PCP

يا عمال العالم اتحدوا

في أزمة اليسار الفلسطيني

في أزمة اليسار الفلسطيني الحديث عن أزمة اليسار ، لا يمكن إيفائه حقه في مقاله ، فهو موضوع بحاجة لدراسة مطولة ، لا يمكن أن تختزل في مقالة ، لكن المقالة لا بأس بها إذا شكلت رافدا لبحث جماعي في المستقبل ضمن فريق عمل بحثي. من المعروف أن اتجاه تعمق مفهوم اليسار بدأ قبل قيام الثورة الفرنسية ونشوء الجمهورية حيث كان انعقاد الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) بحضور الملك وكانت مقاعد النواب على يمينه ويساره ، فالجالسون على يمين الملك عبروا عن تمثيل الإقطاع ورجال الدين المؤيدين للملك ، أما النواب الجالسين على يساره فهم في جلهم معبرين عن مصالح عامة الشعب وقد شكلوا المعارضة في الجمعية (مجلس النواب حاليا) وكان تمثيلهم نسبيا تمثيل حقيقي للشعب الكادح ومنذ ذلك الوقت أصبح اليسار كمفهوم يعني ضمنا مدى التمثيل الحقيقي للكادحين ، ومن هذه النسبية في التمثيل أصبح دارجا تسمية اليسار ويسار الوسط واليسار المتطرف وكذلك الحال بالنسبة لليمين بالمقابل . ونسبة لما سبق فإن مفهوم اليسار قد ارتبط بالأحزاب الماركسية كون الماركسية هي نظرية الطبقة العاملة وعموم الكادحين والفئات المسحوقة ، لذلك استحقوا بذلك أن تكون كلمة اليسار مرادفة لهم كمضمون لممارسة سياسية. في الحركة الوطنية الفلسطينية كثيرة هي الأحزاب التي وصفت كأحزاب يسارية نظرا لموقعها كمعارضة أو لقاعدتها الفكرية وبرامجها السياسية والفئات التي تمثلها ، لذا كثيرا ما اتخذت هذه الأجسام التنظيمية سواء حركات أو جبهات من صفة اليسار شعارا لها وأحيانا من الماركسية أيديولوجيا وفكر ، سواء بالتبني أو الاسترشاد لمرحلة التحرر الوطني وما بعد التحرر كطرح شعار إقامة الدول الديمقراطية الشعبية كإحدى تطبيقات الاشتراكية في بلدان العالم الثالث أو الدولة الديمقراطية الاشتراكية .....الخ. إن معظم الحركات والجبهات الفلسطينية لم يخرج تبنيها لهذا الفكر الماركسي في يوم من الأيام عن كونه شعار وإطار تحالف سياسي بحكم انقسام العالم لقطبين ، ودليل ذلك أن هذه الحركات والجبهات فشلت في الثبات على شكل طرح الدولة الاشتراكية المنشودة ما بعد التحرير كما فشلت على صعيد التحول من أحزاب برجوازية صغيرة إلى حزب عمالي مرتبط جذريا بفكر الطبقة العاملة ومصالحها الطبقية وأصبح حراكها السياسي في المحصلة مرتهن بمواسم قطف الثمار السياسية في المناسبات والارتهان لمصالح ذاتية أو أوكسجين ما يبقهم على قيد الحياة. وذلك وكأنهم يعولون على معجزة تخرجهم من الهوان الذي انحدروا إليه ، فتارة يتشدقون باليسارية والمعارضة محاولين الإبقاء على هامش التميز لفصيل قائم بذاته ، وأحيانا كثيرة يصعب تمييز ملامحهم السياسية . قد يكون هذا التوصيف جارحا للكثير من الرفاق لأنه كمل يقال "إن خليت بليت" لكنه محاولة لابد منها لإزالة المساحيق عن واقع هو امتداد طبيعي وإفرازات حقيقية لتراكمات الماضي الذي نشتمه لتطهير الذات من أخطاء الرضا عن الذات التي سادت لفترات طويلة ومازالت ولتبرير ممارسات الحاضر. لذا إن أردنا أن يكون تشخيص واقع اليسار الفلسطيني أكثر واقعية يجب أن نقر أولا أن أزمة اليسار هي امتداد تاريخي سياسي/فكري/بنيوي/تنظيمي/طبقي وإن كل عنوان منها بحاجة لبحث كامل ، لكن لا ضير هنا من الحديث عنها . بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وما شهده العالم من سيادة القطب الواحد وتوالي انهيارات الحالمين الذين حاولوا تبرير الانفضاض عن الفكر والمبادئ بادعاء وجود عيوب وأخطاء بالفكر والتجربة العملية بحيث أصبح فقدان الثقة بهؤلاء القادة والأحزاب التي تراجعت ميزه بانفضاض الجماهير عنها ولم تسعفها محاولاتها في تغير الأسماء أو تبني فكر هلامي. هذه الثقة المفقودة وسياسة شتم الماضي ممن تبنوا أو استرشدوا بكر الطبقة العاملة كان أفضل عامل في بروز التيارات السلفية لملء الفراغ الناشئ حيث التقى بأرضية (المجتمع المتدين) الذي أخذ بنبش الرماد عن الماضي ليستدفئ بقبس التراث. إن هذه الأجسام التنظيمية التي سميت يسارية ، وماركسية خاصة التي أصبحت يساريتها موسمية فقط ، تستصعب مهانة الانهزام ولا تقبل النقد ، فهي لغاية اليوم تصف نفسها في أدبياتها بالفصيل أو فصيل طليعي تواضعا أو الفصيل التقدمي ، لكنها في الممارسة العملية تعتبر نفسها مالكة الحقيقة كل الحقيقة وما على الجماهير سوى إطاعتها وعلى التنظيمات الأخرى الاصطفاف حولها ، فهي ترفض التحالف والمشاركة بل تصر على مبدأ قيادتها للجماهير والتنظيمات الأخرى . لذا نجدها ما نجحت ولم تنجح يوما في تشكيل قطب يساري موحد بسبب الانشداد العصبوي التنظيمي ، فهي لم تتفق لغاية الآن على أي منها يمثل الرقم الأول وأي منها يمثل الرقم الثاني في ساحة اليسار الفلسطيني . إن الإقرار بواقع اليسار الفلسطيني قد ارتبط بوسيلة تبني الفكر وأدوات انتشاره في المجتمع الفلسطيني المتدين ، هذه الوسيلة التي كانت تضخم بقصد ، وهو أن الفكر الشيوعي مستورد على أيدي يهود وكان معروفا موقف الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني من اليهود ، خاصة لما مثلوه من تهديد للواقع في فلسطين وتعزيز الدعاية المغرضة من قبل الإقطاع أو الزعامات الفلسطينية بأن اليهودي يبقى بالنهاية يهودي ولا تمايز بينهم على هذا الأساس ، وما ساعد في تعزيز هذه النظرة مشروع الحركة الصهيونية الكولنيالي، وواقع التخلف الاقتصادي والسياسي في فلسطين والذي أبرز قيادات فلسطينية لمراحل نضالية طويلة تتعارض كلية مع الفكر الشيوعي الذي يهدد مصالحها ويزعزع قياداتها ومكانتها وما زالت هذه النظرة بتأثيرها لغاية اليوم ، وتعزز ذلك بانهيار المنظومة الاشتراكية وتراجع بعض قادة الفكر عن الماركسية اللينينية ، ولم يشفع لهذا الفكر وعظمته سقوط الشهداء في سبيله من يهود وعرب فلسطين ولا تشكيل عصبة التحرر الوطني التي لم تعمر طويلا بسبب النكبة عام 1948. إن معظم قيادات الفكر الماركسي وليس كلهم انحدروا من أصول برجوازية صغيرة رغم المحاولات العظيمة التي بذلت مخلصة في تعزيز نسبة العناصر العمالية في الحركة الشيوعية ، وهذا ليس عيبا كدور للبرجوازية الصغيرة والتي غالبا بحكم واقعها الطبقي وعنصر الوقت المتاح لديها خلافا للعمال الذين هم وسيلة فضلى لبث الفكر الماركسي بين صفوف العمال، وهذا الدور للبرجوازية الصغيرة لا خلاف عليه ماركسيا ، لكن ما يميز البرجوازية الصغيرة ، في فلسطين هو عدم الوفاء لهذا الدور وهو تعزيز عناصر اليسار الفلسطيني وتصليب أعضائه بالفكر الماركسي اللينيني داخل الحركات والجبهات محور الحديث رغم أن هذا الدور للبرجوازية الصغيرة ومستوى التقصير بالوفاء له ما زال محور جدل ونقاش لغاية اليوم. إضافة لما سبق فقط سادت معظم أحزاب اليسار والماركسية منها فوضى تشخيص الواقع الطبقي في فلسطين والعالم العربي وهل هذا الواقع هو نمط إنتاج خاص بالدول الأسيوية "نمط إنتاج أسيوي" وبالتالي هو تشكيلة اقتصادية اجتماعية قائم بذاته غير التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية التي طرحتها الماركسية ، رغم حديث ماركس كإشارة لهذا النمط وما درجة انسحاب الفكر الماركسي على الواقع الفلسطيني ـ العربي . هذه الفوضى التي لم تكن ذات اهتمام كبير لو تم التركيز داخل هذه الأحزاب على فهم صحيح للفكر وايلاء الاهتمام للتربية الفكرية داخل هذه الأحزاب خاصة ، ونقولها وللأسف أن معظم (المفكرين ) المدعين امتلاك ناصية الفكر الماركسي كان يغلب على أطروحاتهم النظرية استعراض العضلات الفكرية ولم تسهل لغتهم يوما على العامل البسيط فهما أو استيعاب مضمونها وتناسوا أن جل كتابات ماركس فد صيغت بنبرة مخاطبة العمال الأميين وليس فيها من غريب على واقعنا سوى الأسماء للأماكن والأشخاص من تسميات أجنبية وهو ما عكس على جماهيرية هذه الأحزاب التي اعتادت الغناء بلغة غربية في عرس عربي. كل ذلك انعكس على بنية الأحزاب المتبنية والمسترشدة بالماركسية حيث بقيت هذه النظرية الماركسية اللينينية نظرية ترف مثقفين وليس نظرية كفاح نضالي يومي وبقيت محتكرة بيد نخبه مثقفين وحرم العمال من سلاحهم الحقيقي في وجه أعدائه الطبقيين و القوميين ، ونقولها وبكل أسف لم تجر لغالبية هذه الأحزاب أي مراجعة جدية للخروج من هذه الأزمة وكل من يحاول الحديث الجدي عن أزمة اليسار يقال له " اذهب أنت وربك فقاتلا" لأن غالبية هذه الأحزاب تعرف جيدا أن أي مراجعة جدية في أزمة اليسار يهدد مواقعها التنظيمية الطبقية الحالية، لذا فلا يؤمل من هكذا أحزاب ترفض مغادرة أبراجها العاجية أن تبذل أدنى جهد ناجح أو جاد في إيجاد يسار فلسطيني حقيقي . إن مهمة كل ماركسي غيور يحزنه ما آل إليه وضع اليسار الفلسطيني مواجهة حقائق الواقع كما هي بما تفرضه من التزامات نحو الطبقة العاملة وجموع الكادحين و سلاحها الفكري والتنظيمي. بقلم الرفيق أبو يوسف(عضو اللحنة المركزية للحزي الشيوعي (مجلة الوطن المجلة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني)


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني