PCP

يا عمال العالم اتحدوا

السلام الاقتصادي

السلام الاقتصادي عندما وقف نتنياهو ليدشن مرحلته ، بطرح شعار ـ بدا غريبا في حينه ـ استبعد فيه كل الحلول السابقة ، واستبدلها بحل واحد وحيد ـ هو حل السلام الاقتصادي مع الفلسطينيين ـ فإنه في الواقع لم يأت بشيء جديد ، الجديد فقط وحده المسمى "المصطلح"، أما جوهر الحل فهو هو هو فتقرير "هارفرد" عام 1991 والذي بموجبه بدأت مسيرة السلام في الشرق الأوسط كان ولا يزال هو الأساس لكل عملية السلام الجارية ، وكما هو معروف ، فقد شارك في صياغة هذا التقرير لجان مثلت كل من : إسرائيل ، وفلسطين ، والأردن ، ومصر ، وبإشراف دولي وبصمات أمريكية. من اطلع على التقرير في حينه ، ويتابع اليوم مجريات الأمور ، يرى بأم عينه بنود هذا التقرير ـ كلها اقتصادية ـ تطبق بندا بندا ، ومع احترامنا لكل أعضاء اللجان ـ العربية والفلسطينية ـ التي شاركت في عملية صياغة ذلك التقرير ، إلا أن الذاكرة تعيدنا قسرا لمناخات وأجواء ومدخلات ومخرجات مباحثات ومفاوضات الهدنة عام 1948 تلك التي كانت ولا تزال أساس نكبة الفلسطينيين ، المهم هنا هو التأكيد على أن طرح نتنياهو هذا ليس بالجديد ولا هو بالغريب من وجهة النظر الإسرائيلية ، وربما الدولية وبالتأكيد العربية أيضا والفلسطينية المتغابية ـ فهو بالنسبة للجانب الإسرائيلي على وجه التحديد يمثل رؤية واقعية ، وتجربة أثبتت نجاحها على أرض الواقع . وسواء تبناها نتنياهو أو غيره فهي في النهاية خطة تحقق بها إسرائيل أهدافها القريبة والبعيدة ، ( هيمنة كاملة وتحكم أبدي على أي منتج تفاوضي سواء كان دولة واحدة أو دولتين ) ففي الواقع الملموس اكتشف كل قادة الكيان الصهيوني ، أن الثوابت الفلسطينية ومن بعدها العربية تتآكل يوما بعد يوم تحت ضغط وإغراءات المادة ، فالبندقية التي كانت في صدر العدو انكفأت لتصبح في صدر الأخ ، وشعار تحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر ، تقلص إلى حكم ذاتي محدود على جزء متواضع من أراضي الـ 67 ، والثورة حتى النصر أصبحت ثورة حتى القبر ، مع أننا كشيوعيين لم نكن نشاطر ثوريي تلك الحقبة كل شعاراتهم ، إلا أننا لا نزال نتمسك بإصرار بثابت حق تقرير المصير ضمن الدولة الحرة السيدة المستقلة بحدود عام 1967 بعاصمتها القدس العربية وحق العودة والتعويض ونؤمن ونتمسك بحق شعبنا في المقاومة بكافة أشكالها وأصنافها لحين تحقيق تلك الثوابت. نعود لخطة سلام نتنياهو القديمة الجديدة ، القديمة بتاريخها الذي يعود لعام 1991 ، وبكل تجلياتها على الأرض منذ غزة ـ أريحا أولا حتى يومنا هذا. فمنذ ذلك التاريخ وخطة هذا النوع من السلام هو اختراق للمشروع الوطني التحرري عن طريق صرف اهتمام قطاع واسع من جماهير شعبنا عن قضيتهم الأساسية وهي تصفية آثار العدوان ، وتوجيهه نحو الاهتمام بقضايا معاشية تطورت تحت ذريعة رفع المعاناة إلى قضايا ترف ورفاهية وثروة صرفت ذهن الشارع لمسائل جعلت لها الأولوية على حساب القضية الأساسية فعلى حساب قضية التحرير والحرية والكرامة والعزة ، تحول المزاج في غالبية الشارع الفلسطيني إلى مزاج (حفلات ، رحلات ، أعراس ومفرقعات ، وفرق رقص وغناء ، وسيارات فارهة ، وثروات تكدس في بعض الجيوب مزاج شبه عام ينم عن تطبيع محلي ، وانكفاء شعور التناقض مع الاحتلال) كل ذلك يتوج بصراع دموي على سلطة شكلية باهتة متهافتة ينتقص العدو من قدرها يوما بعد يوم . ومشاريع إذلال وأموال من دول مانحة ، تباع وتشرى بها ذمم أفراد ومؤسسات وعشائر وعائلات ، تحت مسمى مساعدات حولت شعبنا من شعب مقاوم لشعب متسول ، وجيش جرار من الموظفين همهم الوحيد مع نهاية كل شهر الراتب ولا شيء غير الراتب ، ومجاميع من المعوقين والأرامل والمعوزين والعاطلين عن العمل وكلهم ينتظرون في طوابير طويلة ، سلال غذائية أو منح شهرية (فتات) أو فرص عمل (بطالة) هذا هو السلام الاقتصادي الذي جربه العدو وتلمس فوائده تماما كما جرب أسلحته الفتاكة في قطاع غزة ، فجاء نتنياهو ليرسخه ويستكمل باقي حلقاته. روى أحد الأصدقاء أن زوجة قريب له مغترب (وهي هولندية) شاهدت مدعوا غريبا في إحدى الأعراس ، فسألت عنه فقيل لها أنه "يهودي" صعقت المرأة وقفز لذهنها ذلك المحتل النازي لبلدها ، فقالت بعصبية واضحة : كيف تسمحون لأحدكم أن يدعوا محتلا؟ في بلدي "هولندا" أيام الاحتلال النازي كنا تحلق رأس كل من يحتك بأي محتل ونطوف به الشوارع مصفدا ليغمره المارة ببصاقهم . هذه المرأة لم تدنسها أموال محتل ، ولم تغيرها منح مانحين ، ولا خرب عقيدتها ألاعيب ألـ "NGOS " ولا مشاريعهم الاستعمارية المشبوهة . ولم تقع في مصيدة السلام الاقتصادي هذه المصيدة الخبيثة التي نصبها لنا المحتل أولا، وتواطأ معه المجتمع الدولي (عرب وغير عرب) ثانيا ، وسهل ويسر لشعبنا الوقوع في الفخ زعامات انتهازية رجعية مفَرطة لم تنبس ببنت شفة عندما أطلق نتنياهو خطته القديمة الجديدة تمشيا مع قاعدة السكوت في معرض الحاجة بيان ، وبشكل أوضح السكوت علامة الرضا. بقلم الرفيق عمر الدجاني (عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الفلسطيني) مجلة الوطن (المجلة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني)


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني