PCP

يا عمال العالم اتحدوا

تأزم المشروع الأمريكي في المنطقة

من الملاحظ، أن المشهد السياسي في المنطقة وعلى المستوى الإقليمي والدولي، أخذ يتبدل بسرعة لم يتوقعها سوى الساسة الغربيين الأكثر ذكاءً وحنكة، الذين يرون الأشياء على حقيقتها وليس كما يريدها حكام الغرب، فهؤلاء الساسة والمفكرون الغربيون، أدركوا بأن المستقبل لن يكون مريحاً بالنسبة لأمريكا وحلفائها، في جميع المناطق التي دسوا فيها أنوفهم سياسياً وعسكرياً، رغم أن حكام واشنطن من بوش الابن إلى أوباما، حاولوا قدر المستطاع إخفاء معاناتهم السياسية وترنح مشاريعهم، المصاغة في أروقة استخباراتهم كمشروع الشرق الأوسط الكبير الجديد. وانطفأ البريق الذي حاولت آلة الدعاية الأمريكية، إضفاءه على الرئيس أوباما، الذي صورته وكأنه «المخلص المنتظر» القادر تحت يافطة «التغيير» الوهمي إنقاذ أمريكا وسمعتها الملطخة بدماء وكراهية الشعوب، فاصطدم بالواقع العنيد الذي لم يحسب له حكام واشنطن الحساب الكافي، ألا وهو مقاومة الشعوب وإصرارها على نيل حريتها واستقلال أوطانها. ففشل أوباما في تغيير شكل سياسة أمريكا بالانتقال من الصدام المباشر إلى سياسة الاحتواء التي لم يتمكن من خلالها احتواء أحد أو أي قضية من قضايا الصراع الكبرى. ولم يتمكن أوباما من صياغة منظومة أمنية وسياسية، كان قد وعد بها سابقاً، إن كان في العراق أو أفغانستان أو حيال إيران أو تجاه القضية الفلسطينية، وسرعان ما تبين له ولإدارته أن حجم التناقضات بين إمبراطوريته الإمبريالية وبين الشعوب أكبر وأخطر مما تصورها. وترنحت المبادرات السياسية جميعها والتي سعى أوباما، لأن تكون جزءاً من الخيارات الممكنة، ولم يتمكن من ترسيخ فكرة تفكيك مقولة الصراع العربي الإسرائيلي، وفصل الملف الفلسطيني عن باقي الملفات المعقدة، فاصطدم بالمقاومة الفلسطينية الباسلة، التي تمكنت من تعرية سلطة عباس الخاضعة بالمطلق للإدارة الأمريكية وللمشيئة الإسرائيلية. وبدأ عباس وطاقمه يشعران بأن تنازلاته المشينة عن حقوق شعبه، ستلقيه في مزبلة التاريخ، الغائص فيها أصلاً، ولم يصمد أمام الضغوط الأمريكية والإسرائيلية فتراجع عن كل ما كان يطالب به للبدء بالمفاوضات المباشرة، لدرجة أنه أخذ يستجدي أوباما ونتنياهو أن يوافقا على الأقل على تجميد الاستيطان مؤقتاً، لكي يتمكن من تمرير كل ما يريدونه، دون أن يفقد ماء وجهه أمام الشعب الفلسطيني، ولكن نتنياهو يصر على بدء المفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة. واندفعت الجامعة العربية وبعض الحكام العرب وخاصة حكام مصر والأردن لإنقاذ عباس ونظامه العميل. ولكن عباس يعرف أن الشعب الفلسطيني لن يقبل أن تباع قضيته وحقوقه المشروعة. وتسويقه هو وهؤلاء الحكام العرب المأجورون للحل الإسرائيلي، الهادف للتخلص من عبء القضية الفلسطينية والسيطرة على مستقبل الشعب الفلسطيني، عن طريق توطينه والقبول بدويلة قزمة على جزء من الضفة الغربية، لن تحميه من غضب ومقاومة الشعب الفلسطيني، ويجد نفسه اليوم في ورطة لا يجد مخرجاً منها. والشعب الفلسطيني ومقاومته يعيان أن ما يحاك ضد الحقوق الفلسطينية من مؤامرة خبيثة ومفضوحة هو جزء من المشروع الأمريكي الصهيوني المسمى «الشرق الأوسط الكبير ــ الجديد».وفي سياق هذا المشروع، تتصاعد المؤامرة على المقاومة اللبنانية البطلة بقيادة حزب الله، وكما هو الحال في فلسطين، فإن الوضع في لبنان لا يختلف عنه، فقوى العمالة من بقايا /14/ شباط، لم يتوقفوا عن العمل وفبركة الأكاذيب ضد حزب الله، الذي صمد أمام جميع هذه الأكاذيب، وأخذ المبادرة في فضح دور المحكمة الدولية كأداة بيد واشنطن وإسرائيل، وعندما شعر عملاء إسرائيل بضعف موقفهم، حاولوا زج حزب الله في فتنة داخلية، أملاً في عزله، ونزع سلاحه، وما زالت هذه المؤامرة مستمرة على يد السفارة الأمريكية وعملاء إسرائيل وأقطاب /14/ آذار. ولكن حزب الله وقائده السيد حسن نصر الله، قادر على تجاوز هذه المؤامرة المفضوحة. والتآمر على المقاومة اللبنانية وحزب الله، لا ينفصل عن التلويح بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، لفرملة سعيها في الحصول على حقها القانوني في الطاقة النووية، وجاء تدشين محطة «بوشهر» لتكون باكورة تشييد /20/ محطة طاقة نووية تبلغ كلفتها نحو /65/ مليار دولار، وتملصت موسكو من الضغوطات الأمريكية والأوروبية لمنعها من المساهمة في تشغيل هذه المحطة وعقدت اتفاقيتين مع إيران لبناء مفاعلات نووية أخرى، تدر على روسيا مرابح هائلة، تقدر بـ /40/ مليار دولار، بحاجة ماسة لها في ظل أزمة اقتصادية ومناخية مدمرة. وجل ما يثبط عزيمة المسؤولين الأمريكان على مهاجمة إيران، الهزيمة النكراء التي لحقت بالقوات الأمريكية في أفغانستان والعراق، فأمريكا لم تحصد من احتلال العراق وأفغانستان سوى الخسائر الفادحة والإحباط والاحتجاج الداخلي، وتدمير بنى العراق وأفغانستان التحتية، ووقوع آلاف القتلى في الجيش الأمريكي، وملايين الجرحى والمعوقين بين أبناء الشعبين الأفغاني والعراقي. ولم يجن الشعبان من حكام واشنطن سوى الوعود المعسولة الكاذبة بالحرية والأمن والديمقراطية، وزوال الفقر والقضاء على الإرهاب، وعوضاً عن ذلك تعاظمت الفوضى والاضطرابات وانتشار زراعة وتجارة المخدرات وتنامي الفقر والتخلف والجوع والقتل والتشريد. فالشعب الأفغاني والعراقي يكره المحتلين، ولم يتمكن المسؤولون الأمريكيون وحلفاؤهم في حلف الناتو من القيام بزيارات إلى هاتين الدولتين إلا بطريقة سرية تامة. ويتنامى غضب الشعب الأمريكي على إدارته التي لم تحصد في العراق وأفغانستان سوى الفشل وزيادة نعوش القتلى والمنتحرين والجرحى والإصابة بعاهات دائمة. لقد تحوّل العراق وأفغانستان إلى مستنقع تغرق الولايات المتحدة في وحوله، ولم يبق أمامها سوى جر ذيول هزيمتها وترك هذه البلاد لأهلها. لاشك أن الإمبريالية الأمريكية ما زالت تعتقد أن بإمكانها ترسيخ أقدامها في العراق خاصة، ولكنها في الوقت نفسه غير القادرة على الاستمرار في احتلالها لهذا البلد الذي لقنت مقاومته الباسلة المحتلين دروساً قاسية أرغمتهم على الرحيل الجزئي من العراق، ولكن الاحتلال ما زال متمركزاً في /98/ قاعدة عسكرية أمريكية في الأرض العراقية. ولم يكن إعلان الرئيس الأمريكي أوباما سحب القوات القتالية من العراق، سوى تأكيد على هزيمتها، ولكن أوباما وإدارته في الواقع يراوغان، «فالولايات المتحدة، لا تنسحب من العراق، بل هي تعيد تشكيل صورة الاحتلال» حسب صحيفة «الغارديان» البريطانية، وأكدت صحيفة «نيويورك تايمز» قائلة «عملياً، لن يتغير شيء» سيبقى في العراق /50/ ألف جندي، تحت ذرائع مختلفة منها «إرشاد الجيش العراقي وتدريبه» و «توفير الأمن لمكافحة الإرهاب» والحقيقة أن هذا لا يشمل ما يريد الاحتلال القيام به في العراق لأنه وإلى جانب هؤلاء الـ /50/ ألف هناك نحو مائة ألف من المرتزقة الذين يعملون لحساب قوات الاحتلال الأمريكي، وتعمل أمريكا لزيادة أعداد هؤلاء المرتزقة، وصرحت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بوضوح أن بلادها ستزيد من هؤلاء المرتزقة، مما يؤكد على أن أمريكا ليست في وارد ترك العراق، لقد بنت أضخم سفارة لها في العالم، إذ يقارب حجمها حجم دولة الفاتيكان، ومن المؤكد أنها لا تنوي إخراج قواتها من العراق، نظراً لأطماعها في العقود النفطية التي أبرمتها شركاتها النفطية الكبرى لاستثمار ونهب نفط وخيرات العراق. ويوجد الآن /60%/ من احتياطات العراق النفطية تحت سيطرة الشركات الاحتكارية ولأجل طويل، ولكن وبفضل مقاومة الشعب العراقي، فقد مني الغزو الأمريكي بفشل تاريخي سياسي وإستراتيجي وعسكري، واقتنعت أمريكا أنه لا يمكن نجاح الحل العسكري في العراق، كما هو حالها في أفغانستان، وجل ما تريده أمريكا تحويل العراق إلى شرطي إقليمي يخدم مصالحها الإستراتيجية الاقتصادية والسياسية، وفشلت في إشعال الفتنة الطائفية، رغم مخاطرها، وسيأتي اليوم القريب الذي ستتصاعد فيه المقاومة العراقية، لترغم الأمريكيين على الانسحاب المهين على غرار ما لاقته في فيتنام، وتحاول واشنطن ترسيخ نظام يخدم مصالحها الاستعمارية في العراق والمنطقة. ومن خلال المشهد الراهن في المنطقة يمكن الاستنتاج بأن أمريكا فشلت في ترسيخ إمبراطوريتها الاستعمارية، بفضل تصاعد مقاومة الشعوب لهذه الإمبراطورية. لقد أراد بوش الابن وأوباما، من خلال احتلال الدول الأخرى وإرهاب الشعوب، الإعلان عن عصر الإمبراطورية الأمريكية الوحيدة المهيمنة على العالم، ومنع أية قوة أخرى من الارتقاء إلى مستوى منافستها التربع على أجساد الشعوب. ومن ثم فرض النموذج الاستعماري التقليدي على البلدان المستعمرة باستخدام بناها التقليدية كمادة للسيطرة والاستغلال. لقد ساهم تدمير العراق في إسداء خدمة كبيرة لإسرائيل بإزاحة العراق من الخارطة الجيوسياسية المعادية لإسرائيل، بغض النظر عن ديكتاتورية صدام حسين وتقديمه خدمات كبرى للمشروع الأمريكي الصهيوني بارتكابه حماقات لا تغتفر سياسياً وأمنياً، وفرضه نظاماً ديكتاتورياً دموياً مهد للاحتلال الأمريكي. وعوضاً عن تعويض الشعب العراقي، فقد انتهكت كراماته الوطنية وتحمّل تبعات الاحتلال. وباختصار، فقد بدأ المحتلون الأمريكيون يهربون من العراق، ولكنهم سيجدون أنفسهم في وقت قريب أمام الحقيقة المرة، بأنهم غير قادرين على الاستمرار في احتلاله، وكما الشعب الفيتنامي أرغم الأمريكيين على الرحيل النهائي من وطنه، فإن الشعب العراقي والأفغاني سيلحقان الهزيمة النهائية بالمحتلين الأمريكان قراصنة العصر. د. إبراهيم زعير


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني