PCP

يا عمال العالم اتحدوا

مطلب «يهودية الدولة» بين عنصرية إسرائيل وتلعثم سلطة أوسلو

لماذا يصر كل زعماء إسرائيل يمينهم و«يسارهم» على المفاوض الفلسطيني المجرد من كل عوامل القوة أن يعترف بيهودية الدولة الإسرائيلية قبل الولوج إلى قضايا الحل النهائي؟ ولماذا يعيد الشرط نفسه أوباما وطاقمه السياسي؟ حتى في أوسلو وما تلاها من مفاوضات تقلصت فيها مساحة اللعب للمفاوض الفلسطيني لم يطرح الإسرائيليون هذا المطلب، ما حصل في أوسلو هو اعتراف متبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، تلاه عودة قيادة المنظمة إلى الداخل لتبدأ رحلة عذاب فلسطيني جديدة ليس فقط مع المحتل الإسرائيلي وحماته بل مع مخترة أوسلو التي أنشأها الاحتلال. لكن في الأعوام الأخيرة، وبعد إزاحة الزعيم الراحل ياسر عرفات من المشهد السياسي عبر تصفيته، وقبلها فرض محمود عباس عليه رئيساً للوزراء، بدأ الإسرائيليون بطرح هذا المطلب الخطير، وتحديدا مع استلام أيهود أولمرت رئاسة الوزراء وتسيبي ليفني وزارة الخارجية، ليصبح مطلباً دارجا على لسان الجميع، أما أكثرهم حماسا لهذا الشرط التوراتي فكان جورج بوش الصغير المتحمس لأسطورة ارض إسرائيل وإقامة الهيكل وغيرها. . . ولم يكن من المفاوض الفلسطيني إلا أن يخفض شروطه البائسة أصلا من إزالة المستوطنات بالكامل من الأراضي المحتلة عام 1967، إلى وقف الاستيطان ثم تجميده ليصل إلى التفاوض حول تمديد التجميد المؤقت والشكلي للاستيطان ولو لأيام حفظا لماء وجه سلطته إن كان من بقية منه. سلاح فعال بيد جندي جبان كان يمكن للمفاوض الفلسطيني أن يتسلح أولاً بإرادة شعب الجبارين في المقاومة والصمود، ويقف عند خطيئة الاعتراف الأول بدولة الصهاينة ليطالب بتطبيق قرار التقسيم ـ وهو قرار صادر عن الأمم المتحدة، ويعطي الفلسطينيين حوالي 44% من أرض فلسطين التاريخية ـ بدل التفاوض على القرارين 242 و338 الصادرين بعد هزيمة جيوش الأنظمة العربية في حزيران 1967 والقرارت تعكس دائما موازين القوى على الأرض. وحتى القراران المذكوران لم يصمدا أمام صلف الطرف الصهيوني الأمريكي الرجعي العربي وكرم المفاوض الفلسطيني (خاصة في عهد محمود عباس ومجموعته)، فأصبح جماعة التفاوض حتى النصر يتفاوضون على استبدال القدس بأراضٍ من صحراء النقب، واستبدال أخصب الأراضي في الضفة بصحارى، دون أن يتمكنوا من انتزاع ولو تنازل شكلي من المحتل لأنهم يستجدون الحل بعد أن باعوا كل أوراق القوة لدى شعب مقاوم ومناضل وصبور كشعب فلسطين. والآن يقف عباس كممثل شرعي ووحيد لتيار التفاوض الفلسطيني كعادته موقفاً رمادياً في من الطلب الإسرائيلي بيهودية دولة الاحتلال، فيرفضه لكنه لا يغلق الباب امامه إذ قال: بإمكان نتنياهو ومن قبله أولمرت وبيريز أن يسمّيا "دولة إسرائيل" كما يشاءون فهذه مسألة تخصّهم، ولا علاقة لنا بها، إذا ما أصرّوا على يهودية "دولة إسرائيل". وخلال كلمته أمام زعماء الجالية اليهودية في نيويورك، على هامش مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، قال محمود عباس أنه «مستعد للاعتراف بيهودية دولة إسرائيل إذا صوّت الكنيست الإسرائيلي على الأمر»، باراك أوباما تساوق مع الشرط الإسرائيلي كما تساوق مع بقية الشروط، وقال في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: «بعد 60 عاما من التواجد بين الأمم فإن وجود إسرائيل يجب ألا يكون محل نقاش. إسرائيل دولة مستقلة والوطن التاريخي للشعب اليهودي». مخاطر الاعتراف إن الاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي من قِبَل المفاوض الفلسطيني يعني إلغاء الحقوق الأساسية لأبناء الشعب الفلسطيني الذين بقوا في أرضهم بعد العام 1948، و الذين سيبقون ضمن الدولة الصهيونية بعد حل الدولتين العتيد. ومن ثم تعريضهم للتهجير باعتبارهم يقيمون في دولة هي للشعب اليهودي. هذا الاعتراف يعني أكثر من ذلك، إنه يسقط حق العودة وكل الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني في فلسطين، هذا الحق الذي نصت عليه قرارات الأمم المتحدة (القرار 194) التي لا يتسلح بها المفاوض الفلسطيني كما ينبغي على من يخوض معركة شعبه أن يفعل. بل يسقط هذا الاعتراف كل ما ارتكبته الصهيونية من جرائم بما فيه جريمتها الرئيسية في اغتصاب فلسطين وما تلاه من تهجير وقتل وتدمير وتغيير للأوضاع على الأرض واستيطان وحصار، وذلك بتحويل هذه البقعة التي أصبحت تشمل اكثر من 70% من فلسطين التاريخية إلى حق تاريخي لما يسمى بالشعب اليهودي. لننظر ماذا فعل الطرف الفلسطيني المتأمرك بحق العودة عبر عقدين من التفاوض المزمن؟ لقد حوله إلى بازار سياسي يتبارى الزعماء الأمريكان والغربيون ومعظم الزعماء العرب على إظهار حسن نياتهم تجاه إسرائيل بإيجاد مخارج لتمييع هذا الحق الواضح الساطع وغير القابل للمساومة، فتارة يطرح توطين اللاجئين في بلدان إقامتهم مع بعض التعويضات من الدول النفطية العربية (من دهنو سقيلو)، وتارة يطرحون استعداد دول أوربية وأمريكية لاستقبال أعداد كبيرة منهم كمهاجرين، وحيناً يطرحون التعويض المادي عليهم ليزدردوا لقيمات الذل في الشتات بينما وطنهم يتحول إلى دولة لـ«الشعب اليهودي»!! أما مبادرة قمة بيروت العربية، التي صاغها ولحنها توماس فريدمان وقدمها عبدالله بن عبدالعزيز حين كان وليا لعهد السعودية، فقد اكتفت بالمطالبة بحل قضية اللاجئين متحاشية ذكر حق العودة إرضاءً للسيد الأمريكي. لنقرأ آخر فتوحات محمود عباس التفاوضية: فيما يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين، قال عباس إنه «يجب على جميع الأطراف أن تناقش هذا الأمر، لأن لدينا 5 ملايين لاجئ وأنا منهم، ونريد حل هذه المشكلة». وأعلن «موافقته على أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وأن يكون طرف ثالث مسؤولاً عن الأمن بين الدولتين»، وأضاف «قررنا التعاون مع الجانب الإسرائيلي بأن نمنع كل شخص يعمل ضد إسرائيل، لأن أمن إسرائيل هو أمننا». هذا الكلام لو سمعناه من رجل يسكن في جبال الهيمالايا لقلنا إن الرجل بعيد وربما خدعه الإعلام العالمي المتصهين، لكن أن نسمعه من رجل يتبوأ أعلى سلطة في منظمة التحرير وحركة فتح ذات التاريخ النضالي العريق، فذلك فعلا إيذان بهزيمة كاملة لنهج المفاوضات ورموزه. تتالى الوعود الأمريكية والغربية التي سئمها الشعب الفلسطيني عن دولة ما على مكان ما بعد أن تشبع آلة الاستيطان والضم والإلحاق الجهنمية الإسرائيلية نهمها لما تبقى من ارض فلسطين، فيكرر أوباما أكاذيب الإدارات الأمريكية المتعاقبة عن وعود ومهل ومواعيد، فيقول على منبر الأمم المتحدة: إنه يتمنى العودة للأمم المتحدة في العام المقبل لتكون «دولة فلسطين المستقلة عضوا جديدا في الأمم المتحدة تعيش في سلام مع إسرائيل»، مطالبا الدول العربية التي قامت باعتماد مبادرة السلام، بترجمتها عمليا إلى «خطوات تشمل التطبيع مع إسرائيل». إن حلم الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة ذات السيادة على ترابه الوطني وعودة اللاجئين (العودة حصراً وتحديداً وليس «حل المشكلة» كما رأت مبادرة عبدالله ـ فريدمان العربية وكما يقول عباس) لن يتحقق بمفاوضات الرجاء والاستجداء، وإنما سيكون حصيلة مسيرة نضالية طويلة بدأت مع اغتصاب فلسطين عام 1948، ولن تنتهي إلا بدخول هذا الكيان الهمجي الزوايا المظلمة من تاريخ البشرية كحقبة تشير إلى احتمالات تحول مجموعات بشرية بكاملها إلى أدوات في مشاريع استعمارية لا تلبث أن تأتي عليها وعلى الكثير من الناس الآمنين. وعد الخالد


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني