PCP

يا عمال العالم اتحدوا

ثورة الرابع عشر من تموز العراقية عام 1958

مر العراق خلال التاريخ المعاصر في مرحلة الاحتلالات بداية في الاحتلال العثماني التركي وما جلبه للعراق من مظالم شأنه شأن أي احتلال خاصة وأنه كان يخوض حربا بينه وبين الصفوويين الإيرانيين هذه الحروب التي اتخذت من الساحة العراقية مجالاً لتصفية الحسابات بينهما على حساب فئات الشعب العراقي، مستغلين وجود طائفتين أساسيتين هما شيعة العراق وسنته كما هو معروف حيث يقتل الأتراك الشيعة والفرس الصفوين السنة. هكذا عاش الشعب العراقي فترة ليست بالقصيرة وهو يعاني الأمرين من جار الشمال والجار الأكثر صعوبة في الشرق. أما الاحتلال البريطاني الذي بدأ في عام 1914 بعد أن ترك الأتراك العراق وغابت شمس الإمبراطورية العثمانية عن المشرق العربي، وجاءت ثورة النجف عام 1918 ففي الفترة التي تلت الحرب مباشرة انتفضت النجف على الاحتلال البريطاني وقتلت حاكمها الإنكليزي وتحملت الحصار الجائر الذي ضربه الإنكليز على المدينة، وقد بدأ التحضير لثورة العشرين ، إذ كتب الشيوعي المخضرم زكي خيري: وجاء رمضان المصادف8 أيار ــ حزيران 1920 وقرر الثوريون تسييسه وإعطاء حفلات المولد النبوي والتعازي الحسينية مضموناً وطنياً جديداً. وكان ذلك بداية الإعداد العلني للثورة التي اشتهرت بثورة العشرين. ويذهب بعيداً قائلاً: وكانت حماية الأقليات ورقة لعب مفضلة يلعب بها الاستعمار في كل مكان للتفريق بين صفوف الشعب الثائر لتبرير قمع الثورة. ولكن ثوريي 1920 الأذكياء عر فوا كيف ينتزعون هذه الورقة من يد حكومة الاحتلال البريطاني فبادروا إلى زيارة كنائس النصارى واليهود في أعياد الفصح ليرشوا مواطنيهم من الأقليتين بماء الورد. وقد كسبوهم فعلا ضد العدو المحتل. ومن هنا نستنتج أهمية الوحدة الوطنية الصلبة في وقت الاحتلال. وبعد هذا التاريخ وعلى أثر ظهور الحركة الوطنية العراقية مثل الحزب الشيوعي العراقي وحزب الاستقلال والحزب الوطني الديمقراطي ولاحقاً حزب البعث العربي الاشتراكي دوراً مهماً وريادياً في قيادة الجماهير ضد الاحتلال ومخططاته وهذا ما شهدته منذ عام 1920، و1930 ، و 1935, 1941 , 1948 في وثبة كانون المجيدة وإسقاط معاهدة بورت سموث الجائرة ومن ثم انتفاضة تشرين ازيرج عام 1952 وبعدها انتفاضة عام 1956 لنصرة الشقيقة مصر ضد العدوان الثلاثي الغاشم. لقد اعتاد شعبنا العراقي وبفضل الحركة الوطنية العراقية على النزول إلى الشارع وإبداء وجهة نظره تجاه ما يحدث معبراً عن ذلك بالتظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات وإسماع صوته للحكومات وللسلطة التنفيذية متمثلة بمجلس النواب والأعيان. وهذا لم يمنعه من تقديم المزيد من الضحايا على مذبح الحرية والاستقلال الوطني كما حدث في ثوراته وانتفاضاته. وكان الشيوعيون في مقدمة من وهب حياته من أجل الشعب والوطن فقد أعدم عام 1949 وفي 14 شباط ثلاثة من قادته: هم مؤسس الحزب وقائده يوسف سلمان يوسف «فهد» وزكي محمد بسيم « حازم» وحسين الشبيبي « صارم» صعدوا أرجوحة البطولة والشرف من أجل المبادئ التي آمنوا بها من أجل الشعب والوطن ولو قـُدّر لهم أن يعيشوا مرة أخرى لما اختاروا غير هذا الطريق. ومن خلال تضحيات الحزب الشيوعي العراقي خلال 76 عاماً من أجل الحرية والاستقلال ومن أجل لقمة الشعب في بناء وطن حر وشعب سعيد اكتسب بجدارة لقب حزب الشهداء خلال مسيرته المجيدة وهذا بشهادة أحزاب شيوعية عريقة في المنطقة ومنها حزب القائد الخالد خالد بكداش. عمل الحزب دون كلل أو ملل من أجل جبهة وطنية عريضة تضم القوة المخلصة الصادقة وقيام جبهة الاتحاد الوطني والتمهيد لثورة 14 تموز المجيدة. لعب خالد الذكر «سلام عادل» حسين الرضي السكرتير الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي دوراً بارزاً في قيام الجبهة بعد زيارات مكوكية لزعيم الحزب الوطني الديمقراطي كامل الجادرجي والد رفعت ونصير عضو مجلس حكم المحتل بريمر, وبعد لقاءات مضنية كان الخوف يسيطر على الجادرجي من أن الشيوعيين سوف يكتسحون الشارع العراقي ووضع شروط عديدة كان هذا في ربيع 1957. وقبلها في آب 1955 أصدر بيان اللجنة المركزية الذي جرى في تموز من العام نفسه جاء فيه ما يلي: « علينا، نحن الشيوعيين، أن نعي مسؤولية خاصة، مسؤولية أخوية، في الحركة الوطنية. علينا أن نحترم بإخلاص آراء الآخرين حتى عندما تتعارض مع أرائنا . إن تكرار القول: «إننا وحيدون في الميدان» الذي كثيراً ما تم تأكيده باعتزاز وغرور، خاطئ .. ويعكس تقديراً غير واقعي من ناحيتنا للقوى الوطنية الأخرى .. إن القيادة الثورية، قيادة الطبقة العاملة، لم تكن أبداً تعني تخويف «الحلفاء» أو وضعهم في بقعة صغيرة ضيقة. بل تقويتهم بروح التسامح واليقظة والتضحية بالذات.. ويجب أن يتحول النزاع حول من سيقود الحركة الوطنية إلى نضال يظهر ضرورة القدرة القيادية. وستسلم الجماهير مقاليدها للرجال اللائقين بقيادتها من خلال إيمانهم المستقر. هكذا كان ولا يزال يفكر الشيوعيون في التحالف مع الحركة الوطنية. إن ثورة الرابع عشر من تموز هزت العالم وقد قال عنها الرئيس الأمريكي آنذاك أيزنهاور في خطابه من التلفزيون الأمريكي«في صبيحة 14 تموز تلقيت بصدمة الانقلاب في بغداد ضد النظام الملكي الهاشمي. هذه هي البلاد التي كنا نعتمد عليها بكل ثقلنا في أن تكون الحصن الحصين للاستقرار والتقدم في المنطقة.. إذا لم يلق تحول الأحداث بهذه الصورة المعتمة الرد الشديد من جانبنا فقد يؤدي إلى إزالة كل النفوذ الغربي في الشرق الأوسط ..وبث مساء في الخطاب الذي أذيع في الساعة السادسة والنصف وأشرت إلى التماثل بين الوضع في لبنان وبين ما واجهنا في اليونان في سنة 1947 كما ولفت النظر إلى الانقلاب الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا في عام 1948. وإلى الانتصار الشيوعي في الصين في 1949 وإلى محاولات الشيوعيين للسيطرة على كوريا والهند الصينية منذ عام 1950.. وهكذا كان الغرب الإمبريالي يخاف ثورة تموز 1958. إذ جسدت هذه الثورة شعاراتها الرئيسية بما يلي: 1ــ الانسحاب من حلف بغداد، وإلغاء الاتفاق الثنائي مع بريطانيا، ومقاومة مبدأ أيزنهاور. 2 ــ إطلاق الحريات الديمقراطية لجماهير الشعب.. وإطلاق المساجين السياسيين. 3 ــ تبني إجراءات فعالة لحماية ثروتنا الوطنية واقتصادنا الوطني.. وحل المشكلات المتعلقة بمعيشة الجماهير. 4 ــ تأليف حكومة تتبع سياسة عربية وطنية مستقلة.. وتخدم السلام.. وتحول الاتحاد العربي إلى اتحاد حقيقي بين العراق والأردن والتوحد على أساس فيدرالي مع الجمهورية العربية المتحدة،«وكان هذا الموقف يتفق مع الموقف الذي تبنته جبهة الاتحاد الوطني منذ نيسان «أبريل 1958». جبهة الاتحاد الوطني كانت تضم «الحزب الشيوعي العراقي، حزب البعث العربي الاشتراكي، حزب الاستقلال، الحزب الوطني الديمقراطي وشخصيات وطنية» ولم يكن الحزب الديمقراطي الكردستاني عضوا في الجبهة بسبب اعتراضات الأحزاب القوية على انضمامه بل كان هناك تنسيق جبهوي خارج الجبهة مع الحزبين الشيوعي والديمقراطي الكردستاني بعلم من الجبهة، لعبت الجبهة دوراً مهماً للتمهيد للثورة حيث كانت هناك صلات بين الجبهة وخلايا الضباط الأحرار عن طريق ممثليهم و رشيد المطلق الذي كان على صلة مباشرة مع الزعيم الركن قائد الثورة وعقلها المدبر عبد الكريم قاسم. وقد لاقت ثورة الرابع عشر من تموز الخالدة دعماً جماهيرياً لا مثيل له حيث خرجت جموع الشعب العراقي إلى الشوارع وهي تهتف للثورة وعولت القوى الوطنية على النهج الديمقراطي. وبعد الثورة تم تشكيل مجلس الوزراء من قوى الجبهة باستثناء الحزب الشيوعي حيث مثل حزب البعث فؤاد الركابي وهو أصغر سنا في الوزارة والحزب الوطني الديمقراطي محمد حديد وحزب الاستقلال صديق شنشل. وخطت الحكومة خطواتها ضمن برنامج جبهة الاتحاد الوطني قبل الثورة وللأسف لم يكن هناك برنامج للجبهة ما بعد الثورة لو كان كذلك لما بدأ الاحتراب السياسي بين القوى الوطنية المتحالفة ولست بصدد ذكر ما جرى ومن يتحمل المسؤولية عن ذلك. وهنا استعير ما كتبه زكي خيري إنصافاً لعبد الكريم قاسم وكيف كان يفكر يقول زكي خيري: «وقد روى لي رشيد مطلك أن عبد الكريم قاسم كان يريد أن يعهد بالحكومة الانتقالية إلى المعارضة المدنية أي إلى الأحزاب السياسية وأنه فاتح الجادرجي فيما إذا كان مستعداً لتولي هذه المهمة ولكن الجادرجي رفض ذلك ملقياً مهمة الفترة الانتقالية على عاتق العسكريين أنفسهم. إن هذه الرواية تتناقض مع روايات أخرى أكثر تواتراً تقول: إن قيادة الضباط الأحرار كانت أميل للانفراد بالسلطة ومناصبها». لعبت ثورة تموز الخالد دوراً في توعية وتثقيف الشعب حيث أجيزت الصحف المحلية من مختلف التوجهات السياسية والفكرية ومنها البلاد لروفائيل بطي، والثورة ليونس الطائي، وصوت الأحرار لصدقي، والرأي العام للجواهري، والحرية لقاسم حمودي والإنسانية لكاظم السماوي، واتحاد الشعب لعبد القادر إسماعيل، واليقظة للصوري، وخابات الكردية لليوسفي والثبات لمحمود شوكت، وصوت الفرات للشيخ حميد سعيد وغيرها من الصحف اليومية والأسبوعية والثقافة الجديدة الشهرية، ونشطت حركة المسرح والسينما ودور الثقافة وكان هذا ما يميز جيل الستينات حيث ظهرت مجموعة من الكتاب والشعراء والفنانين في مجالي الفنون التشكيلية والمسرحية. وأصبح العراق واحة للثقافة من شماله حتى جنوبه ومن شرقه حتى غربه. بعد الثورة تأسست النقابات والجمعيات والاتحادات والمنظمات الجماهيرية ولعبت هي الأخرى دوراً بارزاُ في توعية الجماهير وجاءت عن طريق الانتخابات الديمقراطية وضمنت حقوق العمال والفلاحين وشغيلة اليد والفكر وعقدت مؤتمراتها العلنية وانتخبت قيادتها من الكوادر الكفوءة والمجربة والتي قدمت الكثير من أجل الوطن والشعب. لعب حزبنا الشيوعي العراقي دوراً بارزاً في الدفاع عن مسيرة ثورة الرابع عشر من تموز وكان لهذا الدور أثر بارز في الإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي على الفلاحين وإقامة مشاريع إنمائية وتوسيع التعليم والصحة وسن القانون رقم 80 لشركة النفط الوطنية، وهذا الدور لم يرق للرجعية وبدأ التأمر على الثورة ودافع الشيوعيون عن مكتسبات الثورة مقدمين الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على المكتسبات التي أراد المستعمرون القضاء عليها.وستبقى ذكرى ثورة الرابع عشر من تموز حافزاً لتصعيد المقاومة الوطنية الباسلة ضد المحتل الأمريكي وأذنابه من خونة ومأجورين ومن تخلى وخان مبادئ الماركسية اللينينية المنار الهادي للطبقة العاملة وحلفائها. والمجد كل المجد والخلود لشهداء الحزب الشيوعي العراقي وأبطال ثورة 14 تموز 1958.


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني