PCP

يا عمال العالم اتحدوا

رائدة النسويّة العربيّة في منظار الأجيال الجديدة

رائدة النسويّة العربيّة في منظار الأجيال الجديدة ماذا بقي من «الفكر النِّسويّ» بين نوال السعداوي وسيمون دو بوفوار؟ الكاتبة الفرنسيّة الراحلة التي تعتبر مناضلات بارزات أن الزمن تجاوزها في الغرب... ما زالت راهنة في العالم العربي. أما زميلتها المصريّة، فإن أفكارها الصادمة يُعجَب بها في الغرب، فيما تتعامل معها بعض الكاتبات الشابات هنا بشيء من التأفف والشك والحذر محمد شعير ـ الكتابة عن نوال السعداوي، تلك المرأة «الإشكاليّة»، أمرٌ صعب. الاقتراب منها اليوم يقود إلى «استقطاب حاد»، ليس حول أفكارها الصادمة والجريئة في الدين والجنس والسياسة، وبنية المجتمعات العربية وأوضاع المرأة فحسب، بل حول شخصيتها الصادمة والجريئة بحدّ ذاتها أيضاً. هذه الأديبة والمناضلة النسويّة التي أعطت الكثير في معارك تحرر المرأة في مواجهة مجتمع ذكوري بطريركي، هي أيضاً اليوم موضع مراجعة حساب من جيل جديد من الأديبات والمناضلات النسويّات في مصر والعالم العربي. قد تفسّر طبيعة هذه الشخصيّة السبب الذي يجعل من السعداوي اليوم هدفاً لهجمات معظم التيّارات اليمينية واليسارية على حدٍّ سواء. بعض المثقفين اليساريين يرون أنّها «تسعى دائماً إلى تحويل المعارك المثارة حولها من معارك موضوعية ذات قضايا وطنية وثقافية عامة، إلى معارك ذاتية تتعلق بشخصها، وبقيمتها الفردية». نسأل أكاديمياً معروفاً عن سبب إحجامه عن الدفاع عنها في معاركها الأخيرة مع التيارات الأصولية، فيجيب: «تعبنا قليلاً من هذه الأيقونة، أو الصورة النمطيّة. لا ننكر الدور الذي أدّته ذات يوم، لكنّها باتت بطلة مشروعها الخاص. تحب أن تتحدث عن نفسها، وأن يتحدث عنها الآخرون رائدةً ومبدعة متفردة سبقت عصرها... كأنّها هي الأستاذة الواعية والباقون مجرَّد تلاميذ يجب أن يستوعبوا عبقرية ما تقول». يلاحظ كثيرون ممن سألناهم أن خطاب السعداوي ما زال يثير الاهتمام والإعجاب في «الغرب»، لأنّ من تقصدهم بكلامها من النساء والرجال في العالم العربي مهمّشون أو مستبعدون، وبينهم أميّون كثر، وبينهم كثر أيضاً ممن لا يهتمُّون بالقراءة أصلاً. وقد يكون البرهان على ذلك مقارنة بسيطة، بين أرقام توزيع كتبها «هنا» و«هناك»، إضافةً إلى تعرُّض أفكارها لنقد عنيف في المجتمعات العربية المحافظة. أما في الخارج، فتتلقّى باقات الورد ومقالات الإطراء والمديح، وأحياناً الجوائز. هنا يرى بعضهم في مواقفها تجاه الغرب تناقضاً شديداً، فأميركا، العدوّ الأول في كتاباتها السياسية، تحوَّلت إلى «منفاها الاختياري» منذ سنوات، إذ تدرّس في جامعاتها، وتلجأ إليها عندما تستشعر خطراً قد يمسّها. هنا تبرز إشكالية أخرى بين طرح الأفكار وكيفية تسويقها. أفكار جادة مركبة، لكن تُسَوَّق بطريقة جماهيرية «تعتمد الفرقعة» ولفت الأنظار. صاحبة «الأنثى هي الأصل» تقول في الكثير من حواراتها إنّها تعي ذلك جيداً، وتعرف أنّ المجتمع بحاجة إلى تأهيل طويل لتلقِّي الكثير من الأفكار الصحيحة التي تطرحها ويفهمها كثيرون بطريقة خاطئة ومحرَّفة، لكنَّها تراهن أحياناً على فكرة «الصدمة». أكثر من كاتبة شابة سألناها عن أثر نوال السعداوي وميراثها، لنكتشف بدهشة أنه لم يبق اليوم تأثير كبير. حتَّى إن بعضهنّ اعترف بخجل: «لم نقرأها». رانيا خلاف التي أصدرت أخيراً رواية «حكاية الحمار المخطط» لم تقرأ للسعداوي سوى عمل واحد، لا تتذكّر حتى عنوانه. تراها رمزاً للتمرد على الأفكار السائدة... لا أكثر ولا أقل. نسألها إن كان ثمَّة تأثيرات لصاحبة «المرأة والجنس» على كتاباتها، أو على مواقفها الشخصية، فتجيب: «جيلنا لا يمكن أن يكون نتاجاً للسابقين مهما كانت عظمتهم». هذا ما تؤكد عليه الشاعرة نجاة علي: «نموذج نوال السعداوي لا يستهويني، رغم أنَّ بعضنا يعتبرها نموذجاً حياً لتمرُّد المرأة في مجتمع ذكوري. تكاد تكون في الغرب أشهر من نجيب محفوظ، إلا أنَّ الأمر مختلف بالنسبة إليّ، إذ أرى أنّ كتاباتها استفزازية هدفها إثارة المعارك والشهرة والأضواء. وأظن أنّ كثيرات من بنات جيلي لم يقرأنها جيداً، أو ربما لم يُشغَلن بها من الأساس». لكن ما أسباب هذا التجاهل؟ ترى نجاة علي أنّ «ذلك ربما عاد إلى افتقار خطابها إلى العمق والتنوع والثراء مقارنة بأسماء أخرى من رائدات الحركة النسويّة أمثال هدى شعراوي، ودرية شفيق، وصفية زغلول، وملك حفني ناصف، ونبوية موسى، وغيرهن ممن حاولن تغيير أوضاع المرأة المصرية، وقمن بدور سياسي بارز، إن كمشاركات للسياسين البارزين من الرجال، أو كعضوات في الهيئات السياسية والأحزاب». الكاتبة منى برنس بدورها لم تقرأ السعداوي، فهي بنظرها «نموذج للتطرُّف، وأنا أنفر من التطرُّف على كل المستويات. كان لها تأثير سلبي على أفكاري». في الموقع النقيض تقف القاصة والناشطة عفاف السيد قائلة: «وضعت السعداوي قدمي على أول درجة من السلّم، ومشيت في الطريق وحدي. وعندما أشعر بأنني بحاجة إلى الدعم ألجأ إليها وإلى افكارها». كانت عفاف «يمينية» في بداياتها، وعندما قرأت كتابات صاحبة «المرأة والجنس» غيّرت طريقة تفكيرها: إنّها تمدّك بأفكار جديدة دائماً. أقدّر طاقتها الإنسانية وإقبالها على الحياة، وقتالها من أجل أفكارها. لم تتخاذل أو تختبئ، وهذا ما أحترمه فيها بقوة». لكنها تستدرك: «لست امتداداً لها، لأنّ الأفكار ليست خطوطاً مستقيمة. أنا أعمل بواقعيّة، أنزل إلى المهمشين في الشارع وأتحاور معهم، ولا أكتفي بالتنظير». كاتبات كثيرات رفضن الحديث عن السعداوي، أو مراجعة أفكارها وأعمالها ومقولاتها... لماذا هذه المسافة؟ هل مرّ على كتاباتها الزمن حقاً؟ هل هي أمراض الساحة الفكريّة والثقافيّة وحساباتها الضيّقة؟ هل بالغت الدكتورة في استفزاز معاصريها، وإطلاق العنان لنرجسيّتها؟ قد نحتاج إلى مرور الوقت للحصول على إجابات مفيدة، ولإعادة اكتشاف أفكارها وإنجازاتها... لكن المؤكّد اليوم، أن ابنة الشيخ الأزهري التي ارتدت بحسب تعبير الناقد جمال الجمال «قبعة جون وين»، تحوّلت إلى «راعٍ بقر يحاول فرض شروطه على الواقع، ولو كان وحيداً على ظهر حصانه». الأخبار


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني