PCP

يا عمال العالم اتحدوا

القدس لا تنتظر المصالحة

من أهم ما شهدته الساحة الفلسطينية في الأسابيع الأخيرة، هو الهبة الشعبية في مدينة القدس، ولا يقل عن ذلك أهمية أنه، وفي خلفية الهبة، كان هناك تعاون غير مسبوق بين كل القوى والفصائل الوطنية والإسلامية. هذا التعاون الميداني دليل على الطاقة الكامنة في الوحدة الكفاحية الوطنية الموجهة في النضال ضد الاحتلال، وهو دليل أيضا على الخسارة الفادحة التي تلحق بالشعب الفلسطيني نتيجة لاستمرار الانقسام وحالة التناحر المأساوية. المطلب الشعبي الفلسطيني هو وحدة وطنية كفاحية شاملة. هذا المطلب أصبح أكثر إلحاحاً إزاء ما يواجهه الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده من محاولات شطب حق العودة، واستمرار حصار غزة، وفرض الأمر الواقع في القدس، وتجزئة الضفة الغربية، وإزاء محاولات ترسيخ تقسيم كيان الشعب الفلسطيني إلى كيانات مفتتة: ضفة، قدس، غزة، داخل، لاجئين. هذه التحديات أخطر بكثير من الانقسام السياسي، ولكن تجاوز الانقسام نحو المصالحة هو في نهاية المطاف قرار فلسطيني، وهو شرط مسبق لمواجهة التحديات بكافة أشكالها. المصالحة الوطنية متعثرة، ولا تلوح في الأفق إمكانية تجاوزها، فهل تنتظر القدس المصالحة؟ هل تنتظر مدينة وعاصمة الشعب الفلسطيني المصالحة الوطنية حتى يكون هناك عمل فلسطيني موحد وجدي لمواجهة ما تقوم به إسرائيل فيها من تهويد وترحيل وهدم واستيطان وتخريب البشر والحجر؟ لقد أثبتت الهبة الشعبية الأخيرة في القدس أن التعاون الميداني الوحدوي ممكن حتى في ظل الانقسام السياسي الشامل. وهنا ليس مهماً ما إذا كانت الوحدة الميدانية في القدس هي التي حركت الهبة، أم أن الهبة الشعبية فرضت الوحدة على القوى الوطنية والإسلامية في القدس. المهم أن هذا الأمر ممكن! وفي القدس أولاً. القدس لا تنتظر المصالحة الشاملة، والمطلوب فوراً تحويل التعاون الذي حصل مؤخراً، إلى وحدة وطنية منظمة وشاملة في مدينة القدس، ولتكن بداية وحدة ميدانية تشارك فيها كل القوى والأحزاب الوطنية والإسلامية والمؤسسات والشخصيات السياسية والدينية في المدينة، على غرار الجبهة الوطنية في السبعينيات، التي قادت ميدانياً النضال الفلسطيني في الضفة والقطاع. إن مهام مثل هذا الإطار المقدسي الموحد كثيرة ومتعددة، بعد تراكم قضايا لا تعد ولا تحصى نتيجة لإهمال المدينة وجعلها لقمة سائغة للممارسات والمخططات الإسرائيلية التخريبية، التي تهدف التهويد وتستعمل أساليب تفتيت وتخريب المجتمع الفلسطيني في القدس لتسهيل السيطرة عليها. حتى تنجح الوحدة الوطنية في القدس، من المهم أن تحظى بدعم وتأييد قيادات القوى السياسية الفلسطينية المختلفة، فما في القدس هو امتداد لهذه القوى. نحن نعرف أن هناك قيادات تريد تعطيل وتجميد أي وحدة عمل ميدانية، ريثما يجري البت بشأن المصالحة الوطنية الشاملة، ونعرف أن هذه القيادات غير متحمسة، بأقل تعبير، لما يجري من تعاون بين القوى الوطنية والإسلامية في القدس، حتى لو كان هذا التعاون محدوداً ومؤقتاً حتى الآن. ولكن المخاطر المحدقة بالقدس وما يجري في المدينة يومياً من ممارسات تهويد وترحيل وإخلاء وتخريب للتعليم ونشر للمخدرات واستهداف المقدسات والمعالم التاريخية الإسلامية والمسيحية، تجعل مواقف هذه القيادات مرفوضة من الغالبية العظمى من الناس ومن كوادر كل القوى الوطنية والإسلامية في كل مكان وليس في القدس وحدها. المطلوب تجاوز كل العراقيل، وهي كثيرة، والشروع ببناء إطار الوحدة الوطنية في القدس كأمر واقع، وهذا بحد ذاته سيخرس كل الأصوات التي تحاول أن تمنع ذلك اليوم. المفروض أنه لا صراع على المواقف والمواقع في القدس، لأن الكل يعلن التزامه بضرورة مواجهة المخططات الإسرائيلية بشأنها، وليس فيها سلطة للصراع عليها، لذا من الأسهل تشييد الوحدة الوطنية فيها. من شأن هذه الوحدة أن تحرك المجتمع الفلسطيني في المدينة في ساحات النضال والكفاح وأن تنظمه وتحصنه وتحميه من الشرذمة والخراب الاجتماعي والسياسي. من شأنها أيضاً أن تحرك الساحة الفلسطينية والعربية للمساهمة في الدفاع عن المدينة وأهلها وأرضها ومقدساتها، وخاصة المسجد الأقصى المبارك إضافة إلى منع التلاعب بالأوقاف المسيحية فيها. القدس ليست شأن أهل القدس وحدهم، ولكن لا يجوز إهمال دورهم وجعلهم رهينة للتخاذل وقلة الحيلة ولحالة الانسداد القائم بشأن المصالحة. وحدة وطنية شاملة في القدس هي مطلب الساعة ومن شأنها أن تكون عنوان المرحلة، تبدأ في القدس أولاً ويلحق بها الباقون. القدس بحاجة إلى عمل وليس إلى حلقات ندب لحالها وأحوالها. د. جمال زحالقة القدس العربي


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني