PCP

يا عمال العالم اتحدوا

'شرم الشيخ' والإعمار المسموم وبدء المحرقة السياسية!

'شرم الشيخ' والإعمار المسموم وبدء المحرقة السياسية! ليس مستغربا أن يشهد منتجع 'شرم الشيخ' ذلك الحشد لملوك ورؤساء دول وحكومات وممثلي أكثر من سبعين دولة يبحثون في شأن 'إعمار' غزة.. واعتدنا على بؤس هذا المكان وما يرمز إليه وما يخرج منه.. لم ينتج عنه ما يبشر بخير أو يبعث على تفاؤل، والذين ذهبوا حماسا لـ'الإعمار' كان أولى بهم منع المحرقة وعدم المشاركة فيها أو التشجيع عليها.. ولن نتوقف كثيرا أمام التصريحات التي قيلت والكلمات التي ألقيت في الحشد.. والأهم منها التصريحات التي صدرت قبله.. كشفت الهدف منه وحملت معنى المصادرة على فكرة 'الإعمار' ذاتها. كلها صبت في معنى واحد هو استئناف المحرقة بشكل جديد وأساليب مستحدثة، فضلا عن أن هذا الحشد كان في جانب منه عملا من أعمال العلاقات العامة والتظاهر، في محاولة لرد الاعتبار للنظام المصري الذي أجهزت المحرقة على ما تبقى منه، إن كان قد تبقى منه شيء. واتاح الحشد فرصة لاتصالات جانبية استهدفت تطويق الحراك الذي تفجر كرد فعل على المحرقة وإضعاف تماسك مؤيدي وأنصار المقاومة. والتصريحات التي صدرت عن واشنطن ولندن ورام الله (باعتبارها عاصمة أبو مازن، على غرار شرم الشيخ العاصمة الخاصة لحسني مبارك)!! كشفت عن نية الحشد وغرضه وهدفه.. أعلنت واشنطن شرطها، على لسان وزيرة خارجيتها عشية الحشد، وهو ألا يكون لحماس نصيب في أموال 'الإعمار'، إلا إذا اعترفت بالدولة الصهيونية. وفي لندن سبق وزير خارجيتها الاجتماع طالبا منع 'عبور' السلاح إلى غزة لكي يكون للقطاع نصيب في أموال المانحين.. أما محمود عباس (أبو مازن) أعلن حزمة كاملة من المطالب، قبل وصوله إلى المنتجع البائس، وتتلخص في إقرار حماس ومعها المقاومة بالاتفاقات والقبول بالالتزامات والمواثيق الموقعة من 'السلطة'، وكذلك ما صدر عن 'الشرعية الدولية'. ودون ذلك، حسب ما جاء على لسانه، لن يكون لحماس والمقاومة نصيب في فطيرة 'إعمار' بدت مسمومة قبل طهيها.. وتوالت التصريحات أثناء جلسات الحشد وبعده. ونتوقف هنا لحظة أمام الرهان على 'الشرعية الدولية'، التي بدت مساندة الدولة للصهيونية باسم حق الدفاع عن النفس، كحق مزيف أصبح حكرا عليها وحدها، وليس لأحد سواها. هذه الشرعية منحت دولا عظمى حق إبادة الآخرين واحتلال أراضيهم، بدعوى نشر 'الديمقراطية' وتقديم 'العون الإنساني'.. كانت الغارات العسكرية وهي تدك أفغانستان مع بداية الغزو في 2002 مصحوبة بـ'غارات إنسانية' يقوم فيها الطيران الحربي بإلقاء الغذاء على قرى مدمرة وسكان يلملمون أشلاء أهاليهم ويبحثون عن جثث شهدائهم ويضمدون جراح ذويهم.. غارات تبيد وتحرق وتدمر وأخرى ترمي بأكياس الطعام البرتقالية!!.. نهج جديد أخذ به التحالف الغربي وهو يستأنف غزواته وحملاته الاستعمارية العنصرية.. فقد تحرر من كوابح منعته من ذلك ردحا من الزمن، وكان لها تأثيرها إبان الحرب الباردة، وسنوات المد الوطني والقومي والتحرري، ووجود الكتلة الشيوعية المناوئة، وحجم ضغط الدول غير المنحازة.. غياب كل هذا أزاح القناع عن وجه التحالف الغربي فظهر قبيحا وشيطانيا، وتكشف لنا أن الوطن العربي والعالم الإسلامي هو الأكثر استهدافا منه، بما حفل من استبداد وفساد وتبعية وتجويع واعتماد حكامه على الشقاق والتناحر والفتنة، واعتمادا على ما فيه من مخزون للطاقة يذهب ريعه للاحتكارات الغربية، بجانب أن الوطن العربي تحديدا اختير مجالا حيويا وتوسعيا للمشروع الصهيوني، منذ بذرته الأولى في القرن التاسع عشر. مع بداية 'القرن الأمريكي الجديد' وجد الأجواء مشحونة بتأصيل الصدام مع الحضارات والثقافات غير الغربية وغير الصهيونية.. وبدأ الزحف بالحروب الأهلية والغزو والاحتلال والمحارق.. أفغانستان.. العراق.. السودان.. لبنان.. فلسطين، وقبل هؤلاء كانت الصومال ومنطقة القرن الافريقي. وعلينا أن نتذكر تصريح كولن باول، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق قبيل غزو الغراق.. وعد فيه بتغيير عدد من النظم العربية والإسلامية في غضون سنوات قليلة. وكان يعني سورية والخليج والسعودية وإيران إنتهاء بمصر!! وهل هناك من فطن إلى أن ما أعاق هذا الاكتساح المخطط هو المقاومة.. في العراق ولبنان وفلسطين؟، لذا فإن أصحاب العروش والكروش والعمائم والعباءات والطرابيش والسراويل يدينون بوجودهم لها.. يستمتعون باستبدادهم وفسادهم وتبعيتهم ووحشيتهم وجهالتهم.. ولولاها ما تحملهم التحالف الغربي ولا صبرت عليهم الآلة العسكرية الصهيونية، ولانضموا إلى جماعات وقوى ومنظمات ودول ساعدته وهبت لنصرة الغرب وشاركت في هزيمة السوفييت لحسابه.. المقاومة وأنصارها تمكنوا من ذلك بالعزيمة والوعي وبالتواصل، الذي لعب فيه التقدم الألكتروني دورا بارزا، وبتأثير البث الفضائي، وإفلاس حكام شاخوا وتعفنوا على مقاعدهم وفوق جماجم شعوبهم، مع ما جرى للشارع العربي والإسلامي من نهوض، وما حدث للرأي العام الغربي من يقظة ضمير، لم تصب بعد منظومته الحاكمة، بجانب استعادة دول مؤثرة لعافيتها بعد كبوة لم تدم طويلا، ورهان دول أخرى عليها. تلك بعض المعطيات التاريخية والراهنة المحيطة بحشد 'شرم الشيخ' .. حابله ونابله.. المصهين والمعتدل.. المتردد والممانع. العاجز والناجز. كلهم تحت قبة 'الإعمار' المشروط والمسموم، ومنهم من حضر وهو يعلم أنه ذاهب إلى 'زفة كدابة'، كما نقول في مصر. وعلى يقين أن المطلوب ليس 'إعمارا' إنما محرقة سياسية تصل ما انقطع بتوقف المحرقة العسكرية، وإحكام الحصار وفرض التجويع. وحشد شرم الشيخ أدخل المحرقة السياسية إلى حيز التنفيذ، ورائده تجارب إعمار سبقت. فالمليارات التي رصدت لإعمار العراق نهبتها الشركات الأمريكية والغربية والصهيونية وشركات الحكام والمتعاونين مع قوات الغزو والاحتلال، وإعمار أفغانستان تلاشى تحت وطأة الفساد والتبعية. وانتهى برواج زراعة الأفيون وعادت أفغانستان المصدّر الأول له في العالم، ودارفور غزتها جيوش جرارة من 'المنظمات الإنسانية'.. لم يكن أغلبها مبرأً من بذر الفتنة وتأجيج الصراع والتحريض على الاقتتال، وتقاريرها هي التي حولت الرئيس السوداني للمحكمة الجنائية الدولية، بينما يكافئ حشد شرم الشيخ الدولة الصهيونية باسم 'الإعمار'. ولا ننسى أن غزة مبتلاة برئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.. مفوض للجنة الرباعية، وهو المنحاز للمشروع الصهيوني حتى النخاع.. وسيط يفتقد النزاهة والمصداقية، ولا يمكن أن تصب جهوده في مصلحة الشعب الفلسطيني أو لصالح 'إعمار غزة'.. إنه بلير صاحب الكذبة الكبرى حول خطر العراق، وقصة الـ45 دقيقة.. المقدرة لوصول الصواريخ العراقية إلى أهدافها الغربية والصهيونية، وبدلا من محاسبته والنظر في تجريم تصرفاته كوفئ 'منتدبا' على فلسطين. ولن يختلف دوره عما فعل بالعراق، بجانب أن 'الإعمار' الموعود يبدأ وبنيامين نتنياهو يقف على أعتاب رئاسة الوزراء في تل أبيب، وهو صاحب مبدأ غياب 'الشريك الفلسطيني' ليبقى متحررا من الضغوط ويبتعد عن الدخول في 'العملية السلمية'.. هذا يعني أن الأسابيع والشهور المقبلة ستشهد حروبا ومحارق تتغطى بمفاوضات عبثية، تشارك فيها السلطة، ويتوسط لها حسني مبارك، ويرعاها ساركوزي، ويباركها بلير، ويروج لها الاتحاد الأوروبي، وتتحمس لها ميركل، وقد يستضيفها أوباما.. دوران معهود في حلقات المراوغة المفرغة، من أجل مزيد من المستوطنات وقضم للأرض وتجريف للمزارع وإبادة للبشر. والتعرف على إدارة عملية 'الإعمار' يؤكد ما نتوقعه، وما يمكن أن يحدث. فقبل التفكير والإعداد لهذا الحشد، كشفت مصادر صهيونية ما ستكون عليه إدارة 'الإعمار'. ذكر تسيفي يرئيل في صحيفة هآرتس في 19/1/2009 أن حسني مبارك مُنح حق احتكار معالجة المشكلة الفلسطينية بعد أن شلت يد الأردن.. وغاب الاتصال المباشر مع سورية. وفشل الجهود التركية السورية في إيجاد بديل للمبادرة المصرية. وهي جهود أفشلها حسني مبارك، حسب رأي الكاتب. وقد اعتبرت قطر باقترابها من المحور السوري التركي طرفا لا يوثق به. واستقر على أن 'إعمار غزة' جزء لا يتجزأ من ساحة الصراع هذه. فمن رغب في التبرع عليه المرور عبر القاهرة أو رام الله'، ورأى أن مبارك غامر بحصوله على لقب 'حارس الحدود الإسرائيلية'، وتأتي التطورات لتثبت تأييد الدول المانحة للدولة الصهيونية. وحين تعلن الإدارة الأمريكية التبرع بـ900 مليون دولار.. رصدت ثلثيها لتعزيز السلطة الفلسطينية وحكومة سلام فياض والثلث الباقي للإعمار. فقد وضعت بذلك قاعدة لتوزيع أنصبة باقي المتبرعين.. وقد نبهت صحيفة هآرتس في عدد الثلاثاء الماضي إلى 'أن التسعمئة مليون دولار الموعودة في شرم الشيخ جزء من المساهمة الأمريكية الثابتة لدعم الدولة الصهيونية. على الرغم من كونها قوة احتلال ملزمة بضمان سلامة ورعاية المواطنين والسكان الخاضعين لاحتلالها. وحين تُلحق الضرر بهؤلاء تسارع الولايات المتحدة ودول أخرى وتعوضها عما لحق بها من خسارة'.. ولفتت الصحيفة النظر إلى 'أن إدارات كلينتون - بوش - أوباما حذفت مصطلح 'الاحتلال الاسرائيلي' من قاموسها وشجعت الدولة الصهيونية على التنصل من التزاماتها المنصوص عليها في القانون الدولي. والمليارات التي تحصل عليها من الولايات المتحدة تصرف على السلاح والتطور العسكري ولها إسهام كبير في دمار غزة. والإداراة الأمريكية اعتادت الاستجابة للدعاية الصهيونية، وقبلت تصوير الأمر وكأن أنفاق رفح وصواريخ جراد تهديد استراتيجي ضدها (تل أبيب)، بجانب اعتبارها المقاومة جزءا من الإرهاب الإسلامي العالمي على النظم المتحضرة. وكشفت الصحيفة الغرض من تضخيم الغرب لقوة حماس العسكرية، وذلك لفرض حصار طويل حول غزة وتأييد ثلاثة أسابيع من العربدة العسكرية، على حد قولها. وانتهت إلى أن الدولة الفلسطينية لم تقم رغم مرور 16 عاما على اتفاق أوسلو.. والحديث عن الدولتين بدأ مصاحبا للجرافات والتوسع في الاستيطان لكي لا تقوم هذه الدولة الموعودة!!. 'هكذا يمكن فهم مواصلة تلك الدولة (أمريكا) إغداق مئات الملايين من الدولارات على إطفاء حرائق تشعلها هذه السياسة دون محاولة التصدي لمصدر النار ذاته'. وفي النهاية فلن يكون لغزة نصيب حقيقي من 'الإعمار إلا إذا رضخت حماس وأسقطت خيار المقاومة. ومصدرالقلق هو الوقوع تحت تأثير غواية المال. الذاهب إلى جيوب حفنة من السماسرة والمسؤولين الذين يتعيشون على إنشاء وتأهيل قوات أمن لها القدرة الفائقة على القمع ومواجهة 'الإرهاب'.. أي قتال المقاومة.. فهل يستطيع معسكر الممانعة، الذي أثبت وجوده في قمة الدوحة، حل هذه المعضلة والتصدي لطبخة 'الإعمار' المسموم؟.. ننتظر ونرى. محمد عبد الحكم دياب ' كاتب من مصر يقيم في لندن(القدس العربي)


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني