PCP

يا عمال العالم اتحدوا

التطبيع مع إسرائيل وحجة البليدة

التطبيع مع إسرائيل وحجة البليدة يروج التطبيعيون مع العدو الصهيوني بين فترة وأخرى حججاً بليدة لتبرير تورطهم في علاقات تعاون وتنسيق - سري أو علني - تعتمد في مجملها على مقولة ساذجة، مستنسخة من دعوى أكثر سذاجة أطلقها الرئيس المصري الراحل أنور السادات لتحطيم ما أسماه بالحاجز النفسي الذي يفصل العرب عن الصهاينة، زاعماً أنه بتحطيم هذا الحاجز سيتحقق حلم السلام المستحيل، بصرف النظر عن استعادة الحقوق العربية المغتصبة أو تحرير كل الأراضي المحتلة بعد 5 يونيو 1967. مقولة تحطيم الحاجز النفسي كمبرر للتطبيع فضلاً عن اختزالها الصراع العربي الصهيوني، وهو اختزال مخل وخاطئ، تجعل العمل السياسي والثقافي والإعلامي منوطاً بأطباء وخبراء التحليل النفسي، وتنقل الصراع من ساحاته الواقعية إلى خلف جدران المصحات النفسية ومراكز العلاج والتأهيل العصبي والنفسي، وهو ما فعله فعلاً أحد الأطباء النفسيين المقربين جداً من السادات والذي ربطته به فيما بعد علاقة مصاهرة لم تدم. وبعد نحو 25 عاماً من إطلاق السادات لأول معاهدة صلح عربية مع "إسرائيل"، وما تضمنته من بروتوكولات تعاون وتطبيع ثقافي وعلمي وإعلامي، وبعد تعثر كل تلك البروتوكولات رسمياً وشعبياً بفضل المقاومة الشعبية للتطبيع مع "إسرائيل"، يتجدد الحديث عن التطبيع كوسيلة لدفع عملية التسوية مع الشعب الفلسطيني، ولتسهيل الوساطة بين القيادة الفلسطينية المحاصرة مع شعبها تحت حصار عسكري احتلالي خانق. ومع الحكومة الإسرائيلية التي حددت هدفها في تجريد الفلسطينيين من أدنى مكسب حصلوا عليه عبر اتفاقيتي أوسلو 1 - 2 وواي بلانتيشن، وفرض واقع جديد يصادر على حلم الدولة، ويطمس معالم القدس العربية ويعمق تهويدها للأبد. أصحاب الحجة الأخيرة للتطبيع مع "إسرائيل" يخادعون أنفسهم، أو واهمون منساقون خلف وهم زائف لتبرير خرق واضح على الأقل لما يعتبر إجماعاً عربياً على غلق مسار التطبيع إلى ما بعد تحقق السلام الشامل والعادل وتحرير كل الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس والجولان، وفقاً لقرارات القمم العربية بعد فاجعة «الهرولة» الشهيرة. ويتهرب أصحاب هذه الحجة البليدة من طرح تساؤل: كيف يسهم تطوير علاقات تعاون مع "إسرائيل" في كبح جماح جرائم جيشها الذي ينفذ مخططاً صهيونياً شاملاً في عدوانه على الشعب الفلسطيني، لا يقف عند حد الاغتيالات وعمليات تصفية قيادات المقاومة، ولا يكتفي بحصار ياسر عرفات الرئيس الفلسطيني، ومحاولات تقويض قيادته المنتخبة من الشعب، عبر الإقصاء والإبعاد، أو غل يده بفرض إملاءات وأشخاص بعينهم يتم تجريبهم كأدوات بشكل دوري. ويتناسى أصحاب هذه الحجة البليدة، أن الولايات المتحدة بوصفها الطرف الدولي الأوحد صاحب التأثير الفعال على "إسرائيل"، حددت سقفاً لتدخلات أي طرف آخر سواء كان إقليمياً أو دولياً، ينحصر فقط في مساعدة "إسرائيل" للقضاء على المقاومة الفلسطينية، وضمان أمنها وعدم تعرضها لهجمات فلسطينية انتقامية من جرائم الجيش الإسرائيلي. بلادة حجج التطبيع جوهرها واحد وإن تعددت مظاهرها، وتنوعت وتباينت ما بين ما هو رسمي وما هو شعبي أو غير حكومي، لأن فعل التطبيع في حد ذاته مغاير للواقع، ومخالف لمقتضيات وقوانين الصراع العربي الصهيوني، وسبل تسويته التاريخية، وفوق كل شيء هو أشبه بالقفز في الفراغ، أو بما فعلته النعامة عندما راحت تشتري لنفسها قرنين فعادت بلا أذنين!! في بداية انطلاق مشروع اختراق المجتمع العربي تحت مسمى التطبيع الخادع وكانت البداية في مصر، تعثرت قاطرة التطبيع أمام حائط مقاومة شعبية طبيعية تعبر عن أحد أهم أوجه الصراع مع العدو الصهيوني وسجله الإرهابي ضد شعبنا العربي، ومشروعه المناقض للمصالح العربية، وكانت أبرز علامة على فشل مخطط التطبيع ما فعله الشهيد سعد حلاوة يوم رفع علم "إسرائيل" على أول سفارة للكيان الصهيوني بالقاهرة، وما جسده المثقفون والشارع المصري من مقاطعات شاملة لأجنحة "إسرائيل" في معارض القاهرة للكتاب وغيرها. في بداية مقاومة التطبيع مع "إسرائيل" كانت مصر الرسمية أيام السادات تعتبره عملاً عدائياً يهدد العلاقات مع دولة صديقة، وهي التهمة التي وجهت إلى كامل زهيري نقيب الصحفيين الذي قاد مع نفر من الكتاب والصحفيين مقاطعة الجناح الإسرائيلي في أول معرض للكتاب، واحترقت التهمة أو اختفت بعد أن تبين أن المقاطعة أو مقاومة التطبيع ليست خياراً حزبياً أو عملاً من أعمال القلة بل هي تعبير عن الرأي العام السائد. على أن مروجي التطبيع - وهم الحمد لله قلة - تكاد تكون منبوذة في الوسط الإعلامي والسياسي والثقافي، لا يتوقفون واحداً تلو الآخر عن تكرار تلك الحجج البليدة لتبرير عملهم، وهي أنهم يبحثون عن معرفة أوسع بـ"إسرائيل" والتعرف على مشاكل الفلسطينيين على أرض الواقع، وتشجيع كتلة السلام الإسرائيلية وإطلاق حوار معها لدعم الشعب الفلسطيني. المثير للدهشة أن مطلقي هذه الحجج البليدة - بدون استثناء - ليس لأي منهم سابق اهتمام بقضية فلسطين سواء على مستوى الاهتمام الإعلامي والثقافي أو على مستوى النشاط السياسي، وأحد أبرز تلك الأسماء التطبيعية كاتب مسرحي مصري ارتبط باليسار في الستينيات، ودانت له الشهرة عبر مسرحية كوميدية تجارية في السبعينيات وتوقف عن الكتابة المسرحية نهائياً ليظهر فجأة في ساحة التطبيع مع "إسرائيل" وعاد بكتاب «رحلتي إلى "إسرائيل"»، والآخر رئيس تحرير لم تنزلق قدمه أبداً طيلة مسيرته الصحفية لساحة الصراع العربي الصهيوني، حتى ظهر فجأة في "إسرائيل". ومع التسليم بالحجج البليدة للتطبيعيين فإنهم لم يقدموا ما يشفع لهم ويثبت صحة دعواهم، فعلى صعيد المعرفة بـ"إسرائيل" من الداخل، جاءت كتاباتهم سطحية ولم تقترب أبداً من اختراق «شرنقة» الأدلجة الصهيونية واطروحاتها الجديدة، لا لشيء إلا لافتقارهم لحصيلة معرفية، فضلاً عن كون دعواهم مجرد غطاء تبريري لا أكثر ولا أقل. أما الاجتهاد الحقيقي في التعرف على تحولات وتطورات المجتمع الإسرائيلي والأفكار الصهيونية الجديدة فقد جاءت من مثقفين مقاومين للتطبيع كرسوا حياتهم للعلم كسلاح نضالي وليس كمبرر وهمي للتطبيع مثلما فعل الدكتور عبد الوهاب المسيري وأمثاله سيد زهران


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني