PCP

يا عمال العالم اتحدوا

أوروبا: الجنازة ضخمة والميت ... كاتشينسكي

في صباح يوم السبت في العاشر من نيسان تحطمت الطائرة العائدة للدولة البولونية والتي كانت تقل الرئيس ليخ كاتشينسكي المتوجه إلى سمولينسك في روسيا ومعه /95/ شخص بينهم مسؤولين مهمين في السلطة البولونية. وكانت الزيارة جارية في سياق التحسن الطارئ على العلاقات الروسية البولونية بعدما شهدت مرحلة من التوتر والجمود. فروسيا بادرت إلى تجميد العلاقات مع بولونيا بعدما دعمت الأخيرة وبالأخص رئيسها ليخ كاتشينسكي، بشكل استعراضي، ما سمي «بالثورة البرتقالية» في أوكرانيا الموالية للغرب، وكذلك بعدما وافقت الدولة البولونية على نشر منظومة الأسلحة الصاروخية الأمريكية في أراضيها والتي نظرت إليها موسكو كخطر مباشر، وعندما تخلت واشنطن في العالم الماضي عن هذه الخطة ولو مؤقتاً، ساعد ذلك على تحسن العلاقة بين موسكو ووارسو. وخلال زيارته في الأسبوع الماضي لروسيا، بحث دونالد توسك رئيس الوزراء البولوني مسألة زيادة المشتريات البولونية للغاز والنفط من روسيا وبعض تفاصيل أخرى للعلاقات الاقتصادية. وجدير ذكره أن الحكام الروس والبولون رأوا كمناسبة مؤاتية لإجراء لقاءتهما على شكل إحياء ما يجري الإطلاق عليه ذكرى ضحايا ستالين من الأسرى البولون المنتمين إلى الأجهزة القمعية البولونية أساساً، علماً أنه لحد الآن لم يثبت المؤرخون من الذي قتل هؤلاء، السوفييت أم الألمان؟ ولكن البولون يستندون في إدعائهم إلى «اعتراف» سمعوه من الرئيس يلتسين همساً في عام /1994/، ولكن من غير المعروف هل كان هذا الأخير صاحياً أو سكراناً عند تفوهه بتلك «الحقائق». على كل حال من الواضح أن ما يجمع الطغم الحاكمة في روسيا وفي بولونيا على حد سواء هو كرههم ليوسف ستالين بصفته رمز العداء اللدود لسلطة الرأسمال. لذلك في ظل اللعن المشترك للستالينية جرى اللقاء بين رئيس وزراء روسيا فلاديمير بوتين ورئيس وزراء بولونيا دونالد توسك وذلك في /7/ نيسان الجاري في كاتين قرب مدينة سمولينسك الروسية. ولكن الرئيس ليخ كاتشينسكي لم يحضر هذا اللقاء والسبب أنه كان يكن كرهاً لرئيس وزراء بولونيا توسك إذ كان يرى فيه ميول يسارية تدعو للريبة، مما كان يثير تعجباً حتى لدى المحللين الغربيين المخضرمين، الذين اعتادوا أن لا يتعجبوا بشيء. فمن هو إذاً هذا الفقيد الكبير «ليخ كاتشينسكي»؟ لقد نشأ ليخ كاتشينسكي هو وأخوه التوأم ياروسلاف في عائلة ذات تراث متجذر في الكره للنظام التقدمي في بولونيا ولكل شيء يمت بالصلة للاشتراكية. ومنذ السبعينات في القرن الماضي ارتبط بشكل وثيق مع التنظيمات الموالية للغرب ومن ثم أصبح عضواً ذو مكانة في حركة التضامن المعادية للاشتراكية. وبعد نجاح الثورة المضادة في بولونيا وفي دول أوروبا الشرقية والوسطى، شغل ليخ كاتشينسكي منصب وزير الأمن القومي في ظل رئاسة ليخ فاليسا لبولولينا. ثم تمايز هو وأخاه ياروسلاف بتأسيس حركة مغالية في التطرف اليميني وبشكل مكشوف. ووصلا بعد ذلك إلى السلطة، فالأول أصبح رئيس الجمهورية والآخر رئيساً للوزراء، في جو من الإرهاب الفكري لا يتقبله حتى الليبراليون اليمينيون. لذلك عند وفاته نعاه آدام ميخنيك، والذي كان من المنظرين الأساسيين للثورات المضادة في بولونيا ومن المستشارين الأساسيين لقيادة حركة «التضامن»، بالنعوت المؤثرة التالية: «الرجعي، رجل محاكم التفتيش، مناهض لأوروبا، شعبوي رخيص» وهذه شهادة من أهله. وتقول الجريدة الفرنسية «ليبراسيون» التي تسعى إلى أن تحافظ على زي يساري، في مقال منشور فيها بتاريخ 16/4/2010، تحت عنوان لا يحتاج إلى تأويل: «ليخ كاتشينسكي موت شخص رجعي ومتعصب قومياً» ما يلي: «إن موت رئيس بولونيا في حادث تحطم طائرة في /10/ نيسان أدى إلى حزن عميق لدى البولونيين، وجرى تسليط الضوء عليه من قبل وسائل الإعلام العالمية، التي عبرت بشكل متنوع عن الشعور نفسه. فما روّع الناس ليس فقط موت كاتشينسكي، ولكن تلك الواقعة، أنه مات معه أيضاً ما يقارب مئة شخص، بما فيها زوجته وعدد من المسؤولين السياسيين والعسكريين البارزين. ولكن مع ذلك فإن العديد من الناس يتعجبون على كلمات الترحم الموجهة إلى الرئيس البولوني المرحوم، والتي تبدو غير معقولة وكأن الموت حول هذا السياسي الرجعي والمتعصب إلى قديس حقيقي، علماً أنه كان أسوأ رئيس دولة عرفته بولونيا خلال كل تاريخها». ويتابع كاتب المقال أنه عندما تسنى لليخ كاتشينسكي التمتع بالسلطات الواسعة، حين كان أخوه رئيساً للوزراء، فقد شن الأخوان حملة واسعة من الملاحقة شملت المئات من الناس وذلك بحجة مكافحة «شبح الشيوعية». وما كان يميز الأخوين في السلطة استهتارهما المطلق بالحريات السياسية. وكما قال أحد الساسة الأوروبيين في جلسة خاصة له أن الأخوة كاتشينسكي بحاجة إلى «طبيب نفسي جيد». وما كان يميز نهجهما في السياسة الخارجية الكره ذو الطابع المتخلف لألمانيا والذي كان يوازن فقط من خلال الكره الشبيه الذي يكنوه لروسيا. وكان الأخوة التوأم يعلنان أن الحليف الجيد بنظرهما هو الولايات المتحدة الأمريكية فقط، وهذا ما يفسر لحد كبير مشاركة بولونيا في الحرب ضد العراق، وكذلك الإسهام الكبير لوارسو في عمليات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. ويشير المقال إلى أن هذا الالتزام غير المعقول للأخوة التوأم بإدارة بوش أدى إلى زيادة التوتر بين غربي أوروبا وشرقها. ويختم كاتب المقال بالعبارة التالية: «أني أرفض أن أذرف دموع التماسيح حزناً على مثل هذا الشخص». أما جريدة «نيويورك تايمز» في مقال منشور لها في /17/ نيسان تحت عنوان: «الأبطال البولونيون والضحايا البولونيين» فكلامها أيضاً لا يشوبه كثير من العطف، علماً أنها على عكس زميلتها الفرنسية «ليبراسيون» لا تحاول أن تتظاهر باليسارية. إذ تقول نيويورك تايمز: «بالرغم من أنه هناك نية في دفن السيد كاتشينسكي في مدفن مع عظماء بولونيا، إلا أنه لم يكن قطعياً منهم. فقبل وفاته بزمن قليل، كان التأييد الذي يناله في سبر الرأي العام لا يتجاوز أكثر من /30%/ وضعف هذا العدد كان يقيمه سلباً. وكانت حظوظه بإعادة انتخابه رئيساً لبولونيا أكثر من متواضعة، بل أن الكثيرين اعتبروه أسوأ رئيس عرفته بولونيا، ولكن الموت حوله إلى بطل قومي». حتى أنت يا نيويورك تايمز؟! في بولونيا كل شيء للبيع... وتشير «نيويورك تايمز» في مقال آخر لها منشور في /15/ نيسان الجاري إلى أن وفاة الرئيس كاتشينسكي وزملائه، كان مورداً للربح بالنسبة للبولونيين المعتادين على قانون السوق. فبعد ثلاث ساعات فقط من تحطم طائرة كاتشينسكي وموت الـ /95/ من ركابها، أحد البولونيين الشطار نشر إعلاناً في الانترنيت يعرض فيها «تي شيرت» عليه العلم البولوني وأحرف RIP وبسعر /8.5/ دولار للقطعة. وبعد عدة ساعات من الحادث، والتي رحلت به زوجة الرئيس ماريا، وحاكم المصرف المركزي، إلى جانب العشرات من المسؤولين امتلأ السوق ببضاعة متنوعة متعلقة بالحادث بدءاً من ساعات حائط مطبوعة عليها صورة الزوجين كاتشينسكي وهما ينظران مبتسمين ووراءهما خريطة بولونيا وصولاً إلى الشمعات، فبائعي الشمع ربحوا كثيراً ببيعهم الشمع بدولارين مقابل قطعة واحدة. والبعض من البولونيين يقول أن الموقف التجاري الصارخ من المأساة، هو دليل على وجود لاقتصاد رأسمالي قوي في بولونيا بعد عشرين عاماً من إسقاط الحكم الاشتراكي، مع أن البعض يشير إلى أن الإيمان بالسوق يشكل خطراً على الإخلاص لتعاليم الكنيسة الكاثوليكية وقد يزيحها من الموقع الديني السائد. أما المستشار الاقتصادي للرئيس كاتشينسكي ريتشارد بوغاي فيقول أنه متعجب من سعي البعض إلى جني الأرباح على حساب حزن الآخرين. وقال حرفياً: «إنه عندما يجري كسب الأرباح على حساب حزن الآخرين فهذا شيء، سيء. ولكن مثل هذا السلوك نموذجي بالنسبة للأخلاق الرأسمالية، عندما لا يهمه أحد ماذا هو مسموح وماذا ممنوع، بل الكل يهتم فقط بالربح المالي». وتقول غراجينا جولتوفسكايا والتي تبيع الأعلام بالقرب من القصر الرئاسي في وارسو أن موجة الروح القومية ساعدتها على تسديد الحسابات المتراكمة عليها لعدة أشهر قادمة. فحسب ما تقول أنه يوم حدوث كارثة الطائرة يوم السبت، كسبت هي /700/ دولار أمريكي من خلال بيع الأعلام البولونية المصنوعة في الصين، والتي جرى بيعها بـ /20/ زلوتي (6.8 دولار) مقابل القطعة الواحدة. فعلاً في بولونيا كل شيء للبيع. لقد قالت امرأة مسنة عندما سمعت بنبأ تحطم طائرة كاتشينسكي: «إن ستالين يواجه هؤلاء حتى بعد عشرات السنين من رحيله». بشير الحكيم


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني