PCP

يا عمال العالم اتحدوا

أزمة اليسار الفلسطيني جزء 2

لا يختلف اثنان على تشخيص الحالة المزرية التي وصل إليها اليسار الفلسطيني وتحت عنوان أزمة اليسار وإن اختلف في ذكر الأسباب فهو لا يتعدى تقديم سبب على آخر كأولوية في نشوء هذه الأزمة سواء كانت هذه الأسباب ذاتية أو موضوعية وحجم تأثير كل سبب من هذه الأسباب ونسبيته . لكن المؤكد أن مجموع هذه الأسباب أوصلت اليسار إلى وضعه الحالي بغض النظر سواء كان هذا السبب أو ذاك هو الرئيسي أو القشة التي قسمت ظهر البعير ، والأكيد أكثر أن أزمة اليسار هو نتاج عوامل موضوعية ذاتية مجتمعية . لذلك سيقتصر الحديث في هذه المقالة على ذكر بعض وليس جميع الأسباب الذاتية اللازمة والتي نظن أنها تحظي بإجماع يفقئ عين كل ذي بصيرة وغيور على يساريته ، والتي يمكن أن تساهم في الإجابة على السؤال التالي لماذا لم ولن تنجح أي محاولة للوحدة أو الاتحاد بين أقطاب اليسار حاليا رغم كل المحاولات المبذولة لخلق ما يسمى القطب الثالث أو جبهة اليسار ....الخ ؟؟ 1- غياب مفهوم موحد لمعنى اليسار ومن هو اليساري :- إذا أردنا نتتبع مفهوم اليسار كتسمية تاريخية فهو حديث نسبيا والذي بدأ زمن الملكية في فرنسا وانقسام نواب الجمعية الوطنية يسار ويمين الملك في جلسات الجمعية ، لكن التسمية كممارسة عملية فهي أقدم من ذلك بكثير فقد بدأت منذ بداية الانقسام الطبقي في المجتمعات البشرية ، ونمو الشعور بالاستغلال الطبقي وضرورة القضاء عليه ورحلة البحث عن أسباب وجود أغنياء وفقراء في المجتمعات ، ونمو الحلم الإنساني ، لذلك فكل من انحاز لجانب الفقراء وقضاياهم وسعى لتحقيق العدالة فهو يساري حتى قبل ظهور اليسار كمفهوم مجرد ، فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن حركة الصعاليك في الجاهلية والتي قادها عروة بن الورد هي حركة يسارية لأنها كانت تسعى لتحقيق العدالة بأن تنتزع بالسيف من مال الأغنياء لإطعام الفقراء . لذا نحن كشيوعيين لا نجافي الحقيقة التاريخية إذا قلنا أننا يسار وإننا تعبير مكيف لهذا ليسار المتسلح بنظرية علمية استفادت من تراكم تاريخي لتبلور مفهوم اليسار والمعبر عنه حاليا بالحزب الماركسي اللينيني. إننا إذ نضع أنفسنا بهذا الموقع لا ننفي طابع اليسار عن حركات سياسية واجتماعية أخرى كثيرة نسعى معها للتحالف والشراكة سواء تحالفات قصيرة أو طويلة الأمد وحتى الاندماج . هذه الحركات والفصائل التي يحكم تحالفنا معها نسبية طابعها اليساري بناءا على تمثيلها لمصالح الجماهير الأكثر كدحا والفئات المسحوقة والمهمشة ومواقفها الحقيقية الطبقية وهل تصب في سياق الصيرورة التاريخية لتقدم الإنسان أم لا. 2- رؤية كل فصيل نفسه عنوان الاستقطاب لأي تجمع يساري يمكن أن ينشأ والنظر لأي وحده أو علاقة ممكنة كعملية هضم للغير مما يغيب مفهوم الشراكة وآلياتها أو إمكانية التحالفات ولو بالحد الأدنى أو في تحديد الرؤى السياسية لطبيعة المرحلة كمرحلة تحرر وطني أو ديمقراطي اجتماعي أم هو المزج بينهما وتداخل المرحلتين. مما سبق ذكره، يحدد أن مفهوم اليسار وممارسته هو عملية نسبية لذا فإن الغباء كل الغباء الإدعاء لأي كان فرد أو جماعة منظر أو تنظيم بأن لديه القدرة على امتلاك الحقيقة لوحده واحتكارها والأسف فإنهم كثيرون لأن ذلك هو منبع الغرور والرضا عن الذات وبداية للتكلس في القيادة والحياة التنظيمية ومقاومة التجديد والتعامل مع النظرية كنصوص قدسية وهو ما يؤدي إلى الانتهازية سواء بالجانب النظري أو التطبيقي كل على حدا أو بالجانبين معا ومن هنا تنبع أهمية وصحة مقولة لينين " ما وجد في ساحة واحدة تنظيمان ماركسيان إلا كان أحدهما انتهازيا". إن التنظيم الذي تسوده نظرة الرضا عن الذات لا يمكن أن يتعامل مع ألوان الطيف السياسي ولو كان من لونه إلا عبر نظرة المعلم للتلميذ أو التابع والمتبوع فإذا فكر في عقد تحالفات فهو ينظر لها كتضحية وتنازل غير مجبر عليها ولا ينظر لألوان الطيف كشركاء بل هم أتباع وخدم لسياسته التي يقررها وهو الذي يجب أن يشار إليه بالبنان في كل شاردة ووارده ، أذا فهو الملك وما على الرعية سوى التصفيق الحار. إذا كانت تلك حقيقته وتلك طريقته وفهمه للعلاقة التحالفية ومجمل علاقات السياسة فكيف ستكون علاقته مع الجماهير الغير مؤطره والعفوية والتي يفترض أن يمثلها ويدافع عن حقوقها وإلى أي مصير سيقودها. إن طغيان هذه النظرة لدى غالبية ما يسمى (باليسار الفلسطيني) جعله متخبطا في تحديد طبيعة المرحلة والشعار الملائم ، فلغاية اليوم لم تحدد هذه الفصائل هل المرحلة هي مرحلة تحرر وطني أم ديمقراطي اجتماعي وأي مجتمع ستناضل من أجل قيامه . هل هو ديمقراطي أم اشتراكي ، وإذا تم الإقرار بان المرحلة هي مرحلة تحرر وطني هل يجب العمل بكل ما يتطلبه ذلك ، وهذا ينسحب إذا تم الإقرار بأن المرحلة تحرر ديمقراطي اجتماعي، وإذا كانت المرحلة هي مزيح بين المرحلتين (ذات طبيعة مزدوجة) لماذا نجد كافة فصائل اليسار تنشد في لحظات معينة لرغبة الشارع وردة الفعل العفوية الكارثية أحيانا ومنها على سبيل المثال ظاهرة عسكرة الانتفاضة بكل ما ساد ذلك من ارتجال وعفوية وعدم تخطيط لمبرر وحيد وهو عدم ترك الساحة لفصيل آخر يستفرد بها بينما كان الأجدر بذل الجهود لرسم سياسة مقاومة جماعية بحدود توافق لا يلغي حق شعبنا في ممارسة كافة أشكال النضال وبنفس الوقت إخضاع أي شكل من أشكال النضال لتوافق وطني يضع مصلحة الشعب الفلسطيني أولا وليس مصلحة فصيل بعينه وبذلك تكون شراكة باتخاذ القرار وشراكة في تحمل المسؤولية وتكامل الإمكانات التي تراعي الظروف الفلسطينية أولا الذاتية ومن ثم الدولية والعربية والإقليمية ثانيا. 3- غياب الاستقلالية المالية لكافة تنظيمات ما يسمى باليسار الفلسطيني وما يتبع ذلك من تأثير على المواقف السياسية إضافة لعدم الاستثمار الإنمائي لما هو متوفر حاليا واعتماد سياسة استهلاكية من تفريغ وتحكم وسيطرة. بعد سيادة القطب الأوحد عالميا وما رافق ذلك من انحسار علاقات اليسار الفلسطيني على الصعيد الدولي والعربي كان تجفيف مصادر الدعم لهذا اليسار ، فقد تميزت السياسة المالية لهذه التنظيمات كسياسة استهلاكية وعدم رسم إستراتيجية لسياسة مالية مستدامة تحسن استغلال وضبط ما هو متوفر في زمن الرخاء (توفر الدعم) فعلى سبيل المثال لم يفكر أي تنظيم يساري بالاهتمام بتخريج وتدريب كادر إدارة مالية للتنظيم واتبع إدارة مالية عفوية كانت عرضة في كثير من المنعطفات لتربية أعشاش الفساد المالي وسوء الإدارة والاستغلال وغياب آلية المكاشفة والمحاسبة. لم تتغير هذه السياسة بعد انتقال مركز العمل التنظيمي لفصائل اليسار إلى داخل فلسطين المحتلة وما رافق ذلك من تطورات دولية وعربية كما سلف وأصبح اعتماد هذه الفصائل على ميزانية شهرية من م .ت .ف هذه المنظمة التي جرى إفراغها من مضمونها الكفاحي بشكل ممنهج. إن زيادة الأعباء المالية لفصائل اليسار الذي قابله محدودية الصرف من م . ت. ف انعكس في سياسة تسابق هذه الفصائل على فتح المكاتب لها في كل مدينة وتبعتها سياسة تفريغ الأعضاء ، فزاد ذلك من حجم أعبائها المالية والذي لا يتلائم مع احتياجاتها وجماهيريتها وبالتالي ساد ظاهرة انكفاء الأعضاء والإنفلاش التنظيمي وأصبح القول الدارج في وصف أعضاء التنظيم من قبل الشارع الفلسطيني أن أعضاء التنظيم إما عضو فاسد أو عضو غبي (بالمعنى السياسي) لذلك لا غرابة أن تتسابق معظم التنظيمات للحفاظ على أعضائها من الصراع على حصص التفريغ لدى أجهزة السلطة لتخفيف هذه الأعباء عن كاهلها. لقد رافق ذلك انسلاخ لأعضاء قادة مؤسسات جماهيرية وبالتالي تغيير سياسة وتبعية هذه المؤسسات خاصة عندما لمس قادة هذه المؤسسات أن العمل ضمن سياسة وتبعية لتنظيم معين قد حد من هويتهم وزاد من فقرهم الشخصي وإن فك هذه العلاقة بالتنظيم قد أعطاهم راتب وامتيازات لم يحلموا فيها ، واستشرت بذلك سياسة (كل من إيده إله ) وهو ما يسمى بتعميم ظاهرة واستشراء الفساد وأصبح السعي وراء المصالح الشخصية والبعد عن المبادئ سيد الموقف كل ذلك ضمن سياسة ممنهجة لنظام العولمة وخلق شرق أوسط جديد وقد ساهمت فصائل اليسار سواء بوعي أو بدونه بذلك . لذلك أصبح تبرير الذات في ساحة الفساد المعمم والدفاع عنه بحاجة ماسة لدى أقطابه لمهاجمة الواقع السابق (واقع المبادئ) وذلك بإتباع سياسة "خير وسيلة للدفاع هي الهجوم " ومن هنا برزت موجات السب والشتم للماركسية اللينينية وتبرير التخلي عنها. إن هذا الوضع لم يكن معزولا عن السياسة المالية لكل تنظيم والتي اتبعتها على مدار سنوات طويلة ، فسياسة تفريغ الأعضاء الحزبيين لم تخضع لحاجة تنظيمية يوما بل لمحسوبية واعتبارات شخصية لتثبيت مراكز قوة لدى قيادات معينة ، كما أن سياسات الصرف المتبعة خضعت لنفس المنطلق الذي يكرس قيادات معينة في مراكزها. إن هذا المنطق الذي ساد في السياسة المالية داخل التنظيم هي نفسها التي خضع لها التنظيم في علاقته بـ م . ت . ف فهذا الفصيل الذي انحسرت ميزانيته على نصيبه من الصندوق القومي لن يلتفت يوما سوى لعد الأيام كالموظف الذي ينتظر الراتب كل آخر شهر ، فلا يمكنه المطالبة بـ م . ت . ف ثورية أو إصلاح ما تم هدمه وتجميده منها فكل علاقته بها هي كعلاقة الموظف بالصراف الآلي فهو لا يحتج إلا إذا أصاب هذا الصراف عطل فني يمنع استلام الراتب . إن علاقة كهذه لا يمكن أن تثمر يوما إصلاحا أو تعديلا أو ضغطا ذو تأثير في الساحة الفلسطينية ولا يمكن لها كذلك أن تقنع أعضائها بصوابية مواقفها فما بالك بالشارع ، وستكون مواقفها تابعة دوما لراتب آخر الشهر خاضعة لما تمليه مزاجية الصراف الآلي وهنا يصح القول (فاقد الشيء لا يعطيه) ودليل ذلك أن هذه الفصائل لن تكون يوما سوى جزء من حالة الاستقطاب الثنائي في الساحة الفلسطينية لذا فلا يتوقعون سوى أن يكونوا مجرد ديكور في أي مفاوضات مصالحة وطنية وبانتظار ما يتفق عليه طرفي الصراع الفلسطيني. 4- البعد ألزماني والمكاني الطبقي ما بين تنظيمات اليسار وجماهيرها والتي لم يسعفها كل الإجراءات المتكلسة لتجديد الذات ضمن مفهوم البقاء على قيد الحياة ولو تحت مسمى أو يافطة مكتب ، أي منطق هذا الذي يبرر تكلس التنظيم بقيادته وربطه بقدرتها المستمرة على العطاء منذ عقود وأي تبرير هذا الذي يلوي عنق الماضي لتطويع استمراره في الحاضر إن معظم فصائل اليسار قد ضلت عن اليسار مسافات أوسع من المحيطات وكيف لقائد يدعي اليسارية يخاطب الجماهير من برج عاجي وهو يسير بالشارع بموكبه الملوكي أي جماهير يتحدث عنها وكيف على سبيل المثال يطلب من الجماهير مقاومة البضائع الإسرائيلية وهو وكيلها الكمبرادوري أو على الأقل أحد موظفي الشركة الكمبرادورية وإلا بماذا يفسر تسابق فصائل اليسار للحصول على مناصب وزارية أو سفراء ، فأي حكومة سيمثلون فهل سيمثلون حكومة عمالية تدافع عن فقراء الشعب وكادحيه وفلاحيه أم هي وسيلة لتكمين التنظيم من حشو الوزارة التي يقودها هذا (اليساري) بأعضاء من تنظيمية وعائلته وحاشيته ، فهل أصبح اليساري هو المتغني الانتقائي بالماضي ومسايرة الواقع بأن نكون جزء منه. كل ذلك ما هو إلا جزء يسير من العوامل الذاتية التي تمنع اليسار الفلسطيني من خلق جبهة يسار خارج واستقطاب طرفي الصراع الفلسطيني ، أما العوامل الموضوعية فهي أطول من ذلك بكثير إذا أردنا الحديث عنها لذلك فإن البحث عن العوامل الخارجية يجب أن يسبقه دراسة لأسباب نجاح الإسلام السياسي فيما فشل مدعي اليسار خاصة في جانب العلاقة مع الجماهير وكيف أن هذا الإسلام السياسي على الأقل على الصعيد الداخلي استطاع النجاح في استثمار سياسة مالية ناجحة وبناء مؤسساته الجماهيرية بيسارية أكثر تطورا من مدعي اليسار. بقلم الرفيق أبو يوسف (عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني)


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني