PCP

يا عمال العالم اتحدوا

جورجيا: ذبلت الورود… فانفض رفاق ساكاشفيلي

جورجيا: ذبلت الورود… فانفض رفاق ساكاشفيلي الأزمة السياسية التي تشهدها جورجيا هذه الأيام، تثير جملة تساؤلات حول مستقبل "الثورة الوردية"، التي بدا وكأن لونها قد فقد رونقه، منذ أن غرق قادتها في صراع حاد على السلطة، بلغ ذروته في أعقاب الهزيمة المذلة التي منيت بها هذه الجمهورية السوفياتية السابقة أمام "الدب الروسي" في أوسيتيا الجنوبية في صيف العام 2008. هكذا، يبدو أن لعنة الإطاحة بالرؤساء، التي طبعت الحياة السياسية في جورجيا، قد بدأت تطارد ميخائيل ساكاشفيلي، السياسي الطموح الموالي للغرب، الذي نجح منذ قرابة ست أعوام في إزاحة غريمه ادوارد شيفرنادزه، الرئيس الذي كان قد أطاح بدوره بزافياد غامسخورديا، أول رئيس منتخب بعد الاستقلال، وذلك في انقلاب أعقب الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد في أوائل التسعينيات. وإذا كان ذلك الانقلاب الشعبي، الذي أوصل ساكاشفيلي إلى السلطة في العام 2003، قد عكس قطعاً نهائياً مع الحقبة السوفياتية، وتحولاً جذرياً باتجاه الغرب، فإنّ المراقبين يجمعون على أن ما يحدث اليوم ليس انقلاباً جديداً بل مجرد صراع على السلطة من داخل "الثورة الوردية" ذاتها، وهذا ما تعكسه التوجهات الرئيسية للقوى المنضوية في الائتلاف المعارض الذي يقود الشارع لإسقاط الرئيس. ويضم هذا الائتلاف 13 حزباً، تشكل خليطاً بين قوى كانت منذ ست سنوات العمود الفقري لـ"الثورة الوردية"، مثل "الحزب الجمهوري"، وأخرى التحقت بالثورة بعد انتصارها، مثل "حزب الحرية"، إلى جانب أحزاب أخرى كانت قد فضلت في الماضي أن تنأى بنفسها عن "الورديين"، كما هو الحال بالنسبة لـ"حزب الحقوق الجديدة". ويعد "التحالف من أجل جورجيا" رأس حربة المعارضة في معركتها لإسقاط الرئيس الحالي، وهو تكتل معارض أنشئ بمبادرة من ايراكلي الاسانيا، المبعوث الجورجي السابق لدى الأمم المتحدة، الذي كان استقال من منصبه بعد أيام من مغامرة ساكاشفيلي الفاشلة في أوسيتيا الجنوبية. وقد تمكن الاسانيا من جمع متناقضين في تحالفه هذا: "الحزب الجمهوري" بزعامة دافيت يوسوباشفيلي، وكان أحد أذرع ساكاشفيلي في حملة الاحتجاجات الشعبية ضد شيفرنادزه، و"حزب الحقوق الجديدة" المحافظ بزعامة دافيد غامكريليدزه، الذي أحجم عن الانضمام إلى "الورديين"، فقط لاقتناعه بأنّ استخدام الشارع لتغيير الحكومات أمر غير دستوري. إلى جانب هؤلاء، يقف تكتل يعرف باسم "المعارضة الموحدة" ويضم "حزب المحافظين" بزعامة زفياد دزيدزيغوي، الحليف الأوثق لساكاشفيلي حتى العام 2004، و"حزب الشعب" بزعامة كوبا دافيتاشفيلي، و"الحركة من أجل جورجيا الموحدة" الموالية لوزير الدفاع السابق ايراكلي أوكرواشفيلي الذي اختلف مع ساكاشفيلي لينتهي به الأمر في المنفى الفرنسي. ويخوض العديد من حلفاء الرئيس السابقين أيضاً المعركة ضده. ومن أبرز هؤلاء وزيرة الخارجية السابقة سالومي زورابيشفيلي عن "حزب الطريق"، والرئيسة السابقة للبرلمان نينو بوردجاناندزه، عن حزب "الحركة الديموقراطية-جورجيا الموحدة"، والمرشح السابق لانتخابات الرئاسة ليفان غاتشيتشيلادزه، الذي كان فضل أن ينشق عن "حزب الحقوق الجديدة" على أن يفوّت على نفسه فرصة حمل الورود إلى جانب ساكاشفيلي، بالإضافة إلى "حزب الحرية"، الذي يتزعمه كنستانتين غامسخورديا، نجل الرئيس الذي أطاحه شيفرنادزه. وإذا كان الجامع بين تلك القوى المعارضة، هو التقارب مع الغرب والاتفاق على ضرورة انضمام جورجيا إلى حلف شمال الأطلسي، فإنّها تواجه في المقابل معضلة الافتقاد إلى القيادة السياسية الموحدة، وعدم وضوح الرؤيا في مقاربة المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الجورجيون. وعلى مستوى العلاقات مع الجار الروسي، لا تبدو المعارضة متحمسة إلى مصالحة سياسية تعالج تداعيات الحرب في أوسيتيا الجنوبية، فالمسألة بالنسبة لها مجرّد تقديم الرئيس كبش فداء، بما يضمن حفظ ماء وجه "الثورة الوردية" أمام القوى الداعمة لها غربياً، خصوصاً بعدما أدى النزاع الأخير إلى تأجيل انضمام جورجيا إلى حلف "الناتو". وتتفاوت توجهات قادة المعارضة في هذا الشأن، بين مُطالب بتطبيع العلاقات مع موسكو، بشرط موافقة الأخيرة على خيارات جورجيا الغربية، وبين من كان شريكاً لساكاشفيلي في توتير هذه العلاقات، ولعل أبرز هؤلاء ايراكلي أوكرواشفيلي الذي اعترف مؤخراً بأنه خطط والرئيس لاجتياح أوسيتيا الجنوبية في العام 2006. ونادراً ما يخرج أقطاب المعارضة بمواقف تناقض في جوهرها مبادئ السياسة الاقتصادية التي اعتمدها ساكاشفيلي، باستثناء بعض الخطابات، التي لا تتعدى أهدافها تجييش الرأي العام في المعركة، في حين لا تعدو الانتقادات الموجهة للرئيس في ما يتعلق بالفساد كونها شكل من أشكال الصراع على "قالب الجبنة"، خصوصاً بالنسبة لعدد لا بأس به من القادة المعارضين من أولئك الذين يتحكمون بالمفاصل الاقتصادية في البلاد. وفيما يراهن ساكاشفيلي على نقاط الضعف تلك في برنامج المعارضة، فإنّ الطامحين لإسقاطه يراهنون بدورهم على خطأ قاتل يرتكبه الرئيس، على غرار ما حدث في تشرين الثاني 2007، حين أعلن حال الطوارئ في البلاد وأمر بإخماد الاحتجاجات الشعبية، مفسحاً المجال أمام انتخابات مبكرة، يرى خبراء أنها في حال أجريت اليوم فإن نتائجها ستكون لصالح المعارضة. آخرون يرون أن التغيير السياسي، في دولة كجورجيا، لن يأتي من الداخل، وهم يعتقدون أن مصير ساكاشفيلي يكمن في يد البيت الأبيض، خاصة أنّ الأميركيين يحكمون السيطرة على كل مفاصل القوة الضاربة للرئيس: السياسة الخارجية، الاقتصاد، والعسكر. وسام متى "السفير"


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني