PCP

يا عمال العالم اتحدوا

هل يشكل الحجاب المخرج الحقيقي لمشكلات المرأة الفعلية؟!

هل يشكل الحجاب المخرج الحقيقي لمشكلات المرأة الفعلية؟! يشكل تكاثر ارتداء الحجاب موضوع نقاش سياسي وشعبي في المجتمعات العربية الإسلامية.. في الوقت الذي تواجه فيه المنطقة العربية تحديات متعاظمة تهدد أمن الإنسان العربي منها الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي، وبؤر التوتر، وقضايا الديمقراطية، والأوضاع الاقتصادية والمعاشية الصعبة، وانتشار الأمية والبطالة على أوسع نطاق، وتفشي الفساد، وتلوث البيئة، وقلة المياه، وغيرها. وهذا كله لا يشغل بال المتزمتين المتدينين في البلدان العربية، والتفكير في إيجاد الحلول اللازمة لهذه المعضلات لجعل الحياة أقل وطأة.. ما يشغلهم بكل أسف صدور قوانين وفتاوى وتشريعات وتشجيع ظاهرات تسيء إلى العرب والمسلمين وتضعهم في مواقف حرجة. فمنذ بداية عصر النهضة العربية على ضفتي عام ،1900 كانت النقاشات الفكرية تدور حول الحرية والتقدم، وإصلاح الفكر الديني، وتحرير المرأة من قبل العديد من أعلام النهضة العربية خلال العقد الأول من القرن الماضي، بعد أن أطلق قاسم أمين صوتاً داوياً في كتابين، دعا فيهما إلى تحرير المرأة من ظلم المجتمع والتقاليد، وإلى خلع الحجاب، وكل ما يعيق تطورها، وسانده في ذلك قوى كثيرة من أصحاب العقول المنفتحة والنيرة من رجال النهضة أمثال محمد عبدو، والطاهر حداد، ورفاعة الطهطاوي، وهدى شعراوي، ونظيرة زين الدين، وزينب فواز وغيرهم الكثير. كما ساندهم أوساط واسعة من رجال الدين المتنورين. ومن أوساط ثقافية وشعبية مختلفة رأت في دعوة قاسم أمين وأنصاره إلى تحرير المرأة، عاملاً رئيسياً في تطور المجتمع وتقدمه. وكان من الطبيعي أن يثير هذا ضجة كبيرة، فتنطحت لهم الأصوات التقليدية مكفّرة، ولم يقتصر الأمر على بعض الأقلام المصرية، لكن تنطح لهم كل من حمل فكراً رجعياً ومتخلفاً في العالم العربي بسبب الجهل وقوة التقاليد البالية التي لم يكن من اليسير التغلب عليها، إذ ارتبط مفهوم الشرف والفضيلة والأخلاق بتحجب المرأة. وفي الحقيقة كان الحجاب أيام عصر النهضة يرمز إلى اضطهاد المرأة العربية المسلمة وإلى وضعيتها المتدنية في المجتمع. وكانت سلطات الانتداب، خاصة الفرنسي، تنال من مكانة المرأة، وكان حجابها حجة لإبراز تخلف المجتمعات العربية وتبرير وصايتها عليها. ومن المعروف أن نساء أبطال الاستقلال في لبنان وسورية ومصر كنّ رائدات في نزع الحجاب.. وقد لعبت الحركة النسائية العربية خلال النصف الأول من القرن الماضي دوراً توعوياً هاماً. وكان لسيدات مصر دور لا يستهان به في المظاهرات السياسية، وكان السفور رمزاً لتصميم النساء على التحرر ورفض القيود. فعند عودة الوفد المصري من المنفى برئاسة سعد زغلول وعند وصول القطار إلى محطة باب الحديد في القاهرة، نزل أعضاء الوفد وزوجاتهم من القطار، نزعت صفية زغلول زوجة سعد، حجابها وألقت به جانباً، إشارة إلى تحرير المرأة.. وهكذا فعلت هدى شعراوي في إحدى المظاهرات السياسية النسائية، إذ خلعت حجابها وألقته في الشارع أمام الجماهير. كما برزت رائدت سوريات ولبنانيات دافعن عن حرية المرأة، إضافة إلى زوجات رموز وطنية كبيرة في العالم العربي. لقد هز أعلام النهضة بأفكارهم الجريئة الوضع القائم آنذاك وفتحوا نقاشاً كبيراً عن واقع المرأة العربية، محللين الظروف السياسية والاجتماعية السائدة، ومازال مطروحاً وبنفس القوة والزخم في يومنا الحاضر مع تغير الأزمان والأوضاع. فقد انتقد علماء النهضة واقع الجهل الذي تعيشه المرأة في عصرهم ونادوا بتعليمها الذي هو أفضل السبل لإصلاح البلاد. غير أن مفكري النهضة الأوائل لم يتمكنوا من ضرب البنية الفكرية للمنظومة الأصولية التقليدية التي كانت تتحكم منذ قرون، والتي امتلك دعاتها قدرة على تشكيل حاضنات اجتماعية امتدت في أعماق المجتمعات العربية، وابتدعوا طرقاً وأساليب مختلفة من أجل دعم برنامجهم السياسي والاجتماعي، وذلك بالتحكم في تأويل النصوص القرآنية.. وأصبحت الأفكار الأصولية واسعة التأثير ليس داخل المؤسسة الدينية فقط ولكن في الأوساط الشعبية المرتبطة بها أيضاً، مما سهّل على التيارات الدينية المتعصبة إحياء الكثير من هذه الأفكار ضمن مفاهيم مبسطة ومجتزأة لا تمت إلى الإسلام بصلة، إذ يشعر المرء بالقلق الشديد من الردة الأصولية المخيفة عبر مؤسسات وجمعيات غيبية تحمل الجهل والتخلف والجمود للمرأة والرجل.. في حين بقي الفكر التنويري عاجزاً عن تجديد وتطوير بما يسمح له بالتصدي لمثل هذه الظاهرات الخطيرة. لقد أعطت نكبة أيار عام 1948 صدقية تاريخية للمشروع النهضوي العربي الذي دعا إلى تحديث جذري للحياة العربية. غير أن الأنظمة العسكرية، التي سادت، وفشل مشروع التحديث، وجمود المنظومة الفقهية، وإغلاق باب الاجتهاد، وتدمير السلطات المجتمعية العربية، واستباحة الدولة، في غياب حالة ثقافية فكرية في العالم العربي، كانت بداية لصعود التيارات الأصولية وفتاواها على أشد ما يكون انغلاقاً وتعصباً.. فعاد الحجاب الذي دعا إلى خلعه قاسم أمين وبعد اختفائه عقوداً، ليحتل الحياة العربية، وأصبحت ظاهرة الحجاب شائعة في الوطن العربي، ولاسيما المجتمعات التي كان للاستعمار تأثير اجتماعي وثقافي عليها. والسؤال هل يعد الحجاب شرطاً ضرورياً للإيمان، أم أنه مظهر يرغم النساء عليه تحت ثقل النظرة الاجتماعية؟ الحجاب فُرض على الإسلام، ولم يفرض الإسلامُ الحجابَ، وتوارثته المجتمعات العربية باستثناء الحضارة المصرية. ولا يوجد في جوهر الدين الإسلامي وبقية الأديان التوحيدية ما ينص قطعياً على الحجاب. وتغطية شعر المرأة عادة قديمة جداً عرفتها القبائل العربية في الجزيرة قبل الإسلام، وكذلك في بلاد الرافدين وبيزنطة وفارس ويؤكد الباحثون أن الحجاب انتشر في نهاية العصر الأموي بتأثير التقاليد الفارسية والإغريقية التي عرفت الحجاب منذ أزمنة سحيقة، ثم زاد انتشاره مع الدولة العباسية، حين كان للفرس نفوذ على الحكم والمجتمع. أما الذي أخضع المرأة للنقاب فهم الآشوريون والثقافة اليونانية.. فالنقاب وُجد في أثينا عام 500 قبل الميلاد، أي قبل الإسلام بما يزيد على 2000 سنة. أما فرض النقاب الذي نراه اليوم عند الكثير من النساء، فهو الانتهاك الأكبر للمرأة بصفتها فرداً يملك هوية اجتماعية وجسداً له وجه. فالمنقبة لا وجه لها تُعرف به في الأماكن العامة ولا هوية.. هي ملغاة من الفضاء العام رغم ظهورها.. حرية المرأة تكمن في التعبير والزي والحركة.. وفرض النقاب اعتداء صارخ على هذه الحقوق، وهو تشويه لحقيقة الدين وتحميله خرافات وبدعاً يعتبرها البعض من صلب الدين وهو منها براء. أما آن أوان التجديد.. الحداثة.. أما آن للمرأة أن تكون جديرة بالتعامل معها باحترام والنظر إليها كإنسان؟ وأخيراً نؤكد أنه لا يوجد في جوهر الدين الإسلامي وبقية الأديان التوحيدية ما ينص قطعاً على الحجاب.. وعلينا كمسلمين أن نعيد النظر جذرياً في أسس المنظومة الفقهية عندنا التي تتحكم منذ قرون بالتأويلات والنصوص حسب مزاجها.. وعلى القوى الوطنية والتقدمية أن تواجه هذا الوضع برفع الوعي عند جماهير الناس للتأكيد أن حجاب المرأة ليس فرضاً دينياً ملزماً للنساء المسلمات، وحق المرأة في ارتداء الحجاب أو نزعه يدخل في مجال الحرية الشخصية وفي إطار علاقة المرأة بخالقها، ولايحق لأي قوى دينية أو سياسية أن تفرضه عليها. زينب نبّوه (جريدة النور)


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني