PCP

يا عمال العالم اتحدوا

ظهور وتطور الفلسفة الماركسية

ظهور وتطور الفلسفة الماركسية إذا كان ماركس ذلك الفيلسوف الألماني العبقري الذي عاش في القرن التاسع عشر في أوروبا وأنتج مع صديق عمره فردريك أنجلس نظرية فلسفية جديدة أحدثت انقلابا عميقا في الحياة الاقتصادية –الاجتماعية والعلمية من ناحية. والفلسفة المادية السائدة من ناحية أخرى. فأنه بعد تخرجه من الجامعة متأثرا بفلسفة هيغل ، قد انضم إلى حلقة الهيغليين اليساريين وعلى رأسهم برونوباور والذين كانوا يحاولون أن يستخلصوا من فلسفة هيغل استنتاجات ثورية، غير أن تطور الفلسفة المادية في ألمانيا على يد الأستاذ ليودفيخ فورباخ وخاصة بعد صدور كتابية جوهر المسيحية وأسس فلسفة المستقبل ، دفعت مجموعة الهيغليين اليساريين ومنهم ماركس نحو الفكر المادي الذي كان يتبناه هذا المفكر الأستاذ والذي كان يغذ السير قدما في ألمانيا ، فقد كانت الفلسفة المادية هي الوحيدة المنسجمة مع تفسير الاكتشافات العلمية المنهجية للعلوم الطبيعية والمعادية للأوهام السائدة في ذلك الزمان. وقد ولد مذهب ماركس الفلسفي المادي بوصفه الوريث الشرعي لخير ما أبدعته الإنسانية في القرن التاسع عشر وهي الفلسفة الكلاسيكية الألمانية، والاقتصاد السياسي الانجليزي ، والاشتراكية الفرنسية ، وهي المصادر الثلاثة التي اعتمد عليها ماركس في وضع نظريته الجديدة المؤلفة من الفلسفة الديالكتيكية المادية، والمادية التاريخية والشيوعية العلمية والاقتصاد السياسي. وفي نشاطه الغزير، عمل ماركس في الصحافة الثورية الديمقراطية ونشر مقالات متعددة يستعرض فيها وضع الفلاحين وينتقد انتقادا لا هوادة فيه كل ما هو كائن ويتوجه إلى الجماهير بالتحريض ضد الحكومات الرجعية وإلى البروليتاريا للنضال ضد استبعادها. وكان نشاطه السياسي والفكري غير مقتصر على بلد واحد ، فمن ألمانيا إلى فرنسا إلى بلجيكيا إلى هولندا إلى إنكلترا . ورد بشكل قاطع على مذهب برودون في كتابه المعروف بؤس الفلسفة عام 1847 واشترك مع صديقه أنجلس في عصبة الشيوعيين وبعد المؤتمر الثاني لها في لندن أصدرا بيانهما المشهور (البيان الشيوعي) عام 1848 الذي يعرضان فيه المفهوم الجديد للعالم والمادية الفلسفية الجديدة التي تشمل ليس الطبيعة فقط وإنما الحياة الاجتماعية أيضا ، وكذلك الديالكتيك بوصفه العلم الأوسع والأعمق للتطور. كما يشرح نظرية الصراع الطبقي والدور الثوري للبروليتاريا في التاريخ العالمي وفي عملية تغير العالم، وشهد ماركس الثورات التي حدثت في فرنسا ومن ثم ألمانيا عام 1848-1849 وكان يدعمها ، وإلى جانب ذلك كان يرد على كل المذاهب والتيارات السائدة في الاشتراكية البرجوازية الصغيرة وغير الثورية ، وصاغ نظريته المادية الجديدة باذلا جهدا كبيرا في دراسة الاقتصاد السياسي ونافخا فيه روحا ثورية وخاصة في مؤلفيه مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي وفي رأس المال المجلد الأول. وبعد انتعاش الحركة الديمقراطية في أوروبا أسس عام 1864 جمعية الشغيلة العالمية (الأممية الأولى) جامعا شمل الحركة العمالية في مختلف البلدان وموجها شتى أشكال الاشتراكية غير البروليتارية في النضال المشترك ، وصاغ تكتيك نضال الطبقة البروليتارية ، وبعد أحداث كومونة باريس عام 1971 التي قدرها ماركس تقديرا عميقا وفعالا كتب مؤلفه المشهور "الحرب الأهلية في فرنسا" يشرح فيه أحداث تلك الحرب وأهميتها التاريخية رغم أخطائها . وقد أدى ذلك إلى تشكيل الأحزاب العمالية الاشتراكية الجماهيرية وبعد ذلك واصل عمله الضخم والدؤوب في مؤلف "رأس المال" واضعا اقتصادا سياسيا على أسس جديدة في المجلدين الأول والثاني والثالث اللذين جمع مسودتهما أنجلس وأتمهما وأصدرهما بعد ممات ماركس إخلاصا لصديقه. إن التطور الذي حدث في مذهب ماركس الفلسفي هو انتقاله من مثالية هيغل وديالكتيكه المثالي إلى مادية فورباخ مسلطا الضوء على نقاط ضعفهما من حيث عدم كفاية منطقهما وعدم شموليتها للطبيعة والمجتمع. ففي نظر ماركس وأنجلس كانت المادية ميكانيكية أي لم تأخذ بعين الاعتبار ما توصلت إليه العلوم الطبيعية والبيولوجيا والكهرباء، ومن ناحية أخرى لم تكن تلك المادية التي سبقتهما تاريخية ولا ديالكتيكية أي لم تطبق وجهة نظر التطور من جميع النواحي حتى النهاية. ومن ناحية ثالثة كانت تفهم جوهر الإنسان على أساس مجرد وليس على أنه مجموعة العلاقات الاجتماعية كافة والتي يحددها التاريخ بشكل ملموس، أي أنها لم تعم إلا بتفسير العالم مع أن المقصود هو تغير العالم وبتعبير أخر "أن المادية القديمة لم تكن تدرك شأن وفعل النشاط العملي الثوري". وقد عبر ماركس على الشكل التالي: "يرى هيغل أن حركة الفكر التي سماها الفكرة، هي الإله الخالق والصانع للواقع، أما أنا فأرى العكس: إن حركة الفكر ليس إلا انعكاسا لحركة المادة المنقولة إلى دماغ الإنسان ومتحولة فيه" وقد كتب أنجلس في مؤلفه المعروف (لودفيغ فورباخ) ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية أن المسألة الأساسية العظمى في كل فلسفة ولاسيما الفلسفة الحديثة هي مسألة علاقة الفكر بالكائن أو علاقة العقل بالطبيعة أيهما يسبق الآخر ، وكان الفلاسفة تبعا لإجابتهم على هذا السؤال قد انقسموا إلى معسكرين كبيرين فأولئك الذين يؤكدون تقدم العقل على الطبيعة ويقبلون على هذا النحو في آخر تحليل بخلق العالم أيا كان نوع هذا الخلق ، ألفو معسكر المثالية. والآخرون الذين يقرون تقدم الطبيعة على العقل انتموا إلى مختلف المدارس المادية وقد نبذ ماركس المثالية المقرونة إلى الدين وكذلك وجهات النظر الأخرى، كالعجزية والانتقادية والمذهب الوضعي وكان يعتبر ذلك النوع من الفلسفة بمثابة تنازل رجعي أمام المثالية أي "أسلوب جبان يقبل المادية في السر وينكرها في العلن". كان ماركس وأنجلس يريان أن الديالكتيك هو أوسع مذهب من مذاهب التطور الذي خلقته الفلسفة الكلاسيكية الألمانية غير أنهما بإدخالهما الديالكتيك هذا في المفهوم المادي عن الطبيعة والمجتمع نقلا هذه الفلسفة المادية من مستوى إلى مستوى أرقى وأشمل وطوراها. فالديالكتيك في نظر ماركس هو علم القوانين العامة للحركة سواء في العالم الخارجي أم في الفكر البشري ، ويبين ماركس مع رفيقه أنجلس أن التطور ليس على شكل خط مستقيم ، ولكن لولبي وبالتالي اكتشف فوانيين الديالكتيك (نفي النفي) والتراكم الكمي يؤدي إلى تحول نوعي ووحدة وصراع الأضداد ، ويؤدي هذا التطور إلى كوارث وقفزات وثورات واعتبر الثورات هي قاطرات التاريخ ذلك التاريخ الذي يكشف دائما عن جوانب جديدة. وقد أدرك ماركس خلو المادية القديمة من المنطق وأنها غير مكتملة وأنها ذات طابع وحيد الجانب ، وإذا كانت المادية تفسر الوعي بالكائن فعند تطبيقها على الحياة الاجتماعية تتطلب تفسير الوعي الاجتماعي بالكائن الاجتماعي، وتبين ذلك في مقدمة كتابه "مساهمة في نقض الاقتصاد السياسي" حيث قال: "إن الناس أثناء الإنتاج الاجتماعي لحياتهم يقيمون فيما بينهم علاقات معينة ضرورية مستقلة عن إراداتهم وتطابق علاقات الإنتاج هذه درجة معينة من تطور قواهم المنتجة المادية وعندما تصبح علاقات الإنتاج هذه في تعارض مع تطور القوى المنتجة تحدث الثورة الاجتماعية". إن اكتشاف المفهوم المادي للتاريخ من قبل ماركس أي تطبيق المادية وتوسيعها بحيث تشمل ميدان الظاهرات الاجتماعية قد قضى على عيبين في النظريات التاريخية التي سبقته: 1- لم تكن هذه النظريات تأخذ بعين الاعتبار غير الدوافع الفكرية لنشاط الناس التاريخي دون أن تدرك القوانين الموضوعية التي تسير نظام تطور العلاقات الاجتماعية ودون أن ترى جذور هذه العلاقات في درجة تطور الانتاج المادي. 2- كانت النظريات السابقة تهمل عمل الجماهير بينما مكنت المادية التاريخية من دراسة الظروف الاجتماعية لحياة السكان وتغيرات هذه الظروف بواسطة العلوم الطبيعية وهذا أدى بدوره إلى شق الطريق أمام الدراسة الشاملة والواسعة لنشوء التشكيلات الاقتصادية- الاجتماعية وانهيارها. وفسح المجال لماركس للإجابة على عدد كبير من الأسئلة في هذا المجال وبالتالي رسم الطريق لدراسة علمية للتاريخ بوصفه حركة تطور واحدة تسير وفق قوانين معينة رغم تنوعها ورغم تناقضاتها ، ورسمت الماركسية النهج الموجه الذي يتيح اكتشاف هذه القوانين وهو "صراع الطبقات" يقول ماركس وأنجلس في البيان الشيوعي: "إن تاريخ كل مجتمع ما عدا المشاعية البدائية لم تكن سوى تاريخ نضال الطبقات فالحر والعبد والنبيل والعامي والإقطاعي والقن والمعلم والصانع أي المضطهدون كانت بينهم حرب مستمرة تارة ظاهرة وتارة مستترة ، حرب كانت تنتهي إما بانقلاب ثوري يشمل المجتمع بأسره ، وإما بانهيار الطبقتين المتصارعتين معا". أما المجتمع الحديث البرجوازي فإنه لم يقض على التناقضات بين الطبقات بل أوجد طبقات جديدة محل القديمة ، كما أوجد ظروفا جديدة للاضطهاد وأشكالا جديدة للنضال بدلا من القديمة ، وما يميز عصر البرجوازية أنه جعل التناحر الطبقي أكثر بساطة وأصبح العداء بين الطبقتين الجديدتين البرجوازية والبروليتاريا عداء مباشرا وأظهر أن البروليتاريا هي أكثر الطبقات ثورية لأنها لا تملك إلا جهدها واستعبادها من قبل البرجوازية ، كما برهنا على أن كل نضال طبقي هو نضال سياسي. وفي مجال الاقتصاد السياسي لاحظ ماركس أن النظام الاقتصادي يشكل الأساس الذي يقوم عليه البناء الفوقي السياسي ، ولذلك أعار انتباهه لدراسة النظام الاقتصادي في المجتمع الرأسمالي ، وبعد اطلاعه على نظريات ادم سمث ودايفد ريكاردو حول مفاهيم القيمة – العمل قام بتأليف كتابه رأس المال وقال: " إن الهدف النهائي لهذا الكتاب هو اكتشاف القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الرأسمالي الحديث. فمن البضاعة إلى قيمتها الاستعمالية والتبادلية واعتبارها نتاجات عمل إنساني مجرد واكتشافه العلمي بأن كل بضاعة تمثل جزء من وقت العمل الضروري اجتماعيا وأن قيمتها تتحدد بكمية العمل الضروري اجتماعيا لإنتاجها ، وينتقل في تحليله إلى أشكال القيمة والنقد ومنشأ الشكل النقدي للقيمة ثم اكتشافه العبقري "للقيمة الزائدة" التي تنتج من تشغيل العامل زمنا أطول من الزمن اللازم لإنتاج يغطي نفقات إعالته ، وميز في الرأسمال بين الرأسمال الثابت الذي ينفق على وسائل الانتاج ، والرأسمال المتغير الذي ينفق على قوة العمل وأن القيمة الزائدة تنتج عن الرأسمال المتغير. وبحث ماركس في تراكم الرأسمال أي تحول قسم من القيمة الزائدة إلى رأسمال واستعماله للإنتاج من جديد وبين أن القيمة الزائدة تنقسم إلى وسائل إنتاج ورأسمال متغير ، وبين بعد ذلك أن تراكم الرأسمال على شكل وسائل إنتاج يؤدي إلى أزمات فيض الانتاج. ويصف ماركس الاتجاه التاريخي للتراكم الرأسمالي بأنه يتم بفعل القوانين اللازمة للإنتاج الرأسمالي عن طريق تمركز الرساميل والذي يؤدي إلى انتزاع بعض الرأسماليين ملكية عدد كبير من أمثالهم ، وتتطور الصفة العالمية للنظام الرأسمالي وعندما يصبح احتكار الرأسمال قيدا لأسلوب الانتاج تدق الساعة الأخيرة لاستمرارية الملكية الخاصة الرأسمالية. ويحلل ماركس تجديد إنتاج الرأسمال الاجتماعي ويقسم الانتاج الاجتماعي كله إلى قسمين كبيرين: 1- إنتاج وسائل الانتاج. 2- إنتاج سلع للاستهلاك. كما يقوم بدراسة تداول الرأسمال الاجتماعي بمجموعه في تجديد الانتاج البسيط وفي التراكم ، كما يوجد حلا لمسألة المعدل الوسطي للربح بالاستناد إلى قانون القيمة، وقد عالج ماركس في المجلد الثالث لرأس المال الرأسمال الربوي والرأسمال التجاري والرأسمال النقدي، لكنه أبدى اهتماما كبيرا لشرح نظرية الريع العقاري وكيفية الانتقال من الريع- العمل إلى الريع- الانتاج أو الريع العيني الذي يتحول إلى ريع نقدي وأخيرا إلى ريع رأسمالي. ويشرح كيف أن طبقة الرأسماليين تستثمر الفلاحين بواسطة الرهن والربا أو بواسطة الضرائب الحكومية، ثم يبين أن كل تقدم للزراعة الرأسمالية يؤدي إلى تقدم في نهب الشغيل والأرض أي أن الانتاج الرأسمالي يقوم باستنزاف الينبوعين اللذين تنبثق منهما كل ثروة الأرض والشغيل. لقد استخلص ماركس أن المجتمع الرأسمالي سيتحول إلى مجتمع اشتراكي من خلال القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الحديث ، أي جعل العمل اجتماعيا والذي يبدو في توسع الصناعة الكبيرة وظهور الكرتيلات والسنديكات والتروستات الرأسمالية وفي تطور الرأسمالي، وأن المحرك الفكري والمعنوي والعامل المادي لهذا التحول هو البروليتاريا وأن نضال البروليتاريا ضد البرجوازية الذي يتخذ أشكالا مختلفة ومحتوى يغتني باستمرار ، يصبح نضالا سياسيا يرمي إلى استيلاء البروليتاريا على الحكم السياسي ، أي تحقيق شعار "ديكتاتورية البروليتاريا" وهذا يقضي أن تصبح ملكية وسائل الانتاج ملكية اجتماعية وفي هذه الحال يتم القضاء على الاستغلال من خلال صراع الطبقات. وقد صاغ ماركس تكتيك النضال السياسي للبروليتاريا في البيان الشيوعي حيث قال: "إن الشيوعيين يكافحون في سبيل مصالح الطبقة العاملة وأهدافها المباشرة ولكنهم يدافعون في الوقت نفسه عن مستقبل الحركة". إن تعاليم ماركس الثورية طورت الاشتراكية في أوروبا من طوباوية إلى اشتراكية علمية معتمدة على القوانين وشقت الطريق أمام البروليتاريا العالمية لإلغاء استثمار الإنسان للإنسان واضطهاد شعب لشعب وكذلك اضطهاد أمة لأمة تحت شعار ماركس الكبير "يا عمال العالم اتحدوا" وقيام الثورة الاشتراكية المظفرة في روسيا السوفيتية عام 1971 على يد البروليتاريا الروسية وقائدهم الملهم لينين. جهاد البطل


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني