PCP

يا عمال العالم اتحدوا

الليبرالية الاقتصادية ــ والفاشية السياسية

الليبرالية الاقتصادية ــ والفاشية السياسية الليبرالية الجديدة التي تسري في العالم سريان النار في الهشيم بأوامر الإدارة الأمريكية تعني قبل كل شيء الليبرالية الاقتصادية، أي حرية السوق تداولاً وادخاراً وعرضاً وطلباً، ومن الجملة حرية إقامة المؤسسات المالية (البنوك، مؤسسات التأمين، البورصات) وحرية إقامة أي مؤسسات إنتاجية كبرى أو متوسطة أو حرفية، وأيضاً أي مؤسسات تجارية أو زراعية أو استخراجية (استخراج البترول، المعادن، الخ). وهذه الليبرالية الاقتصادية يجب ألا تتدخل فيها إدارة البلد، إلا بالحدود الدنيا، فيجب أن تقف منها الإدارة موقف من ليس له علاقة، أو موقف أفراد مستفيدين من مختلف الكوموسيونات المشروعة وغير المشروعة. وتقتضي الليبرالية الاقتصادية فتح الحدود لمختلف أنواع الاستيراد والتصدير، السلع الضرورية، أو غير الضرورية، وربما المشروعة أو غير المشروعة، لا يهم. المهم ألا يوجد أي عائق أمام السلع المستوردة، أو أي عائق أمام السلع المصدرة، ولو كانت ذات ضرورة تموينية أو اجتماعية أو صناعية. أيضاً يجب فتح الحدود للرساميل الواردة والخارجة، فيمكن والحالة هذه الإخراج السياسي للرساميل دون عائق، وإن اهتزت سوق البلد، أو حدثت أزمة أو اضطرابات نقدية، كما حدث بوجه خاص في اندونيسيا، وفي دول عديدة أخرى، انهارت عملاتها. وتفتح الحدود أيضاً للاستثمارات الخارجية، أي لمختلف أنواع الامتيازات (البترول، المعادن، الغابات، الخ). التضخم النقدي يجب أن يكون لصالح الرأسماليين، ويجب أن يكون بوجه خاص لصالح المضاربات، أي القروض المتنوعة المصرفية وبالأوراق ذات القيمة، ومنها السندات على خزينة الدولة، توجه لصالح الرأسماليين ولصالح المضاربات في البورصة. أيضاً يجب أن يتمتع رأس المال، ومنه الرأسمال الأجنبي بالإعفاءات الضريبية، العمال يجب أن يخضعوا لسوق العمل، فيمكن أن تنخفض الأجور دون قيد، وأن يسرح العمال بالجملة، وبمقدار ما ترتفع نسب البطالة ترخص اليد العاملة، وتصبح الأجور أعجز من أن تسد الرمق. العناوين العريضة لليبرالية الاقتصادية لا تطبق بحذافيرها في كل مكان، ولكن باللب منها مطبقة عموماً مع تحليل من الرواسب، التي تعود إلى أيام دولة الرفاه welfare state في ستينات القرن الماضي. والليبرالية الاقتصادية تؤدي، كما هو واقع في بلدان العالم عموماً إلى تضخم نقدي متصاعد عمودياً ينتج عنه هبوط القيم الشرائية لمختلف العملات، وأيضاً لانهيار عملات البلدان الضعيفة التطور، الأمر الذي يعني الكثير، ومنه الغلاء الفاحش، والارتفاع المتزايد لتكاليف المعيشة، وانهيار الادخارات، وامتصاص الاحتكارات الدولية لمختلف الثروات في العالم، لأن أبواب البلدان مفتوحة لها. إدارات بلدان العالم ينال أفرادها مختلف السمسرات المشروعة وغير المشروعة. يجري الكلام عن الفساد، إن الليبرالية الاقتصادية هي محرك الفساد، وأينما توجه المرء، بدءاً من الولايات المتحدة وحتى أفقر دولة في آسيا أو أفريقيا، يلمس المرء غنى أفراد الأوليغارشيات الحاكمة، فالمزارع في تكساس لها ما يناظرها في أغلب البلدان أملاكاً زراعية أو مشروعات صناعية أو أرصدة في البنوك العالمية (حيث البنوك الوطنية «غير مضمونة»). الوجه الآخر لليبرالية الاقتصادية هو الفقر النسبي، أو المدقع أو الجوع، ويشمل ذلك الأغلبية الساحقة للشعب في كل بلد. وطبعاً هذا لا يهم لا منظري الليبرالية الاقتصادية، ولا إدارات البلدان، التي تنظر للأمر، وكأنه لابد منه مقابل رفاهية الأوليغارشية، وهي جزء منها، ولا الاحتكارات الدولية، التي تتمتع بهذا النظام الاقتصادي الدولي الهمجي. وغير الفقر والجوع، فإن الليبرالية الاقتصادية تفرض على العالم عبودية شاملة لا يستطيع المرء الانفكاك منها. ففي أيام العبودية القديمة كان العبد لا يستطيع أن يعيش، إلا إذا كان عبداً: فإذا حرره أسياده لسبب أو لآخر لا يستطيع أن يجد لقمته، وقد يموت موتاً بطيئاً. وإنسان اليوم لا يستطيع أن يعيش إلا في ظل العبودية العالمية الجديدة. يجب أن يقدم خدمة مشروعة أو غير مشروعة لينال مقابلها ما يسد رمقه، أو في بعض الحالات ما يرفهه. أفراد الميليشيات والعصابات يغامرون بحياتهم مقابل العيش، وطوابير الذين يقتاتون على الفتات السياسي، فإنهم كثيراً ما يضحون بالكرامة الشخصية مقابل العيش. نفس الشيء بالنسبة لطوابير أنذال المجتمع (القوادين وغيرهم). طبعاً المجتمعات ليست بحيرات راكدة، ولا تتمتع الأوليغارشيات الحاكمة بالنعيم الدائم. هناك التناقضات الدولية، التي تحرك المجتمعات، وهناك الاحتلال والعدوان. اللذان يتسببان بالكوارث (بالمجازر وبالدمار وبالتشرد)، ويتسبب ذلك بمختلف ردود الأفعال، أيضاً هناك الامتيازات الدوارة، التي تتنقل في المجتمع من فئة إلى فئة أخرى، وتتسبب بصراعات سياسية، وربما ميليشياوية متنوعة، كذلك هناك إضرابات الجوع، التي تأخذ أحياناً صيغاً منظمة، وأحياناً صيغاً عشوائية. وما تزال ثمة حركات عمالية وقوى تقدمية، تتباين ضعفاً وقوة من مكان إلى آخر. وهذه يعقد إنسان اليوم الأمل عليها بشرط أن توحد صفوفها، وتتخلص من تناقضاتها وترسم إستراتيجيات وطنية ودولية بعيدة الأفق، وقادرة أن تواجه القوة الاستعمارية الدولية، مستفيدة من جميع التناقضات الدولية والمجتمعية. وبما أن المجتمعات ليست بحيرات راكدة، فإن الإدارات تحتاج ليس فقط مختلف الألاعيب والبهلونيات، وإنما أيضاً الفاشية، مختلف التحركات الاجتماعية المعكرة لمزاج الأوليغارشيات الحاكمة يجب أن تقمع. يجب أن تسود في البلد هيمنة واحدة هي هيمنة الموجودين في الحكم. أقوالهم هي التي يجب أن يتفق عليها الناس، ولو كانت تتغير من وقت إلى آخر. اليوم، الإدارة الأمريكية تمثل قوة استعمارية، وغداً تمثل قوة تحرير للكويت، للعراق (مثلاً). اليوم «الجهاد» ضد «الملحدين» السوفييت، أو الروس، أو اليوغسلاف مطلوب، وغداً التطرف الديني إرهاب يجب محاربته، ويجب استبداله بالحوار بين الأديان أو بين الحضارات. ما تقوله الإدارة الأمريكية هو دوماً صحيح (؟)، فالتطرف الديني هو عامل «تحرير» من الروس في أفغانستان وفي الشيشان، ومن الصرب في البوسنة وفي كوسوفو، الخ. وهو إرهاب في أفغانستان الطالبانية، وأيضاً في العمليات، التي جرت في بعض العواصم الأوروبية. الاتصالات أصبحت عالمية، رغم أن بعض الأوساط الفقيرة لا تعرف حتى التلفون حتى الآن. ومع ذلك، فإن الأوليغارشيات الحاكمة، تحاول أن تخفي رأسها في الرمال مثل النعامة، فتحجب مواقع الانترنت أو تراقبها، وتراقب الهواتف وتقيم رقابات صارمة على مختلف وسائل الإعلام. طبعاً كل ذلك غير مفيد لها، لأن مختلف المعلومات، المراد ترويجها أمريكياً تنتقل عبر الحدود المفتوحة إلى كل الإعلام غير الداخلة في الفهرس (not indexed)، فإن الإدارة الأمريكية، وامتداداتها، تعمل على خنقها، وتعمل على جعل تأثيرها أضعف ما يمكن. الليبرالية الاقتصادية تقتضي الفاشية بالضرورة، فحينما يتلفت المرء، يجد الفئات المنبوذة، التي لا حقوق لها، ولا مكان لها في المجتمع. ضحايا الكوارث (الأعاصير، الهزات الأرضية، الحرائق، الانهدامات، الخ) يشتمون دوماً، لأن إدارات بلدانهم لم تنجدهم، أو لم تنجدهم بشكل كافٍ. إنهم بذلك يقعون في مغالطة كبرى: إدارات بلدانهم ليست موجودة لتنجدهم، ليست موجودة لتحمل مسؤولية المجتمع، إنها موجودة لنهب المجتمع، ولتسهيل نهبه. نعمة أن تواجه الشتائم بالإهمال، إذ يمكن أن تواجه بالقمع. أدوات الإدارة الأمريكية في بلدها وفي العالم: الطائفية (الدينية أو العرقية)، العصابات، النشاط المخفي covert action لمخابراتها، والتي تتضمن من الجملة: الاغتيالات، فبركة الصراعات والمجازر، فبركة الانقلابات العسكرية وغير العسكرية، كلها (أي الأدوات) هي أدوات للفاشية، وطروحات الديمقراطية وحقوق الإنسان ليست أكثر من ثرثرة تحريضية. الليبرالية الجديدة لا تمس الاقتصاد فحسب، وإنما تنطوي على فاشية سياسية ضد الأغلبية، أي ضد الفقراء والمهمشين، وضد شعوب العالم. محمد الجندي


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني