, التفَّت الجماهير العربية حول نظام عبد الناصر في أعقاب الإنتصار الذي حققه على العدوان الثلاثي عام 1956, إذ تحمَّست الجماهير له, ورأت فيه المعبر عن أحلامها في الوحدة وفي تحرير فلسطين, غير أن هشاشة هذا النظام الذي استمرأ القمع ضد الآخرين مدلاً بقوته وبشعبيته, سرعان ما تكشفت من خلال الهزيمة المدويِّة التي مني بها في حرب حزيران عام 1967, والتي أتت بعد عامٍ فقط من الضجيج الإعلامي الذي أثاره حول صاروخي القاهر والظافر القادرين على حسم المعركة مع" الكيان المصطنع". واحتشدت الجماهير العربية بعد ذلك خلف قوى البعث, وتغاضت عن الجرائم التي ارتكبها صدام حسين بحق شعبه وبحق شعوب المنطقة على أساس أن صواريخه باتت قادرة على تدمير إسرائيل, لكن هذه الجماهير استيقظت من أحلامها حين شهدت سرعة انهيار نظام هذا الدكتاتور أمام الغزاة, ليبدو واضحاً أن قوة هؤلاء الطغاة لا تظهر إلا ضد معارضيهم في الداخل وضد شعوبهم. وهذا المآل لقوانا الثورية- كما يضيف كاتب المقال-, يذكِّر بالمآل الذي انتهى له الإتحاد السوفييتي الذي تأسس نظامه على القمع وعلى المجازر الوحشية,(( فوفقاً لمؤرخين موضوعيين- كما يقول -, أحسَّ الشعب الروسي باليتم عند وفاة ستالين الذي حكم البلاد بالنار والحديد على مدى ثلاثين عاماً, ونسي الروس الجرائم الفظيعة التي ارتكبها بحقهم هذا الدكتاتور لأنها صورِّت ثمناً مقبولاً لتحقيق قفزات هائلة في أوضاع بلدهم.. وقد تطلب الأمر مرور ثلاثين عاماً أخرى قبل أن يتدَّرج الناس من إدانة ستالين كشخص إلى إدانة النظام كله)). وبوقوفه عند ظاهرة حزب الله يقول الكاتب )):لقد خرج هذا الحزب منتشياً بقوته إثر تحرير جنوب لبنان عام 2000, وازدادت شعبيته واغتراره بقوته عقب حرب تموز عام 2006, وإن التغيير الجذري في خطاب وفي ممارسات هذا الحزب لم يعد خافياً على أي متابع جاد, فقد بات هذا الحزب يستخدم لغة ظافرة بوجه القوى الأخرى في الداخل اللبناني مدلّاً عليها بأنه قوة مقاومة, بحيث بات سلاحه يوجه للداخل أكثر من توجهه نحو الخارج, وفي نظرته تجاه إسرائيل, فقد أخذ يتكشف بأن هذا الحزب لم يخرج عن السياق الذي حكم من سبقه من القوى الثورية لجهة استخفافه بدولة نووية مدعومة من دول نووية, ففي تعليق أحد قادته على المناورات التي أجرتها هذه الدولة على جبهتها الداخلية حرصاً منها على حياة مواطنيها أمام أي خطرٍ خارجي, رأى هذا القائد الفذ, بأن الإسرائيليين باتوا يختبئون كالجرذان أمام تهديد حزبه, وكأن المطلوب هو أن يستهين قادة إسرائيل بأرواح ودماء شعبهم كما تفعل قوانا الثورية.(( وفي استكمال تسفيهه للقوى المناهضة للمشاريع الإستعمارية في المنطقة يختم الكاتب بالقول)) : لقد قيل الكثير عن كيفية مساهمة إسرائيل في صنع الطغاة داخل منطقتنا وفي محيطنا العربي, بحيث ذهب بعض الساخرين إلى القول, بأن هؤلاء الطغاة عليهم توجيه الشكر لإسرائل كونها هي من صنعهم.. لكن ما بات واضحاً من تكرار صعود وانهيار الطغاة في هذه المنطقة, هو أن عنترياتهم تجاه إسرائيل, واستخدامهم لها كمبرر لاستباحتهم لكرامة شعوبهم تحت شعار أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة, كانت السبب في انهيارهم أمام عدو لا يبني قوته على قمع مواطنيه((. وإذ نتصدى لمنطق الكاتب فإننا نعود إلى القول:- أولاً- إن استهداف الحلف الإستعماري للقوى الثورية العربية, هو دليل إدراك هذا الحلف لخطر تلك القوى على قاعدته العدوانية الصهيونية وعلى وجوده في المنطقة, وما يستهدفه هذا الحلف من سحق تلك القوى ومن بطشه بشعوبها مستنداً إلى تفوقه التقني, هو تمكين ثقافة الهزيمة من أن تسود في المنطقة بحيث يبدو أن الحكمة تقتضي التكيُّف مع الهيمنة الإستعمارية. غير أن شعوبنا- شأن جميع شعوب العالم-, لا يمكنها أن تسلم بالهزيمة, وهي تعود في كل مرحلة من مراحل الصراع, إلى الإلتفاف حول القوى الثورية التي تنهض بين ظهرانيها دون أن تلتفت لمن يدعونها إلى الإستسلام تحت ذرائع مختلفة. ثانيا- وما يعمد له هذا المنطق, هو تبرئة المستعمر من أية نوايا عدوانية تجاه المنطقة وتجاه شعوبها, وكأن تاريخ هذا المستعمر خلوٌ من الحروب العدوانية ضد المناطق والشعوب الأخرى, وأنه لم يستهدف غير منطقتنا العربية والإسلامية التي ابتليت حسب هذا المنطق بنظم وقوى غير ديمقراطية تسببت في إضعاف شعوبها من جهة, وفي استجرار العدوان على تلك الشعوب من جهة ثانية, على اعتبار أن دافع تلك النظم والقوى إلى استفزاز المستعمِر, هو تبرير تسلُّطها على شعوبها وتغطية استباحتها لكرامة الناس في محيطها. ثالثاً- وإذ يسخر الكاتب مما يعتبره هشاشة القوى الثورية في محيطنا العربي, والتي لا تظهر قوتها إلا في قمع شعوبها, فإننا نعود إلى القول, بأن استمرار الصراع مع الحلف الإستعماري وقاعدته الصهيونية, قد كشف حدود القوَّة لديهما, وكشف أيضاً, بأن معادلة القوَّة لا تبقى على حالها, لأن الشعوب وقواها الثورية تتعلم من دروس الهزائم مثلما تتعلم من الإنتصارات. وهكذا فإنه حين يبرز الكاتب, سرعة اندحار نظام عبد الناصر ونظام حزب البعث في سورية في حرب حزيران عام 1967, ومن ثم سرعة انهيار نظام صدام حسين أمام القوى الغازية عام 2003, فإنه يغفل ما حققته حرب تشرين عام 1973, ويتجاهل عجز الصهاينة على مدى 33 يوماً من تحقيق هدفهم من الحرب التي شنوها على لبنان عام 2006, وكيف عجز هؤلاء عن إخضاع غزة وسحق مقاومتها عبر عدوان بربري استمر 19 يوماً, كما أنه يغفل في ذات السياق, ما يحيق بالجيوش الغازية الأمريكية والأطلسية من مأزق في العراق وفي أفغانستان وعلى مستوى المنطقة, لأن كل همه, هو التشفي بالقوى الثورية, التي كل جريمتها أنها سعت للتعبير عن إرادة شعوبها ضمن إمكاناتها وعلى أساس معطيات واقعها. رابعاً- ونعود لنذكِّر الكاتب وأمثاله من مروجي ثقافة الإستسلام, بأن المجتمعات الغربية التي يتغنى كاتبنا بديمقراطيتها التي وقفت وراء هزيمتها للإتحاد السوفيتي, بأن تلك المجتمعات, لم تنجز ديمقراطيتها من غير تضحيات جسام, وأنها لم تحقق أهدافها القومية ولم تبنِ أسس منعتها بعد وصولها إلى الديمقراطية, ذلك أنها في سبيلها لحل مسألتها القومية, ولانتزاع كرامتها الإنسانية في إطار نظم ديمقراطية, مرت بالنظم الملكية المطلقة, وعانت الحروب الأهلية الداخلية والحروب مع الجوار بما في ذلك الحروب التي اعتبرت كونية, وهكذا فإن كاتبنا, يحاول الآن أن يتعالى على الستالينية لكي يضع نفسه في خندق المعسكر المنتصر الذي تقوده الإمبريالية الأمريكية , وإن ما يفعله على هذا الصعيد, هو محاولة خلع جلده إرضاء للسادة الجدد, وذلك بدل الإسهام في بلورة رؤية موضوعية وتاريخية لظاهرة الستالينية ولكل الظواهر الثورية التي انحكمت لمعطيات زمنها, بحيث لم يكن بمقدورها تجنب أخطاء وخطايا كان يمكن تجنبها في زمن آخر وضمن معطيات مغايرة. خامساً- وإنطلاقاً من هذه الرؤية فإننا نعود إلى القول, بأن الصراعات المؤسفة والمؤلمة بين القوى التي شهدتها ساحتنا العربية في الحقبة السابقة,لا يمكن تحميل وزرها للقوى الثورية وحدها, لأن القوى الأخرى ذات البرامج الوطنية والثورية والتقدمية, لم تكن أكثر نضجاً في حينه, فلقد وضعت الأمة نتيجة عوامل داخلبة وخارجية , امام تحديات تاريخية بالغة التعقيد, ونعتقد أن هذه الأمة وعلى الرغم من كل أوضاعها المأساوية, هي في سبيلها إلى إرساء وعي أكثر مطابقة للتحديات التي تواجهها, وهو الوعي الذي تعمل على نشره وتعميمه القوى الثورية الجديدة التي تشكل امتداداً وتجاوزاً للقوى التي سبقتها. سادساً- وهكذا فإننا إذ نتوقف عند ظاهرة حزب الله, فلكي نقول بداية, بأن هذا الحزب كحركة مقاومة, أتى في سياق الرد الشعبي على هزيمة حزيران عام 1967 وعلى غزو لبنان عام 1982 الذي جاء لاستكمال ما حققه المستعمر بعد حرب تشرين عام 1973 حين أخرج مصر من خندق المواجهة, ونقول بعد ذلك, بأن هذا الحزب بخطابه وبسلوكه وأدائه القتالي مدعوماً من مراكز الصمود في المنطقة, استطاع أن يحدث تحولاً في مجرى الصراع الذي تعيشه المنطقة وإنه بسبب خشية الإمبريالية الأمريكية من النموذج الذي قدمه هذا الحزب فقد وضعت كل ثقلها ساعية إلى ضربه وإنهائه مستندة إلى قوى الإستسلام في لبنان والمحيط العربي. ونضيف في الختام,بأن ما بات يُشعر الحلف الإمبريالي- الصهيوني بالقلق, هو رؤيته لما جرى من تغيُّرٍ في معادلة القوَّة على صعيد المنطقة, وإن ما يعمل له هذا الحلف بكل ما يملك من أساليب التآمر والعدوان, هو اجتثاث فكرة المقاومة التي يهدد تعميمها وسط شعوب المنطقة باندحار نهائي للمشاريع الإستعمارية, وإن قدر هذا الحزب- كما هو قدر حركات المقاومة الأخرى في فلسطين والعراق وافغانستان-, أن يصطدم مع القوى الداخلية المتآمرة على تلك الفكرة, وهو لا يخرج في ذلك عن السياق الذي شهدته المنطقة خلال الحقبة السابقة, وعن السياق الذي عرفته القوى التحررية التي أطلقتها الشعوب التي تعرضت للغزو والإستعمار. وإذ تقف القوى الوطنية والثورية في لبنان والمنطقة إلى جانب هذا الحزب وهو يواجه أخطر هجمة إمبريالية رجعية ضده, فإنه ما عاد يثير استغرابنا, انخراط تيار فكري سياسي كان في موقع العداء للإمبريالية, في هذه الهجمة, بعد ما شهدناه من ترحيب هذا التيار بالقوات الإستعمارية التي قدمت لتدمير العراق , معتبراً أنها أتت لكي تنشر قيم الديمقراطية في المنطقة انطلاقاً من هذا البلد الذي يشهد واحدة من أفظع الكوارث الإنسانية التي عرفها العصر والتي تسببت بها القوى العدوانية الإستعمارية.


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني