PCP

يا عمال العالم اتحدوا

ملامح فشل السياسة الأمريكية في المنطقة وفي قلب القارة الآسيوية

النظرة المتأنية لما آلت إليه السياسة الأمريكية في شرق المتوسط وفي المنطقة الآسيوية عموماً، لابد وأن يلاحظ، أن السياسة العدوانية الأمريكية في هذه المنطقة الممتدة جغرافياً آلاف الكيلو مترات، لم تحقق تلك النتائج التي اعتقدت الولايات المتحدة أنها سوف تحققها بغياب الرادع السوفييتي، في مطلع تسعينيات القرن الماضي. فعملية احتلال أفغانستان والعراق، ومحاولتها الدائمة كسر شوكة قوى المقاومة والصمود في المنطقة العربية بمساعدة حليفها الإسرائيلي، ليس فقط منيت بالفشل بل ويمكن القول إنها هُزمت وبالتالي فمشروعها الشرق الأوسط الكبير الجديد لم يرَ النور كما كانت تأمل. لقد احتلت أفغانستان وأسقط نظام طالبان، الذي صنعته هي، ووفرت له الحماية ومن ثم تحول إلى عبء عليها، فأسقطته، ولكنها لم تتمكن من فرض سيطرتها هي على أفغانستان، وتحويلها إلى منطقة آمنة ومستقرة تتحكم بها وتستخدمها لأهداف أبعد من أفغانستان، خاصة، وكما هو معروف، الاقتراب من بحر قزوين ومنع أي تمدد منافس لها إن كان أوروبياً أو آسيوياً باتجاهه، وبقي بحيرة لتلك الدول الخمس المطلة عليها وضمنها روسيا وإيران. ولم تنعم بأي هدوء لقواتها التي تتعرض يومياً لهجمات المقاومة الأفغانية، وحتى عمليتها الأخيرة في هلمند، التي اعتقدت بأنها ستتمكن من التحكم بها وكذلك التحكم بالأوضاع في الولايتين المجاورتين المهمتين قندهار وأروزجان، أيضاً لم يقيضِ لها أن تنفرد بهما، وما زالت عالقة في هلمند، رغم كل تبجحاتها بأنها حققت انتصارات كبيرة فيها. وتبين أن جل ما يشغل تفكيرها في هلمند هو السيطرة عليها كونها المنتج الرئيسي للمخدرات، والتي تعمل المافيات الأمريكية والبريطانية ــ ومن المفارقات ــ بالتعاون مع بعض أقطاب المافيات المرتبطة بحركة طالبان، حيث عائدات بيع المخدرات خارج أفغانستان والتي تنقل بواسطة الطائرات الأمريكية والأطلسية، تعود للجميع. وفي العراق لا تعرف واشنطن كيف تلملم أشلائها للهروب من هذا البلد الذي حولته المقاومة الباسلة، إلى كابوس يؤرق حكام وجنرالات واشنطن. ولم تتمكن الأنظمة العربية الرجعية والعميلة من تسويق المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة بفضل الصمود الوطني السوري الرائع والمقاومة البطلة في لبنان وفي العراق وفلسطين وصمود أبناء غزة الأسطوري. وحيال هذه الوضعية غير المريحة والتي تنبئ بمستقبل أسود لأمريكا وإسرائيل، أخذت تحيك المؤامرات ضد إيران وتحرض بعض الأنظمة العربية للوقوف إلى جانبها في العداء لإيران، حتى أن المبعوثين الأمريكان الذين زاروا بعض البلدان الخليجية، حاولوا انتزاع موافقتهم على استخدام أراضيهم ضد إيران في حال نضوج الظروف لتوجيه ضربة عسكرية ضد منشآت إيران النووية. وتحاول اليوم عن طريق الضغط انتزاع موافقة الصين على فرض عقوبات أشد على إيران، بعد أن تمكنت من خلخلة الموقف الروسي، والذي أخذ يعلن عن إمكانية موافقته لفرض عقوبات ضد إيران ولو سماها «ذكية» ولكن لا يغير ذلك من الموقف الروسي المتأرجح، علماً أن مصلحة روسيا تكمن في الوقوف إلى جانب إيران، وهذا ما دفعها للإعلان عشية اجتماع الرباعية في موسكو عن نيتها تشغيل مفاعل بوشهر الإيراني النووي في الشهر القادم. وإذا كانت روسيا حائرة في اتخاذ الموقف فإن هذه الحيرة والتذبذب مربوط بالمصالح الروسية الواسعة مع الولايات المتحدة ومع إيران في نفس الوقت. وحتى اليوم لم تتمكن الولايات المتحدة من إقناع الصين خاصة بالموافقة على إدانة إيران في مجلس الأمن، وفرض عقوبات جديدة عليها، تحت ذريعة أنها لا تمتثل لقرارات مجلس الأمن بوقف تخصيب اليورانيوم. حتى أن أمريكا حاولت دفع بعض القادة العرب للتدخل لدى الصين لإقناعها بالموافقة على فرض عقوبات. في مجمل هذه التطورات يمكن أن نتوقع أن الولايات المتحدة بسعيها لعزل إيران دولياً والضغط عليها بفرض عقوبات أشد، تهيئ المناخ المناسب لتوجيه ضربة عسكرية لم تنضج بعد، وهدفها النهائي ليس الملف النووي الإيراني، بل إيران كنظام مناهض للمشروع الأمريكي الصهيوني في الشرق الأوسط. ومن غير المؤكد أن تتمكن الصين من الصمود في وجه الضغوطات الأمريكية حتى النهاية؟ خاصة وأن مصالح الاحتكارات الصينية مع الولايات المتحدة أكبر وأوسع مما هي عليه مع إيران، ولاسيما أن بوادر أزمة اقتصادية حادة تلوح في الأفق الصيني. صحيح أن للصين مصالح مهمة مع إيران لعل أبرزها العقدان الموقعان مع إيران عام /2004/ والذي بموجبه تستورد الصين /350/ مليون طن متري من الغاز الطبيعي الإيراني، والعقد الموقع عام /2009/ بالبحث والتنقيب عن النفط في حقل آزادجان الإيراني، كما تصدر إيران حوالي /13%/ من النفط للصين أي بمعدل مليون برميل يومياً. ولكن مصالحها مع الولايات المتحدة ليست أقل بل أكبر، فحجم الاستثمارات الأمريكية في الصين بلغ حوالي /48/ مليار دولار، فضلاً عن الفائض في الميزان التجاري الصيني الأمريكي لصالح الصين بلغ /350/ مليار دولار، والأكثر قلقاً بالنسبة للصين أنها تمتلك سندات مالية في المصارف الأمريكية تصل إلى ترليون ونصف ترليون دولار. وهي تخاف على مصير هذه الأموال في حال اتخذت مواقف أكثر حزماً في تأييد إيران. وإذا كانت الصين قد وافقت سابقاً على القرارات الثلاثة هي وروسيا في مجلس الأمن بفرض عقوبات على إيران، إلا أنها اليوم تتوجس من التدخلات الأمريكية في شؤونها الداخلية وخاصة بعد صفقة الأسلحة الأمريكية مع تايوان والبالغ قيمتها /6.4/ مليار دولار. مما أثار غضب الصين كذلك، لقاء الرئيس الأمريكي أوباما مع الزعيم الروحي للتيبت الدلاي لاما في البيت الأبيض، وهو المعروف بعمالته التاريخية لأمريكا. وتحاول الصين أن توفق بين قضيتين متناقضتين: أولاً، أن لا يكون القرار الجديد من مجلس الأمن شديداً بل مخففاً للحفاظ على مصالحها مع إيران، وترضي بذلك واشنطن، ولكن واشنطن مصرة على موقف يقضي بعقوبات شديدة على إيران، وما زالت الصين تأمل بأن يكون القرار الذي من المفترض أن يصدر عن مجلس الأمن محققاً لمصالح الصين على المستويين الأمريكي والإيراني في آن واحد. وهذا هو جوهر الموقف الصيني الذي لا تمليه سوى المصالح البرغماتية (النفعية)، التي بات من الصعب إيجاد التوازنات الضرورية في مثل هكذا سياسة، أثبتت فشلها في أكثر من مكان في العالم!! .. وفي جميع الأحوال وفي عصر لم يعد فيها للمبادئ والقيم مكانة في سياسة أغلب دول العالم في ظل التفرد الأمريكي بمصير شركائه وحلفائه وتابعيه فإن معسكر المقاومة والصمود الذي تمثله سورية وإيران والمقاومة في الشرق الأوسط، سيقرر في نهاية المطاف الهزيمة النهائية للمشروع الأمريكي الصهيوني في هذه المنطقة الأكثر حساسية من جميع مناطق العالم الأخرى. د. إبراهيم زعير


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني