PCP

يا عمال العالم اتحدوا

المؤتمر « ألآسيو ـ أوروبي » إنقاذ لأميركا أم تحضير للبديل الصيني

المؤتمر « ألآسيو ـ أوروبي » إنقاذ لأميركا أم تحضير للبديل الصيني د. عادل سمارة ــ يزداد الإجماع على أن استقرار النظام الرأسمالي يشترط وجود الدولة القومية إلى الدرجة التي اضطر معها الرئيس الأميركي للإقرار بتدخلٍ ما للدولة في الاقتصاد، ويشترط دوراً وحضوراً قويين لها، وهما أمران يعنيان تضبيط الاقتصاد تلافياً لفوضى الإنتاج أكثر مما يعنيان رومانسية قومية، أي يعنيان مصلحة قومية. ذلك أن وجود نظام اقتصادي واحد لم يتمكن في ظل رأس المال من بلورة نظام سياسي واحد. لكن هذا لا يعني الانغلاق القومي لكل دولة/أمة على نفسها، بل ظل يعني وسيبقى تعاون وتحالف واصطفاف أمم مع بعضها البعض تجاه أمم أخرى، كل حسب مصالحه. على هذه الأرضية كان المؤتمر الأخير (يومي 24-25) من أكتوبر 2008 في بكين والذي ضم ممثلي 43 دولة من آسيا وأوروبا لمناقشة الأزمة التمويلية العالمية. من اللافت أن هذا المؤتمر ضم قارتين قديمتين، أي استثنى إفريقيا والعالم الجديد (الأمريكيتين واستراليا)، وهو أمر لا يقوم على تقسيم العالم إلى جديد وقديم، بل يقوم على تشابك أقرب في المصالح بحكم التماس الجغرافي وبالتالي تشابك البنى التحتية وخاصة شبكات النفط، ناهيك عن تماس الأسواق. وإذا ما ذهب هذا الترتيب إلى مدى أبعد، فهو يعني تغيراً هائلاً في علاقات "الحيِّز" على صعيد عالمي. حتى اللحظة، فإن مركز النظام العالمي هو التجمع الثلاثي Triad الأنجلو-سكسوني (أوروبا وأميركا الشمالية) إلى جانب اليابان وهو تجمع يقوم على طبيعة التبادل التجاري الداخلي، وخاصة داخل الطرف الأنجلو ساكسوني نفسه، حيث كان يُنظر إليه ككتلة واحدة لا كطرفين، وتجاوز ذلك التبادل 70 بالمئة من مجمل مبادلاته. ولا شك أن درجة هذا التبادل لم يطرأ عليها تغير حاد في الأشهر القليلة الأخيرة. إنما لماذا تهرول أوروبا نحو آسيا، على غير ما علَّمنا التاريخ الحديث، بل بعكس ما علَّمنا؟ وراثة ما قبل الوفاة فهل يكون التخلي ناعماً ليس من السهل نسخ تجربة انتقال دور المركز من بريطانيا إلى الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الأولى على الانتقال من أميركا إلى الصين، حيث كان ذلك مثابة توريث قام على مصالح متشابكة للطبقة الحاكمة/المالكة، إذ أخلت بريطانيا المسرح للاعب الفتى آنذاك، ولكن بقيت الشركات المختلطة وعابرة القوميات (أو متعدية الجنسيات ومعظم جنسياتها غربية) مشتركة بين الطرفين، وبالعموم بين أميركا وأوروبا. لكن الوراثة الصينية للولايات المتحدة تأخذ هذه المرة بعداً جديداً، وهذا من أعظم متغيرات هذا القرن عن القرن الماضي، بمعنى أن حدود التشارك الأورو-أميركي أعلى من التشارك مع الصين، ولكن الطرفين الأميركي والأوروبي هما بحاجة للصين في هذه اللحظة الحاسمة والقاصمة من التطورات الاقتصادية العالمية. فهل تتسابقان على الدعم الصيني؟ ماذا لدى الصين وماذا تحتاج كل منهما من الصين، وهل ستفي بمطالبهما أم سيتم الإيقاع بها؟ ليس بوسع احد تقديم الإجابات الحاسمة على هذه الأسئلة، ولكن من الواضح أن الصين تمثل اليوم قوة انتاجية ضخمة، وسوق استهلاك واسع، وقوة عمل رخيصة تسمح للإنتاج بقدرة تنافسية كانت هذه القدرة نفسها وراء رحيل كثير من الصناعات الغربية إلى الصين، متخلية عن الارتباط القومي. كل هذا رغم تراجع النمو في الصين إلى قرابة 9% في العام الحالي. بقول آخر، فإن قوة العمل في الصين هي محرك الاقتصاد العالمي، حيث يتسابق/ويتشارك المحلي والأجنبي على اعتصارها! ولدى الصين فوائض مالية هائلة تقدر ب 2 تريليون دولار، وهو الأمر الذي تطمح الولايات المتحدة بتسييله إلى بنوكها كي تتمكن هذه البنوك من استعادة ثقة المقترض الأميركي منها كي تعاود نشاطها الاقتصادي بمعنى كي تعود إلى استغلال السوق وجني الفوائد. ما تريده أميركا حالياً من الصين، هو شراء جزء من الأصول الأميركية، أي أن يقوم الصينيون بتحويل اموالهم إلى هناك. وتهدد أميركا الصين، بأنها إن لم تفعل ذلك، فإن فلوس الصين ستذوب أكثر مع ضعف الدولار، إن هذا التهديد هو مثابة استقواء بالضعف، ففي الحالتين تتعرض الصين لخسارة، إن الأمر إذن هو إما شراء الأصول الأميركية، أي إرجاع الفوائض من حيث أتت، أو ذوبان السيولة. فالصين تمول الآن قسما هائلا من العجز التجاري الأميركي ولكنها تبيع لأميركا في نفس الوقت سلعا استهلاكية كثيرة، وهذا يحافظ على تشغيل العمال الصينيين بتلك الأجور الضئيلة. ويكفي للتدليل على القوة الشرائية الأميركية أن متوسط دخل الفرد في الصين هو 2000 دولار سنوياً بينما هو في الولايات المتحدة 36,000 دولار سنوياً (هذا بالطبع قبيل الأزمة الحالية). في الوقت الذي تواجه الولايات المتحدة ثبات المقاومة العراقية، وتحاول التوصل إلى اتفاق أمني يشرعن بقاء الاحتلال في العراق، تعقد الشركة الوطنية الصينية الكبرى مع العراق صفقة ب 3 بليون دولار للتنقيب عن وتطوير حقول النفط في العراق، حيث كانت هناك اتفاقيات منذ فترة الرئيس صدام حسين بين البلدين (الاسوشيتدبرس 24 ايلول 2008). وسيبدا الحقل الأول بإنتاج 25,000 برميل يومياً ليصل بعد ثلاث سنوات إلى 125,000 برميل يومياً. قُبلات ولكمات لكن العلاقة بين البلدين تأخذ، هذه الفترة تحديداً مرحلة اختبار القوة، دون أن تتخلى الولايات المتحدة عن موقفها العدائي تجاه الصين. ففي الوقت الذي تركت الولايات المتحدة بنك ليهمن براذرز يتهاوى ليكون من بين 16 بنكاً كبيرة تهاوت أمام تسونامي المال، سارعت إلى دعم بنكي فريدي ماك وفاني ماي، لأنهما يحويان نصف الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة التي يصل حجمها الى 600 مليار دولار، كما للصين مبلغ مماثل في سندات الخزينة الاميركية. ولم تكن خشية الولايات المتحدة هي فقط من تردد الصين في إقراضها، بما هي "الملاذ" الإقراضي الوحيد، بل لأن رفض هذا الإقرار سيزيد من قلق المستهلك و/أو المقترض الأميركي وإحجامه عن الاقتراض مما يُضعف عمليتي الإستهلاك والاستثمار معاً. إنما لبنك ليهمن براذرز ذيولاً أخرى، فقد أعلن إفلاسه بعد يوم واحد من تحويل معظم ما لديه إلى إسرائيل. لهذا قصة مالية أخرى، اقلها أن إسرائيل هي الثانية بعد الصين في توفر السيولة المالية، ليس باقتراب الأرقام، ولكن مقارنة مع الحجم السكاني. في هذا الصدد كتب جيم روجرز معلقاً على قيام الحكومة الأميركية بإنقاذ فريدي ماك وفاني ماي:"بأن هذه الخطوة جعلت الولايات المتحدة شيوعية اكثر من الصين... إن هذا تقديم الرفاه للأغنياء...هذه اشتراكية الأغنياء، إنها إنقاذ للمتمولين، للبنوك، لِجماعة وول ستريت". لكن المعلق لم يتنبه إلى الحقيقة التي اشرنا إليها، وهي مصلحة الإدارة الأميركية في مراعاة وممالئة الصين. ولتوضيح أكثر، كان مصدر الأموال، أو تحديداً، مصدر استخدام البنوك لأموال المواطنين الأميركيين هو القطاع العقاري، قاطرة الاقتصاد في العقد الأخير. فحينما كان يشتري مواطن أميركي منزلا ب 300,000 دولار، يبقى البيت باسم البنك لحين التسديد، لكن المواطن يحصل على تسهيلات لشراء سيارة أو الإنفاق على رحلة...الخ بقيمة ما دفعه للبنك مثلا، حين يدفع 50 ألف دولار يعطيه البنك تسهيلات سحب بهذا القدر، فيشعر أنه في وضع مريح. أما حصول الأزمة العقارية، فقد حول المواطن إلى مدين للبنك بكل ما لم يدفعه من ثمن البيت وأبقى البيت لدى البنك الذي اشتراه بسعر بخس. من هنا، تعمل أميركا على الاقتراض من الصين لإسعاف بنوكها كي تتمكن هذه من إعادة تشغيل عملية الإقراض مجدداً. على أن هناك انكساراً في العملية الاقتصادية هذه المرة، لأن ماكينة الإنتاج في مكان وماكينة الاستهلاك في مكان آخر. ففي أوروبا بعد أزمة 1929، كان النهوض من الأزمة ممكناً حينما توفرت السيولة للمشاريع الصناعية التي كانت جاهزة بمعداتها، كما هي السيارة التي تنتظر جالون الوقود، ولذا، تحركت العجلة مجدداً. أما اليوم، فقاعدة الإنتاج الحقيقي متضائلة في الولايات المتحدة، فهي إلى حد كبير في الصين، كما أن السيولة المالية هناك أيضا، مما يعني ان توفر السيولة المالية في أميركا سيعيد تشغيل ماكينة المضاربة وليس الإنتاج، وهو الأمر الذي سيكرر فقاعات أخرى قد تكون القاتلة. كما أن الإدارة في الولايات المتحدة لم تستسلم بعد، فهي تشن حرباً على بعض الشركات الصينية التي تورطت على ما يبدو بإنتاج الحليب المحتوي على الميلامين والذي تناوله قرابة ربع أطفال الصين، آملة من ذلك تقوية موقعها التنافسي ضد الصين رغم الحاجة لها، كما تقوم الولايات المتحدة باستخدام نفوذها على الصندوق الدولي والاتحاد الأوروبي لتوفير مساعدات لجورجيا ب 4,5 بليون دولار، وإلى أوكرانيا ب 15 بليون دولار ومساعدات كذلك للمجر وباكستان اي إلى الدول التي تخدم مصالحها، في الوقت الذي يفقد المواطن الأميركي بيته! هل هو تعفف صيني ولكن، بالمقابل، فإن الصين ليست جاهزة، وربما ليست راغبة في وراثة سريعة للولايات المتحدة. وربما هذان السببان أو أحدهما هو الذي وراء التحرك الصيني الرصين والمتوازن. فقد أشرنا في مقال سابق إلى قول رئيس الوزراء الصيني بأن بلاده معنية بدعم الولايات المتحدة ومعنية باستقرار النظام العالمي الذي إذا ما انهار سوف يضرب الجميع. في هذا الصدد كتب دينج جانج في صحيفة (اورينتال مورنينغ بوست Oriental Morning post 19- ايلول 2008 ) :"من الذي بوسعه حمل العبىء عن الولايات المتحدة التي لم تعد هيمنتها كما كانت ولم تعد قادرة على حمله بعد. هل المطلوب حمل العبىء جماعياً" ورغم مشروعية السؤال، إلا أن الأمر أكثر تعقيداً. فليست الأنظمة في العالم متجانسة إلى هذا الحد، ولا سيما القطبية منها، لكي تتعاون ، ولا تتنافس، لحمل العبىء. ومن يدري، ما الذي يترتب على تطورات الأزمة الحالية، فربما تتغير أنظمة وتتحول عن اقتصاد السوق مما يعيد العالم إلى اصطفاف آخر. لا بل أن التغيرت كانت قد بدأت في أميركا للاتينية، وهي المنطقة التي كانت الولايات المتحدة تأمرها فتطيع عبر دفع زمرة عسكرية للقيام بانقلاب هنا وهناك. كما أن الصندوق الدولي يتخوف من هذه التغيرات مما دفعه للحديث عن دعم بلدان محيط النظام العالمي! لا يبدو ان حلفاء الولايات المتحدة بصدد حمل العبىء، فهم ينزاحون نحو الصين! فهل يقود هذا إلى عالم غير مستقر؟ يُغري هذا السناريو بالقبول. فليست هناك من دولة راغبة في دفع ثمن هيمنتها على العالم، ناهيك عن عدم توفر القدرة لدولة بمفردها. هذا من جهة ومن جهة ثانية، فليس شرطاً ان نضع أنظمة العالم في سلة واحدة. فرغم أن الصين انتهجت طريق الرأسماليين Capitalist Roaders، كما كان ماو تسي تونغ قد حذَّر إلا أن الأمر لم يُحسم بعد في الصين، بمعنى أن الصراع الاجتماعي متواصلا هناك، وإن على نار هادئة، كما هي عادة الصين في كل الأمور. لكن ذلك لم يخلُ من تثاقلات في السوق الصيني، فبما هو نظام عالمي تفتح بواباته على بعضها البعض، لا تنحصر العلاقات بين الحكومات، بل أن علاقات الحكومات هي امتداد للعلاقات الاقتصادية نفسها. فقد بدأت شركات تصدير صينية تتركز في جنوب الصين بإغلاق أبوابها، وخاصة التي تصدر إلى سوق الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الغنية ومنها بشكل خاص صناعات الألعاب التي كات تصدر 100-200 حاوية أسبوعيا حيث تدنت صادراتها إلى النصف. وانعكس هذا في تسريح عمال، وتدني أجور آخرين التي هبطت إلى الربع، وارتفعت بالطبع كلف المعيشة. هذا رغم قيام البنك المركزي بتعديل سعر الفائدة لضمان وجود سيولة مالية في الأسواق. أين تقف أوروبا تقوم أنظمة الاتحاد الأوروبي بحراك واسع هذا اليوم، ما بين القطبين، القديم الأميركي، والجديد الصيني، كما لو كانت بندول الساعة. فدول الاتحاد تشارك الولايات المتحدة مختلف الترتيبات وتتوجه إلى الصين لبناء صمام أمان أورو_آسيوي للاقتصاد العالمي. وفي ضوء هذه التحركات لم يعد واضحاً بعد فيما إذا كانت أوروبا: • تسعى لتكون أو لتظل جسراً بين العالمين القديم والجديد • تسعى لتوريط الصين لضمان الديون الأميركية • أم يساورها قلق أين تنحاز؟ بمقدار ما هي العلاقة والمصالح قوية بين أوروبا والولايات المتحدة، فإن لأوروبا مصلحة مع الصين كقوة طالعة، وهو ما تشي به القوة الاقتصادية للدول التي اجتمعت في بكين حيث تحظى ب 50 % من الإنتاج العالمي. كما أن مخزون النفط العالمي متواجد بمعظمه في هذه الدول، وكذلك الغاز حيث تتوفر في روسيا وقطر وإيران 60 بالمئة من احتياطي العالم من الغاز، ناهيك عن الكتلة البشرية الضخمة لها والتي هي في النهاية سوق. كما أن أوروبا محكومة بعلاقة جيدة مع روسيا بما هي مصدر هام لحاجاتها النفطية ناهيك عن كونها متحكمة بأنابيب النفط والغاز من غير روسيا نفسها. وروسيا نفسها التي وقعت مؤخراً اتفاق مد أنابيب نفط من سيبريا إلى الصين. قد تتضح الرؤية بشكل أفضل في المؤتمر الذي سيعقد في واشنطن مع منتصف الشهر القادم. من المناسب أن نختم بأحدث ما قاله المضارب الكبير جورج شورش:"سيجمع الصينيون مزيدا من أموال العالم لأنهم سيحولون احتياطيهم من الدولار ومن سندات الحكومة الأميركية إلى أصول حقيقية. وهذا سيغير علاقات القوة وبذلك سيتحول ميزان القوة إلى آسيا نتيجة لأخطاء ارتكبتها الولايات المتحدة على مدى 25 عاماً". ولعل هذا ما دفع أوروبا للتوجه لمحاورة الصين؟ كنعان


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني