PCP

يا عمال العالم اتحدوا

لا مفاوضات ولا دولة فلسطينية

نبدأ بمفهوم أو "مسرحية" "المفاوضات" التي ابتلي بها شعبنا منذ نحو ثلث قرن. الفكرة الأساسية من وراء هذه "المفاوضات" التي تقودها الولايات المتحدة واللجنة الرباعية الدولية ومن ورائهما جلّ النظام العربي الرسمي، وبالطبع الأداة الفلسطينية المتمثلة بتيار التسوية الذي كان يقوده ياسر عرفات وأتباعه مثل أحمد قريع "أبو علاء" ومحمود عباس "أبو مازن" وكبير المفاوضين "صائب عريقات" و "ياسر عبد ربه" وغيرهم. هذه المسرحية التي تعرض يوميا على شعبنا وعلى الشعوب العربية الأخرى عبر القنوات التلفزيونية الفضائية ويلعب الممثلون المسرحيون من زعماء دول وسياسيين محترفين ووسطاء وسماسرة أدوارهم باتقان وحماس وزخم دفع إحدى المذيعات في قناة فضائية عربية لأن تسأل "ماذا سيحصل إذا فشلت المفاوضات؟". مسكينة هذه المذيعة فأنا لا ألومها على سذاجتها التي يشاطرها إياها آلاف الإعلاميين والسياسيين والمثقفين. إن هذه المذيعة وأمثالها يسألون عن شيء غير موجود في الجوهر، إذ لا توجد مفاوضات بالمعنى الحقيقي للمفاوضات كما عرفتها دول العالم عبر التاريخ في إطار السعي إلى تسوية نزاعاتها. يكفينا أن نعود إلى ما قاله بيريز بكل صفاقة "نحن نفاوض أنفسنا". لقد وصف هذا الزعيم الصهيوني بهذه العبارة الشهيرة الواقع وصفا دقيقا. فما هي الأوراق التي يمتلكها المفاوض الفلسطيني ليفاوض على أساسها؟ خاصة بعد أن تنازل بزعامة ياسر عرفات وبتصفيق من حشد البلهاء عن 82% من الوطن الفلسطيني لليهود واعترف بشرعية وجود دولة إسرائيل. يمكن لأي مراقب سياسي محايد وموضوعي أن يجزم أن الفلسطينيين بعد أن قدموا ذلك التنازل الهائل مجانا لم تعد في أيديهم أي أوراق تفاوضية. لكن الإخراج المسرحي الأميركي والدولي لعملية المفاوضات يظهر الأمر وكأن اللاعب أو الطرف الفلسطيني لديه أوراق يفاوض عليها. حصيلة الأمر أن أميركا تفاوض إسرائيل لإقناعها بترتيب نهائي معيّن يرضي النظام العربي الرسمي (لأن رضا الطرف المستسلم الفلسطيني مضمون مهما كان الترتيب النهائي وذلك ببساطة لأنه قد قبض الثمن البخس سلفا). لقد اتعبوا شعبنا والشعب العربي وهو يشهد مسرحية "المفاوضات" التي تجاوز عمرها أكثر من ثلاثين عاما والتي تدور فصولها على النحو التالي: مفاوضات سرية، مفاوضات علنية، مفاوضات عبر السماسرة الدوليين، ثم الفصل الأخير: مفاوضات مباشرة أم غير مباشرة؟ ويقوم "البطل" الفلسطيني بالتهديد قائلا "لن تكون المفاوضات مباشرة إلا إذا تمّ تجميد الاستيطان"!! والنتيجة النهائية معروفة سلفا حيث ينصاع هذا "البطل" ويدخل المفاوضات "المباشرة" بزفة عربية وسط استمرار الاستيطان مضافا إليه الاستيلاء على ما تبقى من القدس. وظهر على المسرح السياسي الفلسطيني في السنوات الأخيرة ممثل جديد أسقط على الشعب الفلسطيني بمظلة أميركية ليصبح رئيسا للوزراء (الدكتور سلام فياض) بعد أن كان طوال عمره موظفا تكنوقراطيا في البنك الدولي ولم يسمع به أي مناضل أو مواطن فلسطيني عادي. يتعهد هذا الموظف الصنديد بأنه سيقيم الدولة الفلسطينية خلال سنتين!! وهو بهذا التبجح يتصرف وكأنه أقوى من رؤساء أميركا مجتمعين: بوش الأب وكلينتون وبوش الإبن وباراك أوباما. فليهنأ الشعب الفلسطيني بهذا البطل المنقذ الذي سيقيم لنا الدولة العتيدة، وماعلينا سوى الانتظار سنة أخرى لنرى صدق وعده!! الدولة العتيدة: يتحدث عدد كبير من قادة العالم على أن من حق الشعب الفلسطيني أن تكون له دولة (على جزء من أرضه التاريخية). وحولت القيادة الفلسطينية إقامة الدولة إلى هدف نهائي وشعار استقر في أذهان غالبية الشعب الفلسطيني. لكن لم يسأل أحد أو يتحدث أي زعيم دولي أو عربي عن مواصفات هذه الدولة الافتراضية. وحدهم الاسرائيليون حددوا مواصفاتها بدقة: لا سيادة على الحدود، لا جيش، لا اقتصاد مستقل، لا إزالة للمستوطنات في قلب هذه الدولة، و "دولة" مقطعة الأوصال، ولا تواصل جغرافي لهذه "الدولة" مع أي بلد عربي إلا عبر إسرائيل وحرس حدودها. المحصلة النهائية إذن هي وستكون فعليا بلدية أو مجلس بلدي تحت السيادة الإسرائيلية يسمونه "دولة فلسطين". أما المواصفات التي يطرحها المفاوض الفلسطيني والتي تتلخص بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حزيران/يونيو 1967، وهي دولة تتمتع بكامل عناصر السيادة من سيطرة مطلقة على حدودها وبناء جيش وطني وإدارة علاقاتها الدولية وشؤونها الاقتصادية بمطلق الحرية فهو شعار للاستهلاك السياسي لأن تحقيقه على أرض الواقع يتطلب الانتصار على إسرائيل في حرب عربية ـ إسرائيلية كبرى، وهذا بالطبع غير مطروح على جدول أعمال الدول العربية. إن الإسرائيليين بالفعل يفاوضون أنفسهم عبر أميركا وسيحصلون على ما يريدون في نهاية المطاف إذا خبت روح المقاومة المسلحة للكيان الصهيوني. أما صاحب عقيدة لا مجال أمامنا إلا التفاوض والمزيد من التفاوض (السيد محمود عباس) فلن يحصل في نهاية المطاف على شيء، ولا حتى على شجرة لا تريد إسرائيل التنازل عنها. ملاحظة أخيرة: الحل وحق اليهود في دولة قومية. كثيرون من زعماء العالم الغربي يرون أن لليهود حق في وطن خاص بهم أو في دولة قومية. أولا، إن هذا الأمر لا يعنينا كفلسطينيين ولا يعني الشعب العربي. فإذا كان الغرب يرى أن لليهود الحق في وطن فهذا شأنه لكن شرط ألا تكون هذه الدولة وهذا الوطن القومي على أرض فلسطين أو أية أرض عربية. إن المسؤولين أخلاقيا عن منح اليهود هذا الحق من الدول الغربية هو أولا ألمانيا ثم الولايات المتحدة الأميركية تليها بريطانيا. إن هذه البلاد المذكورة ذات أراض شاسعة معظمها غير مأهول ويتسع لعشرات الملايين من السكان الجدد، لا سيما الولايات المتحدة. فليتفضلوا ويحلوا ما يعرف بـ "المشكلة اليهودية" في بلادهم وليس على حساب العرب والفلسطينيين. أما بالنسبة لحل القضية الفلسطينية فهي في رأيي قضية أو مشكلة غير قابلة للحل حسب التصور الإسرائيلي ـ الصهيوني المؤيد من قبل الدول الغربية الكبرى. ولا يستطيع أي محلل سياسي أن يتكهن بالصيغة التي سيأخذها الحل النهائي لهذه القضية ولهذا الصراع، وذلك ببساطة لأن الحل النهائي يتطلب أجيالا قادمة ربما لا تقل عن ثلاثة أجيال. وأي حل يتم التوصل إليه على حساب الشعب الفلسطيني هو حل مؤقت مهما كانت القوى التي تدعمه، خاصة وأن السلطة الفلسطينية التي ستوقع عليه لا تمثل في أحسن الحالات أكثر من 15% من الشعب الفلسطيني.


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني