PCP

يا عمال العالم اتحدوا

اقتصاد السوق والدعاوى المخادعة

اقتصاد السوق والدعاوى المخادعة لقد تصاعدت وبحدة، الدعوة إلى الانتقال إلى اقتصاد السوق، بعد تفكك المعسكر الاشتراكي السابق، وكأن هذا الانتقال هو خطوة نحو الأمام، علماً أنه في حقيقة الأمر، يعتبر انتكاسة نحو الوراء، وخطوة إلى الخلف في سلم الحضارة الإنسانية. وإن الذريعة الأساسية التي جرى الاستناد إليها في هذه الدعوة، والدعاوى المماثلة لها، هو فشل اقتصاد الدول الاشتراكية السابقة في مجال المنافسة مع اقتصاد الدول الرأسمالية، في ساحة الصراع الاقتصادي العالمي الشرس، الذي تتزعمه الدول الرأسمالية، متسلحة بكل الثروات الطائلة التي تراكمت لديها نتيجة النهب الطويل المستمر لشعوب العالم، وخاصة شعوب العالم المسمى بـ "العالم الثالث"، أو البلاد ذات الاقتصاد المتخلف أو قليل التطور. وإن النظرة المتأنية المحايدة، تقودنا إلى اكتشاف مدى ما تحتويه هذه الدعاوى المخادعة من الزيف والبعد عن الحقيقة، حيث أنها ليست سوى دعوة للعودة إلى قانون الغاب على مستوى التنافس الاقتصادي العالمي الذي تزداد حدته اشتعالاً يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام، وحيث لن تتوقف عجلته عن الدوران حتى تصل إلى نهاية الطريق المسدود، وحيث لا مخرج إلا بتفجر العنف بين القوى المتصارعة على أسواق العالم، فينتصر الأقوى، ويتم إخضاع أو تدمير الأقل قوة، ويذهب الضعفاء ضحايا رخيصة لهذا العنف، ووقوداً لآلة الدمار التي تعملقت بصورة مفزعة، بحيث لن يشعر الكبار بأدنى تأنيب ضمير نتيجة تدمير شعوب بأكملها نتيجة هذا الصراع الغابي البدائي الوحشي. وكأن المطلوب من الإنسانية بكاملها، الانخراط الأعمى في معمعة هذا الصراع المدمر، والتخلي عن السعي نحو تحقيق مجتمع العدالة والكفاية والمساواة بين أفراد المجتمع الواحد، وبين كافة شعوب العالم. هذا، وإن نظرة سريعة إلى أنثى الطائر التي تقف على حافة عشها، وفيه صغارها يمدون أعناقهم إليها، فاتحين أفواههم على أقصى مداها، متزاحمين متنافسين على تلقف الطعام الذي تحمله في فمها إليهم، وهي تنظر إليهم لتتذكر من طَعِمَ منهم ومن لم يطْعَم بعد، لتعطي كلاً بدوره ما جلبته من طعام، وهي تحرص على أن لا تترك واحداً منهم بدون طعام حتى لو كان ضعيفاً لا يستطيع مزاحمة من هو أقوى منه، إن نظرة سريعة إلى ذلك، ترينا لوحة طبيعية رائعة، تعلمنا بوضوح شديد، وبإعجاز عظيم، الفرق الكبير بين الاقتصاد الحر، أو اقتصاد السوق، وبين الاقتصاد الموجه، أو الاقتصاد الاشتراكي. فالطائر الأم هي المسؤولة والعقل والوصية. ولذلك، فإنها تعمد إلى (الاقتصاد الاشتراكي الموجه). فتجلب الطعام وتوزعه بالعدل على صغارها، ولا تسمح للقوي بأن يأكل طعام الضعيف، ولا للكبير بأن يأكل طعام الأصغر منه. وتستمر على ذلك حتى تعطي الفرصة لكل منهم بأن ينمو ويكبر ويعتمد على نفسه بالطيران وكسب الرزق، وليقوم بعدها بدوره الذي يعتبر تكراراً لدورها هي في الحياة. وأما الصغار، فإنهم الطفولة والعجز وقلة الإدراك والتنافس الأناني مدفوعاً بالغريزة العمياء، ولذلك، فإن كلاً منهم يحاول أن يحصل على الطعام من فم أمه بالصراخ والزقزقة والمزاحمة والتدافع واقتناص الفرصة للشبع، دون أدنى اعتبار لحاجات أخوته الآخرين، سواء أكانوا جياعاً أو عاجزين عن المنافسة لضعفهم أو صغرهم أو مرضهم. هذا في عالم الحيوان، عالم الغريزة والفطرة الأولى. وإن هناك الكثير مما يمكن تعلمه من عالم الحيوان ومن الطبيعة. وإن في مجتمع النحل والنمل عبرٌ عميقة كثيرة، تقودنا إلى الاقتناع بأفضلية المجتمع الخاضع للنظام الصارم العادل الموجه لمصلحة جميع الأفراد في المجتمع، بشرط التزام كل فرد بالعمل المسند إليه، وبشرط آخر لا يقل أهمية، وهو أن لا يسند إلى الفرد إلا ما يتفق مع قدراته وإمكاناته وما هو مؤهل للقيام به. أي ما معناه: وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وكذلك، بما ينسجم مع الغريزة والفطرة المزروعة مسبقاً في النفس الإنسانية انسجاماً تاماً. وإننا لا يمكن أبداً أن نكابر وندّعي بأن نظاماً قائماً على التنافس الوحشي البدائي الفظ، وينتهي بانتصار القوي وتعملقه وطغيانه، وتقزّم أو دمار الضعيف وعبوديته وإذلاله، لا يمكن أن ندّعي بأن نظاماً كهذا هو نظامٌ أفضل من نظام الاقتصاد الاشتراكي الموجه، الذي يستهدف ويحقق حماية كافة أفراد المجتمع، ضمن أسس الكفاية والعدل والتعاون والتكافل، ومنع استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، سواء بالقوة والعنف وهيمنة السلطة، أو بالخداع والغش والتحايل، أو بالسرقة والرشوة والفساد، وكل ما تتفتق عنه (عبقرية) أخلاق الانحطاط والتدهور الاجتماعي. أما أن نتخذ من فشل الاقتصاد الاشتراكي في التنافس عالمياً مع الاقتصاد الرأسمالي ذريعة أو دليلاً لإثبات أن الاقتصاد الرأسمالي هو الأفضل، فهذا زيف كبير، وخدعة عظمى، يجب الكشف عنها، والامتناع عن الوقوع في حبائلها. إذ أن من البديهي أن الاقتصاد الاشتراكي الذي تتنافى طبيعته مع - 2 - التنافس والصراع ونهب الثروات وتجويع الشعوب، واجه وسيواجه مصاعب جمة في هذا النوع من الصراع الذي يستهدف الإضرار بالقسم الأعظم من المجتمع الإنساني، لأنه، بطبيعته وأهدافه، بعيد عن السعي إلى النهب والسلب وتكديس الثروات في جانب واحد من المجتمع، أو من العالم، على حساب باقي شرائح المجتمع، أو باقي شعوب العالم. هذا، ويكفي النظام الاقتصادي الاشتراكي فخراً وانتصاراً، أن يتمكن من تحقيق أكبر قدر من العدالة الاجتماعية والاقتصادية بين كافة شعوب العالم، وبين كافة أفراد المجتمع في الشعب الواحد، على أسس الاحتياجات الإنسانية الأساسية، مثل: ــ التمتع بطفولة سعيدة وسليمة جسمياً ونفسياً. ــ الحصول على فرص متكافئة في العلم والعمل. ــ الحصول على الحد الذي يحفظ الكرامة الإنسانية من الطعام واللباس والسكن والعلاج. ــ الحصول على ضمانة أكيدة وكريمة في حالات المرض والعجز والشيخوخة. وإن مجتمعاً مثل هذا، لا يمكن أن يكون هو الأدنى بالمقارنة مع مجتمع يتبنى «اقتصاد السوق»، الذي تغتني فيه قلة على حساب الكثرة، سواء على مستوى كل شعب من الشعوب محلياً، أو على مستوى شعوب العالم مع بعضها بعضاً. وأما المجتمع التنافسي القائم على الصراع الغابي الوحشي، فجدير به أن يـُنبذ ويـُستنكر، لأنه يمثل خطوة إلى الوراء في سلم الحضارة الإنسانية. فالتاجر الناجح فيه يغتني على حساب تحطم عشرات المواطنين المنافسين الآخرين بحكم انتصار الأقوى. والطبيب الناجح الشهير يجمع الثروات الطائلة، ولا يكون له أي دور أو مساهمة في معالجة فقراء المرضى، بل كلما زاد شهرة انحصر نشاطه الطبي في علاج الطبقة الأكثر ثراء، وداس حقوق المرضى الفقراء في الحصول على العلاج الجيد على يديه، لأن السوق يدفعه نحو الإثراء، ثم الإثراء، وهذا لا يتحقق إلا بمعالجة الأثرياء الذين يدفعون دون حساب. وأما العامل الذي يعيش من جهده العضلي، أو مهنته اليومية التي لا تكاد تكفيه وتكفي عياله بما يسد الرمق، فينتهي به الأمر في مثل هذا النظام الخالي من الرحمة، ينتهي به الأمر إلى الفقر والمرض والتشرد عندما تداهمه الشيخوخة، أو يصيبه العجز، ويحصد أولاده إرثاً لا يحسدون عليه. فحريٌ بنا أن نعود إلى معاييرنا الإنسانية النقية الفاضلة التي زُرعت في فطرتنا، وأن نصحو من غفلة الانجراف نحو دعاوى زائفة تدعو للعودة إلى شريعة الغاب المتمثلة بـ «اقتصاد السوق» الذي لا يعني سوى إعطاء الحق للأقوى في علاقات الإنسان بأخيه الإنسان، وهذا هو الشر الأكبر بعينه. فالإنسان لا يحقق إنسانيته إلا بالنزوع المستمر إلى الفضيلة والعدالة وحب الخير لنفسه ولغيره، وهذا هو الهدف الأساسي لـ «النظام الاشتراكي» الذي لا يتحقق إلا بالتطبيق الملتزم الصحيح لأسس العدالة الاجتماعية والاقتصادية. قاسم موسى شعبان صوت الشعب السورية


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني