PCP

يا عمال العالم اتحدوا

قمة العشرين: مصالح عالمية لـ « طبقة عالمية »

قمة العشرين: مصالح عالمية لـ « طبقة عالمية » لقاءات حذرة، اختبار نوايا، واختبار قوة، واضطرار للتماثل، ومزاعم بالثقة المتبادلة والتنسيق والأخطر تمثيل الغائبين. هذا ما يثيره انعقاد مؤتمر العشرين للوهلة الأولى. والأهم من العدد تمثيل هؤلاء ل 85% من الإنتاج الإجمالي العالمي. أما دافع اللقاء فهو الأزمة المالية التي لم يجرؤ أحد على تحديد وضع سيناريو للمنحى الذي سوف تتخذه بعد. لكن قراءة أولية لمحتوى البيان الصادر عن القمة، يؤكد أن هذه الدول ما تزال تتحرك على نفس المقعد المرن الذي تديره أفقيا لحل الأزمة، أزمتها، ولم تحركه قط إلى الأدنى، باتجاه الطبقات الشعبية داخل المركز الرأسمالي، فما بالك بالطبقات الشعبية في المحيط نفسه. هذا ناهيك عن، بل وربما لأن يد الولايات المتحدة وإن تراخت قليلاً، لكنها ما تزال اليد الأقوى، وهذا له مسببات أميركية وغير أميركية وله بالطبع ما بعده. رغبات الأطراف وخاصة الجديدة هناك أمور تجمع المؤتمرين وأخريات تباعد ما بينهم. يجمعهم القلق من الأزمة، ويجمعهم التراجع النسبي عن عدم التضبيط، وإعادة دور ما للدولة، وتشديد قوانين الرقابة على المضاربات المالية وخاصة على الصناديق التي لم تتقيد بقوانين، ولم تقيدها قوانين. وصحيح كذلك أن هذا كله يقلق الأغنياء عموماً. لكن هذا لا يعني أن لا صراع واختلاف في وجهات النظر وتحديداً في المصالح. فقد أثبتت تطورات الأزمة أن دولة واحدة لا يمكنها قيادة العالم اقتصادياً، (أي دولة قومية لقيادة عالم متعدد القوميات) وهذا ما حال دون تحول الولايات المتحدة إلى إمبراطورية، واضطرارها لإزاحة مقعدها من المقدمة لتستوي إلى جانب أوروبا واليابان، فلا تعود حساباتها أمرية وقطعية على دول المركز على الأقل. وهو ما أرغم دول المركز أو السبع الكبرى والغنية على إزاحة مقاعدها لتتوازى مع مقاعد البلدان الطالعة قطبيا، روسيا والصين والهند والبرازيل. هذه الدول تحديداً التي طرحت في لقاء البرازيل مطالب محددة إلى درجة ما. ولم يكن لإزاحة المقاعد إلى الخلف هذا أن يكون تواضعاً، وإنما مصلحة وبرجماتية، هذا دون أن نتجاهل بأن المقاعد المتوازية لا تعني القيم والمكانات المتساوية! صحيح ان القلق من الأزمة يجمع المشاركين، وصحيح أن روسيا والهند والصين والبرازيل طالبت ب: اعادة تمكين الاقتصاد الفعلي من الحصول على الائتمان وتحفيز الطلب وإتاحة تداول رأس المال. وهي أمور كان القرار فيها لصندوق النقد الدولي الذي تقوده أميركا وأوروبا، وبالتالي تتحكمان بأين وكيف يقدم التسهيلات. إلا أن هذه المطالب ما تزال ضمن دائرة النظام العالمي بأسسه الحالية. قانون القيمة الوطني ولكن، هل سبب هذه المرونة هي الأزمة الحالية، هل المسألة مجرد شعور أميركي ومن ثم أوروبي ياباني بالذنب، أم الأمر متعلق بما بعد الأزمة؟ فهذه الدول الأربع تضم تحت إمرتها قرابة نصف سكان المعمورة، وهذا النصف هو قوة استهلاك حتى ولو بدرجة أقل بكثير من المستهلك الأميركي، أي مقارنة الفرد بالفرد. لذا، كان لا بد من نزول عند بعض مطالبها وإن اتخذت هذه المطالب ومن ثم النزول درجة عالية من الاحتواء. في مؤتمر ساو باولو قال وزير المالية البرازيلي: "لم يعد منتدى السبعة لهم وحدهم". وهذا حديث لا ينم عن محاولة الخروج الكلي عن دائرة النظام بل عن تحسين المقعد فيه كمطلب برازيلي، وقبول أميركي بذلك كجزء من قدرة الرأسمالية على ( الانطعاج التكيف) وقت الأزمة كي تمر، وكي لا تنكسر في نفس الوقت. تؤكد مدارس التنمية الجذرية، وأطروحة التنمية بالحماية الشعبية أن الدول كبيرة العدد تتمتع بسوق وطني واسع يسمح لها باعتماد قانون قيمة وطني للسلع والخدمات يُبقي على سوقها حية، ويحميها من الاضطرار لنزف الكثير من ثرواتها بالاستيراد من الخارج، وبالتالي تتمكن من استقلال نسبي أو الفكاك عن قانون القيمة العالمي الذي يتحدد في السوق الدولي مقوداً بمنظومة الأسعار في الدول الرأسمالية المتقدمة. وهذا ما يخيف المركز الثلاثي الرأسمالي (الولايات المتحدة وأوروبا واليابان). وعليه، فلكي ينشط السوق الدولي لا بد من إرضاء هذه الدول كي تُبقي أسواقها مفتوحة. تكمن أهمية هذا الأمر في الأزمة السابقة على الأزمة الحالية، وهي الأزمة في جانب العرض Supply-side Crisis التي عانت منها دول المركز الثلاثي منذ 1968، وهي متسببة بشكل أساسي من هذه الدول الطالعة التي ألقت إلى السوق العالمي بكمٍّ ضخم من الإنتاج، والذي لم يتمكن الاستهلاك العالمي من ابتلاعه. وربما من هنا نفهم الاهتمام الأميركي، أو السبق السريع الأميركي لاحتلال العراق وللإصرار على الحصة الكبرى من السوق العربي نفطا واستهلاكاً لأن فيه سيولة مالية، أي قدرة استهلاك. هذا علماً بأن زيادة الإنتاج العالمي، أي العرض، له علاقة مباشرة بتصدير رأس المال العامل الإنتاجي إلى بلدان المحيط حيث الأجور الهزيلة، وما تلاه من تصدير رأس المال الأجنبي المباشر الذي سمح بتحويل الفوائض من المحيط إلى المركز على شكل أموال كسولة انتهت إلى إعطاء قروض غير مدعومة وساهمت في تفجير الفقاعة. إذا كان هناك نظاماً عالمياً، بمعنى نظام "لكل العالم" ، فالمفروض تصدير الفوائض إلى المحيط واستثمارها هناك وبقاء فوائضها هناك للتطوير وهذا لم يحصل. وهذا يفتح على انقسام العالم إلى مركز ومحيط يحكمهما قانون الاستقطاب. وهذا يعيدنا إلى أطروحة التراخي بمعنى، لو كان هناك سوقا عربية واحدة إضافة إلى السيولة المالية المتوفرة، واتساع السوق، لقفز العرب إلى قوة كبرى عالمية وبجدارة! لكن هذا، وعلى ضوء طبيعة الأنظمة العربية ليس إلا حلماً وعواطف قومية جميلة لكنها حلماً. حرية الدول في التحالف أم برجماتيتها! تقول النظرية الكلاسيكية في الاقتصاد بحرية المستهلك في الاختيار. فهل يمكننا توسيع هذا على الدول بأسرها؟ ولِمَ لا؟ فالدولة تمثل طبقة وتقود الطبقات الأخرى، وبالتالي فهي تختار علاقاتها طبقا لمصالحها، ولكن في حدود قوتها وضعفها، أي في حدود تبعية الدولة أو استقلاليتها وكل هذا منوط بدرجة كبيرة بقوتها الاقتصادية. لذا، هناك تقاطعات لهذه الدول الأربع المذكورة، فلكل دولة تقاطعاتها مع دول أخرى في المركز. فروسيا معنية بعلاقات قوية مع أوروبا التي هي بعلاقات شراكة رأسمالية وثقافية قوية مع أميركا، إلا أنها بحاجة لروسيا لا سيما فيما يخص النفط. هذا ناهيك أن محاولات أوروبا التوسع على حساب روسيا في أوروبا الشرقية محمية بالقوة العسكرية الأميركية. ومن جهتها تحتفظ الصين بعلاقات تجارية قوية مع أميركا، وإن كانت قوتها الاقتصادية الطالعة تفضل التركيز مع روسيا وأوروبا. كيف يمكن حل هذه التشابكات أو الاصطلاح على درجة معينة من البرجماتية? هل يتم هذا بتوسيع دائرة قيادة العالم الاقتصادية؟ وهل تسمح الدول المستنفذة في قيادة العالم بذلك بإشراك آخرين معها؟ هذا هو السؤال الحساس، وهو الذي يحظى بإجابة نصفها نعم، بمعنى أن تراخي قبضة المركز تعني توفير مرونة للآخرين، لكنها حتى الآن مرونة الاحتواء إلى درجة ملموسة. فبعد صدور بيان المؤتمر بيوم واحد، بدأ الإعلام الغربي وخاصة الأميركي بتسريب معلومات عن الجو الداخلي للمؤتمر. فقد وصفت الآسوشيتدبرس الوضع المالي العالمي بأنه مبنى متداخل ومعتمد على بعضه البعض". وتضيف"...كان واضحا أن الرؤساء ورؤساء الوزارات قرروا ضبط ألسنتهم عن الحديث عن أي عدم اتفاق فيما يخص الأزمة الجارية او ما يخص اتفاق المساومة والتنازلات الذي عقدوه. وهذا على الرغم من حقيقة أن خطة العمل كانت تميل في أحيان عدة لصالح الولايات المتحدة ولا سيما في زيادة عدم الرقابة وحوافز السوق الحر، التي يفضل الاتحاد الأوروبي مقابلها زيادة التضبيط. ما الذي يجمع المؤتمرين...طبقة عالمية ولكن علينا التنبه إلى ان الدول الأربع الجديدة، بل مختلف الدول الجديدة ليست يوتوبيات اقتصادية/اجتماعية. ففي هذه الدول ليس فقط أكثرية سكان العالم بل أكثرية فقرائه أيضا. ومن هنا قوة وضعف هذه الدول في نفس الوقت. صحيح أن لديها قدرة استهلاكية، ومؤهلات لتبني قانون قيمة وطني أو محلي، لكن هذا القانون يتطلب انزياحاً عن الرأسمالية، وهو ما لا تريده حكوماتها. وهي مصدر إغراء للمركز الثلاثي لأن هذه الأعداد الهائلة من الفلاحين في الصين والهند، والعمالة الماهرة في الدول الأربع جاهزة لتحمل اشد أنواع الاستغلال في العمل، وهو ما يبذل فائض قيمة هائل. وهو ما تتفق عليه المجموعتين، دول المركز الثلاثي ودول المركز الجديد. وهذا يعني أن تحالفاً طبقيا هو الذي شد هاتين المجموعتين إلى بعضهما. وخلاف ذلك، فإن حربا اقتصادية عالمية سوف تحصل بين الدول القومية بمعنى تفكيك القطاع العام المعولم بدل التشارك فيه، وهذا أمر ليس في مصلحة الأنظمة أو تحالف الطبقة الرأسمالية العالمية كما لم تصل الطبقات الشعبية في العالم إلى النضال من أجله بعد في تحالف طبقي مقابل. يفتح لنا هذا على مسألة الهيمنة و/أو السيطرة على المجتمع المدني، ويعيدنا إلى قراءة مجددة لنظرية غرامشي في هذا المستوى. ففي بلدان المركز، من الواضح أن هيمنة إيديولوجيا رأس المال تحول بوضوح دون أي حراك طبقي من الطبقات المتضررة والخاضعة لاستغلال عميق ولكنه مغطى. ففي حين يفقد الملايين في أميركا مصادر دخلهم ومنازلهم ومدخراتهم، لا يتم حراكاً في الشارع ضد النظام. وأكثر ما قاموا به هو انتخاب اوباما. لذا تقوم الدولة هناك بإدارة الأزمة فيما يخص مصالح الطبقة أو حتى النخبة المالكة الحاكمة. هذا التمثل واستدخال إيديولوجيا رأس المال والملكية الخاصة من جهة، وقبول الحرمان منها لدى الطبقات الشعبية من جهة ثانية، في أميركا وعلى الصعيد العالمي تنبئ بأن الهيمنة مستقرة ومرتاحة بعد. ويؤكد أن المجتمع المدني محكوم ومصاغ على هيئة هيمنة رأس المال. هذا رغم ان صدمة الأزمة أعادت إلى الواجهة دور الاقتصاد السياسي في مواجهة الزعم بأولوية وقيادوية الثقافة والإيديولوجيا. ولكن الصدمة ليست كافية بعد كي تقلب جدل الصراع ليقف على قدميه إذ ما زال على رأسه. أما السيطرة والقمع، فهي مدخرة في أيدي الطبقات الحاكمة لحين اللزوم، فهي التي استخدمت في سياتل في أميركا قبل أكثر من عشر سنوات، وهي التي تستخدم في مصر على مدار اللحظة. إن المجتمع السياسي ما زال مرتاحاً. لذا، جاءت مقررات اجتماع العشرين أقل من التوقعات، جاءت محذرة بشكل لا مباشر من دور أعلى للدولة القومية، فهي تعلم أن الركود يمس الجميع وإن بدرجات . فقد بدأت أميركا سنتها المالية بعجز 237.2 مليار دولار وكانت في أكتوبر 2007 فقط 56.84 مليارا. حتى الصين هبط النمو فيها إلى 8.2 وهو الأول منذ أكتوبر 2001، وقررت استراليا منع البيع السريع المكشوف من قبل الصناديق التي تبيع حصصا ليست لها ولم تقترضها حيث تبيعها من اجل أن تشتريها سريعا بخصم. وأعطيت البنوك تمويلا لتعود للإقراض. ويعاني الاقتصاد الألماني من ركود والبريطاني من بطالة...الخ. وبدوره فالركود يقلل الطلب على النفط . أما ما يعادل هذا فإن الحماية تقلل الطلب على منتجات المركز؟ فمن يفعل؟ ولا سيما على الصعيد العربي؟ لا أحد. فمقررات العشرين تؤكد على منع الحماية، وقصة الحماية تطول كتلاعب رأسمالي منذ أيام ريكاردو وحتى أوباما. تقول منظمة الدول الصناعية المتقدمة: إن الركود سوف يستمر حتى 2010، وأن الانتعاش سيبدأ مع منتصف 2009، ولكن قبل هذا سيواجه اقتصاد الولايات المتحدة انكماشا ب 2,8% في الربع الأخير لهذا العام، ألمانيا الربع الأخير0.5% منذ خمس سنوات ، ولكن من يدري إن كان ذلك الانتعاش المتوقع مضمون الحصول! إلا أن الأهم من هذا كله أن هذه المنظمة الممثلة ل 30 دولة حذرت من أية خطوة تقود للانحراف عن المنافسة أو انفتاح الأسواق. فهي قلقة من الحديث عن التضبيط والإشراف وتقول يجب العودة عن التفكير فيها؟ أي لا مجال لإعطاء الدولة القومية فرصة الحماية. والمشكلة هنا من الذي يقول بهذا؟ هي الطبقات الحاكمة/المالكة على صعيد عالمي. وهذا يؤكد أن الرأسمالية، وخاصة الأميركية، ليست تحت ضغط قوي. وأنها في فرصة أو فسحة التجريب دون قلق من الشارع. عندما تتحدث هذه الدولة عن انخفاض في هذا الربع أو ذاك ثم ارتفاع بعد عام ثم انتكاسة ضئيلة...الخ هي تتحدث عن أرقام، ولا تسمح بترجمة الأرقام إلى بشر، إلى مئات ملايين الناس المصابين. هذه آلية السوق التي تتحدث عن النسب والأرقام دون أن تكشف أن ورائها ضحايا، وهذا هو التلاعب الذي يلتحم بالإيديولوجيا. بكلمة أخرى، فإن منظمة التعاون والتنمية تدعو للإنفاق الحكومي وتخفيض الضرائب وتصر على بقاء المنافسة (أي عدم الحماية) وتصر على الانفتاح، السوقي للتجارة وهذا يعني أساسا استمرار سرقة المحيط. وحتى المساعدات لصندوق النقد الدولي التي طلبتها أميركا من الصين والتي تعهدت اليابان بدفع (106 مليار دولار) وطلب براون من الدول النفطية تقديم تريليون ونصف دولار من أجله بزعم دعم دول المحيط، هي في الحقيقة مثابة إقراض للمحيط كي يظل قادرا على الاستيراد مما يمكنه من دفع الديون القديمة والغرق في أخرى جديدة. كل شيء للمركز مضمونا فلا بد من تسيير المزرعة. هذا ناهيك عن أن الإقراض هو أيضا تلاعبي لأنه منحاز للدول التي تخدم إستراتيجية الهيمنة الغربية على المحيط. ولكن إذا قررت دولة في المحيط تقليص الاستيراد فلا بد أن يقود هذا إلى الاضطرار التنموي في المحيط. فهل هناك من فرصة لدول المحيط كي تقلل الاستيراد.؟ وهل هناك قرار سياسي من أجل هذا؟ وحتى لو حصل، فهي ستقبل دول المركز بذلك؟ وعليه، لماذا لا يكون قبول تقديم مقاعد الدول الأربع الجديدة مثابة احتواء لها كي لا تخرج من تحت العباءة، ولو جزئياً؟ فطالما لا يمكن للمركز أن يسكت على أي خروج من تحت العباءة، وطالما أن حربا مع مثل هذه الدول ليست ممكنة ولا حلاً، فلماذا لا تكون المرونة؟ وهي معهودة في تاريخ الرأسمالية. على أن هذه المرونة ليست تماماً نظرا لكون عامودها الفقري مرناً ومطواعاً، بل لأن خصومها ما زالوا ضعفاء وغير جذريين. هل يمكن للمركز أن يفرض عقوبات على بلد يقلل الاستيراد؟ هذا أمر صعب، لا سيما بعد الأزمة الأخيرة، فهو عاجز بعد عن فرض مقاطعة على إيران بتهمة محاولة تصنيع سلاح نووي، فما بالك ببناء اقتصاد؟ الاتفاق المعلن "اتفق العشرون على خطة عمل لإصلاح النظام المالي ووعدوا بالعمل معا لاستعادة النمو العالمي على أن يختبروا ذلك في 31 آذار للعام 2009، ويراجعوه مرة أخرى في أواخر نيسان لنفس العام". والسؤال: ما هو النمو العالمي؟ هل هناك نموا عالمياً أم لكل نموه؟ أم هناك حقا نمو للمركز المتسع ونمو للمحيط؟ هذا الخطاب الجماعي لا يخفي التفاوتات بين الدول، ولكنه أتى كذلك كي يقلل من محاولات أية دولة في العالم وخاصة خارج المركز من التفكير في تطبيق سياسة وطنية أو قومية تركز أكثر على الذات،وتقلل من الانفتاح الاقتصادي. وهذا يعني أن مصالح الطبقات الحاكمة ما تزال متشابكة، ولا بد لها من حماية جماعية ومن هنا جاء الحديث عن "نمو عالمي"، وهو حديث لا يستقيم لولا أن هناك ملامح لطبقة عالمية، هي في السلطة على الأقل، وإن كانت لم تنتقل إلى سلطة واحدة. كما اتفقوا على "تضبيط أسواق المال التي فاقمت المشكلة، وتدعيم شفافية أسواق المشتقات التي غالباً ما يحيطها الضباب " .وهذا مثابة توجيه اللوم المباشر للولايات المتحدة التي عبر عدم التضبيط خُلقت فيها قيماً هائلة لأصول اقل بكثير من تلك القيم. "كما سيقيموا آليات الحسابات والحاجات المالية للمؤسسات المالية الدولية. وسيضعوا قائمة بالمؤسسات المالية التي سيهدد انهيارها بأزمة مالية عالمية". وهذا يؤكد مرة أخرى أن العلاج هو للنخبة العليا بعيداً عن الشارع. فالصحة المالية للمؤسسات المالية الحالية، وصحتها في المستقبل هي الأساس وليس معاناة مئات الملايين المتضررين بدرجات متفاوتة جراء الأزمة. ومما يوضح الصورة أكثر أنهم "...وقد أكدوا أن هذه البلدان رفضت الحماية وأعلنت التزامها بمبادئ السوق الحر. وان هذا لا بد كي ينجح أن يلتزم بحكم القانون، واحترام الملكية الخاصة، والانفتاح التجاري، والاستثمار وتنافس الأسواق والنجاعة ونظام مالي مضبط وفعال". وهذا بيت القصيد، أي الإبقاء على أسس النظام العالمي الحالي كما هي مع عودة بسيطة لرقابة "بعض النخب المالية المنفلتة". أما معذبو الأرض بمليارات الناس، فليسوا في الحسبان، بمعنى، ما هو اثر تواصل فتح الأسواق عالمياً، ليس في الاستهلاك فقط، بل أساسا في الإنتاج، بتشغيل عمالة بلدان المحيط؟ بالأجور الضئيلة، وبشروط العمل المجحفة وبظروف العمل اللاإنسانية؟ وهذا مبرر خروج الشركات بالمصانع إلى المحيط لتعود بالأموال التي أنتجت الفقاعة. و" قال البيان أن التضبيط هو مسألة قومية. إن بعض البلدان تريد دورا لصندوق النقد الدولي أو أداة تضبيط عالمية أخرى... ويجب عدم السماح بعرقلة العبور بين الحدود...وتعهد الصندوق ومنتدى الاستقرار المالي بأن يوجهوا تحذيرا إنذارا مبكرا في حال اقتربت أزمة". وهكذا، يختم المؤتمر بتثبيت أسس النظام نفسه الذي أدخل العالم في الأزمة، ولكن مع بعض الرقابة. إنما رقابة من نفس المؤسسة، الصندوق الدولي الذي لم يعالج أي اقتصاد مريض إلا وأهلكه. ولا أوضح في هذا الصدد من العلاج بالصدمة الذي مورس على روسيا في فترة يلتسين. القطاع العام المعولم، نادي الأغنياء اشرنا في أكثر من مقال وكتاب بأن هناك قطاعاً عاماً معولما تديره الطبقة الرأسمالية في المركز، ويعمل على صعيد عالمي وعلى أساس رأسمالي. وهو قطاع يمتلك ثلاثة جيوش: • الجيش الإعلامي والإيديولوجي الذي يروج للملكية الخاصة وعدم التضبيط والانفتاح وتقليل دور الدولة القومية وإعادة هيكلة الاقتصاد بما يلغي القطاع العام وخصخصة كل شيىء عام حتى الماء. وقد انتشرت هذه الإيديولوجيا لدرجة إن فقراء العالم تبنوها ليصبحوا مثابة "أدوات" إنتاج لصالح رأس المال وليتمثلوا الاستغلال والهيمنة البرجوازية دون ان يُحوجوا الطبقة الحاكمة لاستخدام الجند والشرطة. فأي عالم مؤدب هذا! • والجيش العسكري الذي يستخدمه المركز على صعيد عالمي، روما العصرية لها قواعد في أكثر من 60 دولة، وهي تضرب هنا وهناك، وتقف الدول الأخرى بين مشاركة مصفقة وصامتة كما تقدم الأمم المتحدة غطاء "إنسانياً" لكل هذا. • والجيش الثالث هو جيش رأس المال الذي يدخل إلى مختلف بلدان العالم بعد القصفين، الإعلامي والعسكري منفردين أو مجتمعين. بحصول الأزمة الحالية، وبانضمام الدول الجديدة الأربع روسيا والصين والهند والبرازيل، وغيرها إلى عضوية نادي القطاع العام المعولم، يتبين أن المصالح الطبقية للطبقات الحاكمة تحتم عليها التداعم المتبادل. إنها عالمية الطبقة. وبالتالي، لم تعد هناك عالمية الطبقة الحاكمة/المالكة الأميركية، وإنما العالمية، وإن بقي لأميركا المقعد الأوسع، إنما ليس الوحيد. في ضوء محاولات الترتيب هذه، فإن التقسيم العالمي للعمل سوف يستمر، وسوف يستمر تصدير رأس المال الأجنبي المباشر، وبقاء الشركات الغربية في المحيط، واستمرار حكوماتها في تسهيل عمل هذه الشركات، ولكن ربما يأخذ عمولات أفضل. وهنا نعود إلى الحلقة المفرغة مرة ثانية، عمولات أكثر، لا تنمية حقيقية، فتوجه نحو الفساد، وبالتالي استمرار التخلف. لن تعود الشركات الأجنبية إلى الوطن الأم، ولن يتم تأميمها في المحيط، وبالتالي سوف تستمر الإمبريالية، ولن تعود الرأسمالية إلى حدود الدولة القومية التي بكى عليها هوبسن منذ عام 1895. نعم ما يمضي لا يعود. إن العالم اليوم أمام توسيع منتدى الطبقات الغنية وتشاركها، وإن بنسب متفاوتة في القطاع العام العالمي المعولم. وسيقف هؤلاء جبهة قوية في وجه أية تحولات جذرية على الأساس الشعبي. وحين يصطف الأغنياء ويصرون على إحياء عقيدتهم الاستغلالية، لا بد من دفاع شعبي مضاد، ولا بد من مشروع تعبئة يستغل تراخي قبضة الإمبريالية على الصعيد القومي للدول الفقيرة وعلى الصعيد الفكري للقوى السياسية الثورية وصولا إلى حراك الشارع في البلدان التي ستظهر الأزمة قريباً على جلدها لكي تتمكن من اختيار طريق آخر غير التبعية والرأسمالية. يكفي أن نشير هنا إلى أن البطالة في الوطن العربي تقارب بالمجموع 40%. د.عادل سمارة كنعان


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني