PCP

يا عمال العالم اتحدوا

أطروحات في بَلشفة الأحزاب الشّيوعيّة الجزء الأول. حول صياغة القضيّة

ترجمة : عبد المطلب العلمي تدقيق وتنسيق : محمد علي العربي 1. قرار المؤتمر العالمي الثّاني حول دور الحزب في الثّورة البروليتاريّة قرارُ المؤتمر العالمي الثّاني في دورالحزب في الثوره البروليتاريه ، المعد بمشاركة الرّفيق لينين المباشرة، يعتبر واحدا من أهم وثائق الأمميّة الشّيوعيّة، ويحتفظ بأهميته إلى الآن. لقد صيغ هذا القرار والأمميّة الشّيوعيّة لا تزال في طور النّشوء، حينها انضمّ إليها عدد من الأحزاب نصف نقابيّة ونصف فوضويّة. ومن جهة أخرى، حدّدت الأمميّة الشّيوعيّة 21 شرطا للعضويّة، وأجرت محادثات مع المستقلين الألمان وأحزاب نصف اشتراكية-ديمقراطيّة قصد ضمّها للأمميّة. لقد رسم هذا القرار الدّور المناط بالحزب في الثّورة البروليتاريّة بشكل عام. في الوقت الحاضر، وقد تكوّنت الأمميّة الشّيوعيّة، وخاضت نضالا مهما ضدّ الانحرافات اليمينيّة واليساريّة المتطرّفة، وتكوّنت أحزابٌ جماهيريّة شيوعيّة وقويت في عدّة بلدان، أصبح من الضّروري صياغة وجهة نظر الأمميّة الشّيوعيّة لا فقط في دور الحزب الشّيوعي في الثّورة البروليتاريّة بوجه عام، بل أيضا في كيفيّة بلوغ أحزابنا أقصى درجات البَلشفة في أقصر وقت ممكن. لا يجب أن ننسى أنّه في سنوات 1919-1920، كان لدينا حزبان شيوعيان في كلّ من ألمانيا وإيطاليا، عضوان في الأمميّة الشّيوعيّة، لكنّهما لم يستطيعا مجابهة المهام التّي ألقاها التّاريخ عليهما، بغضّ النّظر عن النّهوض العفوي الهائل للحركة الجماهيريّة، لأنّهما، بالضّبط، لم يكونا حزبين بُلشفيّين حقّا. 2. تباطؤ وتيرة نمو الثّورة العالميّة وشعار البَلشفة لمّا كنا نقترب من انعقاد مؤتمر الامميه الشيوعيه الثالث كان واضحا أنّنا أمام مرحلة طويلة، بشكل أو بآخر، من تباطؤ نموّ الثّورة العالميّة. وأصبح ذلك أكثر وضوحا عند حلول مؤتمر الأمميه الشيوعيه الخامس. لا تتقلّص أهمّية شعار بَلشفة الأحزاب زمن التّباطؤ طويل الأمد في نمو الثّورة بل تزيد. ليس البُلشفي من ينخرط في الحزب إبّان علوّ الموجة الثّوريّة، بل البُلشفي من يستطيع العمل لسنوات، ولعقود إذا ما تطلّب الأمر، لبناء الحزب البُلشفي. كذلك في سنوات تراجع الموجة الثّوريّة أو تباطؤ النمو الثّوري. لا يعني هذا أنّ الرّفاق الملتحقين بالحزب في مرحلة علوّ الموجة الثّوريّة لا يجب مساواتهم بمن سبقهم في ذلك من الرّفاق. لا يظهر الحزبُ البُلشفي في حدّ ذاته عندما تبلغ الموجة الثّوريّة ذروتها. إذ ينخرط الحزبُ البُلشفي في جميع معارك الطبقة العاملة ويتكوّن في خضم هذا النّضال. تعتقد العناصرُ اليمينيّة والمتذبذبة في الأمميّة الشّيوعيّة ومن حولها أنّه طالما ليس هنالك تسارع في الأحداث الثّوريّة فإنّ شعار بَلشفة الأحزاب غير ملائم وليس راهنا؛ إنّهم لا يفقهون أنّه إذا ما كان هنالك تباطؤ في النمو الثّوري إلّا وظهر، نتيجة لذلك، تتذبذب مواقف بعض فئات البروليتاريا المعروفة وتميل لصالح الاشتراكية الدّيمقراطيّة المعادية للثّورة، من هنا تنبع الضّرورة القصوى لشعار بَلشفة الحزب. لأنّه على الشّيوعيّين، وفي ظلّ مثل تلك الأوضاع، العمل الحثيث لإنشاء معقل ضدّ التّذبذب والحفاظ على أفضل عناصر الطليعة البروليتاريّة والزّيادة تعدادهم في صفوفنا؛ الحفاظ على راية الثّورة البروليتاريّة حتّى يستطيع تجميع النّواة البروليتاريّة في أكثر الأوضاع صعوبة والتّي ستقوم بتحضير الثّورة البروليتاريّة وتنظيمها في ظل أيّة ظروف. يجب أن يكون الحزب الشّيوعي على قدر كاف من المرونة حتّى يستطيع الانتقال إلى الوضع غير القانوني بنظام ودون هلع إذا ما استدعت الظّروف ذلك، وأن لا يتخلّى عن العمل العلني بسهولة، وأن تكون له القدرة على مزج العملين السرّي والعلني، وأن يتمسّك ولو بأضعف إمكانيّة للعمل العلني واستغلالها لكسر حواجز السرّية والوقوف على رأس الحركات الجماهيريّة العلنيّة والتّحضير للثّورة والبقاء على الوفاء للهدف الثّوري الرئيس طول الوقت. تواجه الأحزابُ الشّيوعيّة خطرين رئيسيّين في مثل ذلك الوضع: من جهة، خطر التّحوّل إلى طائفة صغيرة من الشّيوعيّين «النظيفين» حاملي مبادئ «جيّدة»، لكنهم وفي نفس الوقت غير قادرين على الالتحام بالحركة الجماهيريّة العماليّة؛ ومن جهة أخرى، خطر التّحوّل إلى حزب عديم الشّكل نصف اشتراكي-ديمقراطي في حال عدم تمكّنه من المزج بين النّضال في سبيل الهيمنة على الطبقة العاملة والوفاء لمبادئ الشّيوعيّة. القدرة على تجاوز (تسيلا وخاريبد1.) الطائفيّة الضيّقة وانعدام الشّكل ذلك ما تعنيه المساعدة على بَلشفة الحزب. 2. مخاطر الانحرافات اليمينيّة واليساريّة المتطرّفة برز شعار بَلشفة الحزب في خضم النّضال ضدّ الخطر اليميني. فلو أنّ مؤتمر الأمميّة الشّيوعيّة الخامس لم يقف بحزم ضدّ التّحريف الانتهازي لتكتيك الجبهة الموحّدة والحكومة العماليّة لكنا اليوم نواجه خطرا مباشرا لإنبعاثات انتهازيّة في بعض أحزاب الأمميّة الشّيوعيّة. لقد كان شعار مؤتمرالامميه الشيوعيه الثالث، «لنذهب إلى الجماهير!»، صحيحا. لكن طبّق على نحو خاطئ في عدد من البلدان طيلة سنتين، مما أنتج خطرا حقيقيّا تمثّل في استبدال التّكتيك الشّيوعي المستقلّ بسياسة «التّحالف» بين الشّيوعيّين والاشتراكيين-الدّيمقراطيّين المضادّين للثّورة. تعني بَلشفة الحزب، أوّلا وعلى وجه الخصوص، معاداة تلك الانحرافات اليمينيّة، التّي من الممكن أن تدمّر دور الأمميّة الشّيوعيّة التّاريخي. لكن البَلشفة مستحيلة دون نضال ضدّ انحرافات اليسار المتطرّف، والتّي هي غالبا انتهازيّة مقلوبة. في هذه الظّروف، عندما تكون كلّ جهود البرجوازيّة والاشتراكيين الدّيمقراطيّين موجّهة نحو القضاء على «الخطر الشّيوعي» في أوساط الجماهير فإنّ الانحرافات اليساريّة المتطرّفة تساعد، موضوعيّا، هجوم البرجوازيّة الاشتراكية الدّيمقراطيّة. من أخطاء اليسار المتطرّف، على سبيل المثال، ما تعلّق بمشاركة الشّيوعيّين في النقابات الإصلاحيّة والرجعيّة فمن الممكن أن تدمّر الأحزابَ الشّيوعيّة لعدّة سنوات. لقد تكوّنت البُلشفيّة الرّوسيّة أيضا في خضم النّضال ضدّ الانتهازيّة وضدّ «اليسراويّة» الثّوريّة البرجوازيّة الصّغيرة. 3. الأحزاب الشّيوعيّة والأحزاب البُلشفيّة الشّيوعيّة والماركسيّة والبُلشفيّة كلّها، بشكل عام، ذات الشّيء. «الحزب الشّيوعي» أو «الحزب البُلشفي» مفهومان متطابقان. لكنْ من النّاحية العمليّة ليسا دائما ذات الشّيء. لقد طوّرنا بعض فروع الأمميّة الشّيوعيّة الهامّة والبعض الآخر يجب تطويره من الاشتراكية الدّيمقراطيّة اليساريّة (أحيانا من الإيديولوجيا الفوضويّة النقابيّة) إلى الشّيوعيّة الحقيقيّة؛ إلى البُلشفيّة. يمكن تسمية هذا العمل الذّي تمارسه الأمميّة الشّيوعيّة: بَلشفةُ الأحزاب العماليّة. لقد ضمّت الأمميّة الشّيوعيّة إلى صفوفها عددا كبيرا من الأحزاب والمجموعات والرّفاق غير الحزبيّين، ممن كانوا سابقا أعضاء الأمميّة الثّانية. لم يكن من الممكن أن يكون الأمر إلّا على ذلك النّحو. ولقد كان الحزب البُلشفي الرّوسي، أيضا ولوقت محدود، عضوا في الأمميّة الثّانية. ولم يكن من الممكن أن يكون ذلك أيضا إلّا على ذلك النّحو. لكن البلاشفة الرّوس تمكّنوا من القطيعة مع الأمميّة الثّانية قبل الأحزاب الأخرى بفضل تضافر الظّروف. فقد ساعد الظّرفُ الثّوري الموضوعي في روسيا البلاشفةَ الرّوس بقيادة الرّفيق لينين على التّحوّل إلى حزب بُلشفي، أيّ إلى حزب شيوعي أصيل، قبل الأحزاب الأخرى. الآن هناك عدد من الرّفاق في بعض فروع الأمميّة الشّيوعيّة يعتبرون أنفسهم شيوعيّين لكنهم ليسوا بلاشفة. البَلشفة هي تحويل كلّ فروع الأمميّة الشّيوعيّة بجميع فئاتها إلى شيوعيّة أصيلة؛ أيّ إلى بُلشفيّة. 4. البَلشفة والشّروط المعيّنة للنّضال لا يجب أن نعتقد أنّ في مستطاعنا أن نجد وصفة منقذة يمكن تطبيقها بنفس الطريقة لبَلشفة جميع أحزاب الأمميّة الشّيوعيّة. إذ تتطلّب البَلشفة الحقيقيّة، قبل كلّ شيء، أن نأخذ بعين الاعتبار الظّروف المكانيّة والزّمانيّة الملموسة. ويمكننا أن نقسّم الأحزاب المنخرطة في الأمميّة الشّيوعيّة إلى ثلاث مجموعات: أ‌. الأحزابُ التّي تمرّ بمرحلة الحملات التّحريضيّة وتخطو أولى خطواتها في طريق توحيد الجماهير الغفيرة حول راية الشّيوعيّة. ب‌. الأحزابُ التّي هي في وضع نضال حادّ وتقود جماهير عماليّة غفيرة (أحيانا الأغلبيّة). ت. الأحزابُ التّي فازت بالسّلطة السّياسيّة وهي في مرحلة تثبيتها. يوجد في المجموعة الأولى عدد من الأحزاب ضعيفة نوعا ما. توجد في المجموعة الثّانية الأحزاب الألمانيّة والفرنسيّة والتّشيكية والبلغاريّة والإيطاليّة، الخ. يوجد في المجموعة الثّالثة إلى حدّ الآن حزب واحد: الحزب الشّيوعي في روسيا. بَلشفة فروع الأمميّة الشّيوعيّة هي الأخذ بعين الاعتبار وتطبيق خبرة الحزب الشّيوعي (البّلشفي) في روسيا في الثّورات الرّوسيّة الثّلاث، كذلك طبعا خبرة أيّ فرع آخر كانت له معارك جديّة. وعلى جميع فروع الأمميّة الشّيوعيّة، أن تفكّر، على ضوء هذه الخبرة، في مهمّاتها الخاصّة وأن تعتمد على خبرتها الذّاتيّة. لكن سيكون خطأ فادحا إذا ما طبّقت خبرة الثّورة الرّوسيّة تطبيقا آليّا في البلدان الأخرى؛ وذلك خطأ سبق أن حذر منّه الرّفيق لينين. في التّجربة الرّوسيّة هناك الكثير مما اعتبره الرّفيق لينين ذا أهمّية للبلدان الأخرى (السّوفييتات، الخ). كتب الرّفيق لينين في «اليسراويه مرض طفولي في الشيوعيه»: (أمّا الآن فلدينا خبرة عالميّة لا بأس بها تبيّن بأتم الوضوح أن بعض السّمات الأساسية لثورتنا ليست ذات أهمّية محليّة. وطنيّة مميزة، روسيّة فقط، بل ذات أهمّية عالميّة أيضا. وأني أتحدّث هنا عن الأهمّية العالميّة لا بالمعنى الواسع للكلمة: فليس بعض سمات ثورتنا، بل جميع سماتها الأساسية، وكثير من سماتها الثانوية تتّسم بالأهمّية العالميّة بمعنى تأثير ثورتنا على جميع البلدان. كلا. بل أتحدث بالمعنى الضيّق للكلمة، أيّ أن المقصود بالأهمّية العالميّة هو القيمة العالميّة أو الحتمية التّاريخيّة لتكرار ما يجري عندنا، في النطاق العالمي، وأنه لا بدّ من الإقرار بهذه الأهمّية لبعض السمات الأساسية لثورتنا. (..) ولكن الحال في البرهة التّاريخيّة الرّاهنة هي أنّ النموذج الرّوسي يظهر لجميع البلدان بعض الأشياء، ذات الشّأن، من مستقبلها المحتوم والقريب. ولقد أدرك ذلك العمال المتقدّمون في جميع البلدان منذ أمد بعيد. أو بالأحرى خمنوه بغريزتهم، غريزة الطبقة الثّوريّة، أكثر مما أدركوه إدراكا. وهذا هو مبعث «الأهمّية» العالميّة (بالمعنى الضيّق للكلمة) للسّلطة السّوفييتية، وكذلك الأسس النظرية والتّكتيك البلشفيين. (....) لكن طبعا في تجربة الثّورة الرّوسيّة، يوجد الكثير من الذّي لن يتكرر في ثورات البلدان الأخرى) أكّد الرّفيق لينين على الشّروط الخاصّة للانتقال من الرّأسماليّة إلى دكتاتوريّة البروليتاريا في مختلف البلدان والتّي تنبع من خصوصيّة العصر الحديث: (إذا وضعنا أمام أيّ ماركسي سؤال: هل من الممكن تحوّل بلدان رأسماليّة مختلفة بشكل منتظم أو بشكل متناسق إلى دكتاتوريّة البروليتاريا؟ سيجيب على هذا السؤال، بدون شك، سلبا. في عالم الرّأسماليّة لم يوجد ولا يمكن أن يوجد أيّ تناغم، أيّ تناسب، أيّ تناسق. كل بلد طورت شكل محدب في هذا الاتجاه أو ذاك، في ذلك التميز أو مجموعة خواص، الرّأسماليّة والطبقة العاملة. (لينين : الامميه الثالثه و مكانتها في التاريخ) البَلشفة هي معرفة كيفيّة تطبيق المبادئ العامّة للينينيّة على وضع معيّن في هذا البلد أو ذاك. البَلشفة هي معرفة كيفيّة المسك بالحلقة الأهم التّي يمكن بواسطتها سحب السّلسلة بأكملها. ولا يمكن أن تكون هذه الحلقة، كما نرى، هي ذاتها في مختلف البلدان نظرا لتنوّع الأوضاع الاقتصاديّة والسّياسيّة. البَلشفة هي عمليّة طويلة الأمد. لقد بدأت الآن في أفضل أحزاب الأمميّة الشّيوعيّة الأوروبيّة. ولا زال يواجهنا عمل ضخم يتطلّب عددا من السّنوات لإنجازه. 1- تسيلا وخاريبدا كائنان خرافيان من الأساطير الإغريقيّة يقطنان على ضفتي خليج ويقومان بابتلاع البحّارة. المقصود: اختيارين أحلاهما مرّ.


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني