PCP

يا عمال العالم اتحدوا

غيفارا بعد انتصار الثورة... مرحلة الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي

غيفارا بعد انتصار الثورة... مرحلة الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي في 18 نيسان 1959، قام صحافيان صينييان وهما كونغ ماي وبينغ آن بمقابلة مع قائد ثورة كوبا التشي إرنستو غيفارا في منزله، وكان ذلك بعد 108 أيام من انتصار الثورة. قامت حينها إذاعة الصين وهيئة أخبار الصين في لندن بنشر ملخص سريع للمقابلة، إلا أن صحف بكين الثلاثة الرئيسية لم تنشرها، وتكفّلت صحيفة "تشيه-شيه" (معارف العالم)، وهي صحيفة من الصف الثاني وأقل شهرة، بنشر المقابلة كاملة في عدد الخامس من حزيران 1959. هذه المقابلة لم تظهر في كوبا، وهي لم تُترجَم من الصينية إلى أي لغة أخرى، بما فيهم العربية، لذا كانت بمثابة رسالة سرية تم تجاهلها، إلى أن نشر أ. راتليف المقابلة كاملة عام 1966 بعدما ترجمها للإنجليزية." - الصحفي: هل لك أن تخبرنا كيف حصدت كوبا إنتصارها الثوري؟ تشي: لنبدأ من اللحظة التي انضممتُ فيها لحركة السادس والعشرين من يوليو في المكسيك. قبل الرحلة الخطيرة على متن اليخت جرانما، آراء أعضاء الحركة حول المجتمع كانت مختلفة جداً. وأذكر، خلال نقاش صريح داخل أسرتنا في المكسيك، سألت أن نقترج برنامجاً لثورة الشعب الكوبي. ولا أستطيع أن أنسى كيف أن أحد المشاركين في الهجوم على معسكر جيش مونكادا قال: "عملنا بسيط جداً، ما نريد فعله هو الشروع في الانقلاب. باتيستا حقق انقلاباً وفي يومٍ واحد وتولى الحكومة. علينا القيام بانقلاب مضاد لطرده من السلطة. باتيستا قدم مئة تنازل للأمريكيين، ونحن سنقدّم مئة وواحد." حينها اختلفت معه بالرأي بعدما قال أن ما سنفعله هو انقلاب على أساس المبدأ ولكن في الوقت نفسه علينا ان نفهم تماماً ما الذي سنقوم به بعد تولّينا الحكومة. وكان هذا تفكير عضو في المرحلة الأولى من حركة 26 يوليو، وهؤلاء – من امتلكوا نفس التفكير – تخلّوا عن الحركة الثورية لاحقاً واتخذوا طريقاً آخر. ومنذ ذلك الحين، المنظمة الصغيرة التي ابحرت على متن جرانما واجهت صعوبات متكررة. وإلى جانب القمع من جانب السلطات المكسيكية، كان هناك أيضاً سلسلة من المشاكل الداخلية، كأولئك الذين كانوا في البداية جزءاً من المغامرة ومن ثمّ انفصلوا عنّا. أخيراً، حين حان الوقت للتقدم نحو الجرانما، لم يتبقى سِوى 82 رجلاً في المنظمة. عانينا من عدة ضربات إلى أن تجمعنا في سييرا مايسترا حيث قضينا شهوراً بين الجبال الصعبة. انتقلنا من جبلٍ إلى آخر، واجهنا كل الصعوبات، ودون قطرة ماء، حتى أن فكرة البقاء على قيد الحياة كانت صعبة للغاية. بدأت تتغير مواقف الفلاحين الذين يعانون من اضطهاد باتيستا تجاهنا. فروا إلينا للمشاركة في حرب العصابات. وبعد أن انخرط الفلاحون في الكفاح المسلح من أجل حرية الإنسان والعدالة الاجتماعية، كان علينا طرح شعار جديد، إصلاح الأراضي. وهو الشعار الذي حشد الجماهير المقهورة في كوبا على التقدم والقتال للاستيلاء على الأرض. من هنا تأسست خطتنا الاجتماعية الكبيرة، وتحولت فيما بعد لتكون رأس الحربة الأساسية لحركتنا. حينها وقعت المأساة في سانتياغو، رفيقنا وقائدنا فرانك بايس قُتل. كانت هذه الحادثة نقطة تحوّل، فشعب سانتياغو الغاضب تدفق إلى الشوارع ودعا لاول اضراب عام ذو توجه سياسي. رغم أن هذا الاضراب كان بلا قائد، إلا أنه شلّ مقاطعة أوريينتي برمّتها. قمعت الحكومة الديكتاتورية الاضراب. وما حدث جعلنا نتأكد من أن مشاركة الطبقة العاملة في النضال من أجل تحقيق الحرية كان ضرورياً للغاية. ثم بدأنا عملنا السري في صفوف العمال وذلك استعداداً لاضراب عام آخر، ولمساعدة الجيش الثائر بالاستيلاء على الحكومة. النشاطات السرية الجريئة والفعالة هزت البلاد بأسرها، هذا أدى إلى تكاتف الصفوف بين الناس للقيام باضراب عام في التاسع من نيسان من العام الماضي. فشل الاضراب بسبب عدم وجود اتصال بين القادة والجماهير العاملة. إلا أن التجربة قدّمت لقادة حركة 26 يوليو حقيقة قيّمة: الثورة لا يجب أن تنتمي إلى زمرة معينة، لا بدّ أن يقوم بها الشعب الكوبي بأسره. وهذا ما ألهم أعضاء الحركة على بذل المزيد من الجهد، في السهول والجبال. حينها بدأنا بتثقيف قواتنا على النطرية الثورية. كل هذا بيّن أن حركة التمرّد قد نمت وكانت بداية لتحقيق النضج السياسي، وبدأ كل فردٍ في الجيش الثائر على جبال سييرا مايسترا العمل على الواجبات الأساسية، تحسين وضع الفلاحين، وبناء المدارس، كما أن القانون الزراعي قد حوكم للمرة الأولى باستخدام أسالسيب ثورية قامت بمصادرة ممتلكات واسعة من المسؤولين في الحكومة الديكتاتورية وتوزيعها على جميع الفلاحين، فتطورت حركة الفلاحين لإصلاح الأراضي. - الصحفي: ما هي الصعوبات التي تواجهها الثورة الكوبية اليوم؟ وما هي مسؤولياتها الحالية؟ تشي: الصعوبة الأولى هي أنه لدينا اجراءات جديدة يجب أن تشارك تلك الاجراءات القديمة الموجودة في المؤسسات. كوبا المعادية للشعب ونظام الجيش دُمّرا بالفعل، ولكن النظام الاجتماعي والاقتصادي الديكتاتوري لم يُلغى بعد. من أجل حماية ثمار انتصار الثورة ومن أجل الإبقاء على تطوّر لا يتوقّف لها، علينا باتخاذ خطوة أخرى إلى الامام في عملنا على تصحيح وتقوية الحكومة. ثانياً، ما تسلّمته الحكومة كان فوضى ما بعدها فوضى. عندما فرّ باتيستا، نظّف الخزينة الوطنية، مما ترك صعوبات كبيرة في التمويل الوطني. ثالثاً، يتحكم بنسبة كبيرة من الأرض الكوبية اللاتيفوندا، وفي الوقت عينه هناك نسبة كبيرة من الناس دون عمل. رابعاً، لا يزال هناك تمييز عنصري في مجتمعنا وهذا لا يدعم الجهود المبذلة لتحقيق الوحدة الداخلية للشعب. خامساً، إيجار المنازل في كوبا هو من الأعلى في العالم، حيث أن الأسرة قد تدفع ثلث دخلها للإيجار. كخلاصة، إن إصلاح أسس الاقتصاد لدى المجتمع الكوبي صعب جداً وسوف يستغرق وقتاً طويلاً. ولنشر الديمقراطية في المجتمع، اتخذت الحكومة الجديدة العديد من التدابير الايجابية، فقد بذلنا جهداً كبيراً لاستعادة الاقتصاد الوطني. على سبيل المثال، وضعت الحكومة قانوناً يخفّض الإيجارات بنسبة خمسين بالمئة. وبالأمس صدر قانوناً ينظم الشواطئ ومن خلاله ألغيت الامتيازات لعدد صغير من الناس الذين يحتلون الارض والبحر. أهم ما في الأمر هو قانون الإصلاح الزراعي، وسنقوم بتأسيس المعهد الوطني للإصلاح الزراعي لأن أرضنا تعتبر من الأكثر تقدماً في أمريكا اللاتينية. - الصحفي: كيف يمكن لكوبا أن تناضل ضد الرجعية المحلية والاجنبية؟ وما هي التوقعات للثورة؟ تشي: الثورة الكوبية ليست ثورة طبقية، إنها حركة تحرر أطاحت بدكتاتوري استبدادي. الثورة الكوبية هي ثورة كرهت الدعم الأمريكي لحكومة باتيستا حتى انتفض عليه الثوار وأطاحوا به. الحكومة الثورية تحظى بتأييد واسع من جميع طبقات الشعب، ذلك لأنّ تدابيرها الاقتصادية تهتمّ بمتطلبات الجميع ووتسعى وراء تحسين معيشتهم. العدو الوحيد المتبقي في هذا البلد هو اللاتيفوندا البرجوازية الرجعية، فهم يعارضون الاصلاح الزراعي الذي يتعارض مع مصالحهم الخاصة. هذه القوى الرجعية الداخلية، بمساندة الاستفزازات الصادرة من القوات الرجعية الاجنبية، ستستمر في مهاجمة الحكومة الثورية. أعداء الثورة الكوبية في الخارج هم الرأسماليين الممثلين بوزارة خارجية الولايات المتحدة. النصر والتنمية المستمرة للثورة الكوبية يسببان الهلع لهؤلاء الناس، فهم لا يقبلون الهزيمة ويبذلون كل ما بوسعهم للحفاظ على سيطرتهم على الحكومة الكوبية وعلى كفاح الشعب في بلدان أخرى في أمريكا اللاتينية. ثورتنا باتت مثالاً لكل بلد في أمريكا اللاتينية. أثبتنا أنه يمكن للانتفاضة أن تبدأ وحتى بمجموعة صغيرة من الرجال المتسلحين بالإرادة، إلا أنه من الضروري الحصول على دعم الناس، وفي نهاية المطاف ستُهزم جيوش الحكومة. ومن الضروري أيضاً إجراء اصلاح للأراضي، وعلى إخواننا في الدول الأمركية اللاتينية استعياب هذه التجربة، فهم في نفس المرحلة معنا على الصعيدين الاقتصادي والزراعي. وهناك إشارات واضحة عند أعداءنا للتدخل في كوبا وتدمير ثورتها من خلال اسلوبهم القديم عبر بروباغاندا واسعة النطاق تبدأ بالهجوم السياسي مدعية أن الشعب الكوبي يعارض الشيوعية. هؤلاء القادة أتباع الديمقراطية المزيفة يقولون أنهم لم يسمحوا بقيام دولة شيوعية على ساحلها. وفي الوقت نفسه يكثفون هجومهم الاقتصادي ليدفعوا كوبا للوقوع بالمصاعب الاقتصادية. ولاحقاً سيبحثون عن ذريعة لخلق نوع من الخلاف، ثم سيستعينون ببعض المنظمات الدولية التي يسيطرون عليها ليتدخلوا ضد الشعب الكوبي. لا نخاف من هجوم بعض البلدان الديكتاتورية الصغيرة المجاورة، ولكن من البلدان التي تستخدم المنظمات الدولية بشكلٍ معين لخلق ذريعة للتدخل وتقويص الثورة الكوبية. ملاحظة: الإصلاح الزراعي، الذي تحدّث عنه غيفارا، أصبح قانوناً في 17 أيار 1959، أي في الفترة الفاصلة بين المقابلة ونشرها في الصين. محمود وهبي


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني