PCP

يا عمال العالم اتحدوا

نقد برنامج غوتا

كارل ماركس مقدمة لفريدريك انجلس1 إن المخطوطة التي تطبع في هذا الكراس، - سواء الرسالة إلى براكه أو نقد مشروع البرنامج - قد ارسلت إلى براكه في عام 1875 ، قبيل انعقاد مؤتمر غوتا التوحيدي2، لكي يعرضها بدوره على غيب وآوير وبيبل وليبكنخت ثم يعيدها إلى ماركس. ولما كانت مناقشة برنامج غوتا واردة في جدول أعمال مؤتمر الحزب في هاله3، فاني اعتقد أني أقترف جريمة إذا ما تماهلت زمناً آخر أيضاً بنشر هذه الوثيقة الهامة ، والتي ربما تكون أهم الوثائق التي تتعلق بهذه المناقشة. ولكن للمخطوطة شأناً آخر أيضاً، واكبر بكثير. فللمرة الأولى نجد فيها الموقف الذي اتخذه ماركس إزاء الخطة التي تبناها لاسال منذ بداية نشاطه التحريضي ، نجده معروضاً بوضوح ودقة، شاملاً في آن مبادئ لاسال الاقتصادية وتكتيكه. فان الصرامة القاطعة التي حلل بها ماركس مشروع البرنامج، والتصلب الذي أورد فيه استنتاجاته، ونقاط الضعف التي كشفها وعرّاها في المشروع ، كل ذلك لو يعد بالإمكان أن يجرح اليوم أحداً ، بعد مضي خمسة عشر عاماً . فلم يبق من اللاساليين الأصليين إلا في الخارج، بصورة أنقاض منفردة ، بل إن واضعي برنامج غوتا قد تخلوا عنه في هاله باعتباره غير مرض إطلاقا. ورغم ذلك، حذفت، حيث لا يهم الحذف، التعابير والتقديرات القاسية المتعلقة ببعض الشخصيات، واستعضت عنها بنقط. إن ماركس كان فعل الشيء نفسه لو انه نشر مخطوطته اليوم. فان عنف اللهجة الذي نجده فيها أحياناً إنما نجم عن اعتبارين. الأول، هو أننا كنا، ماركس وأنا، ملتحمين في الحركة الألمانية أكثر مما في أية أخرى، فكان لابد للتراجع البين في مشروع البرنامج من أن يبعث فينا بالغ الاشمئزاز. أما الاعتبار الثاني، فهو إننا كنا حينذاك، وما كادت تمضي سنتان على مؤتمر الأممية في لاهاي4، في ذروة المعركة ضد باكونين وأتباعه من الفوضويين الذين كانوا يعتبروننا مسؤولين عن كل ما يجري في صفوف الحركة العمالية في ألمانيا ؛ ولذا كان لابد لنا أن نتوقع أن تنسب إلينا أبوة هذا البرنامج السرية. ولكن هذين الاعتبارين قد بطلا اليوم ، كما بطلت في الوقت نفسه ضرورة المقاطع المذكورة آنفاً. وفضلا عن ذلك ، ثمة جمل استعيض عنها بالنقط ، لأسباب تتعلق برقابة الصحافة. وحيث ترتب علي أن اختار تعبيراً ألطف، وضعته بين معقفين. وما عدا هذا، طبعت المخطوطة بنصها الحرفي. فريدريك أنجلس لندن، 6 يناير 1891 نشرت في مجلة "Die Neue Zeit" (الأزمنة الحديثة) رسالة كارل ماركس إلى براكه لندن، 5 ماي 1875 عزيزي براكه ! بعد مطالعة الملاحظات الانتقادية الواردة أدناه بخصوص البرنامج التوحيدي، تفضل بإرسالها إلى غيب وآوير وبيبل وليبكنخت للإطلاع عليها. إن لدي من الشغل لما فوق رأسي فأراني مضطراً لأن أتخطى بعيداً حدود وقت العمل الذي يسمح لي به الأطباء. ولذا لم أجد "لذة" خاصة في خربشة هذه الكمية البالغة من الورق. ولكن هذا كان ضرورياً لكي لا يستطيع الأصدقاء الحزبيون الذين حررت من أجلهم هذه الملاحظات أن يفسروا فيما بعد تفسيراً خاطئاً التدابير التي سيترتب علىّ أن أتخذها من جانبي. – اقصد بذلك بياناً موجزاً سننشره انجلس ولنا بعد المؤتمر التوحيدي ونعلن فيه انه لا علاقة لنا إطلاقا ولا صلة بهذا البرنامج المبدئي المشار إليه. وهذا المسعى ضروري لأنه تروج في الخارج اشاعة كاذبة تماماً يغذيها أعداء الحزب بإمعان وتزعم إننا نوجه من هنا، سرّاً، حركة الحزب المسمى بحزب ايزيناخ5. فان باكونين، مثلاً، قد نشر لأمد قريب كتاباً باللغة الروسيى6 جعلني فيه مسؤولاً، لا عن كل برنامج هذا الحزب وغير ذلك من وثائقه فحسب، بل أيضاً عن كل خطوة خطاها ليبكنخت منذ بداية تعاونه مع حزب الشعب7. وما عدا ذلك، لا يسمح لي واجبي بان اعترف، وان بصمت دبلوماسي، ببرنامج أنا مقتنع بأنه غير صالح إطلاقاً وبأنه يهدم من معنويات الحزب. إن كل خطوة تخطوها الحركة الفعلية لأهم من دزينة من البرامج. ولذا، إذا كان قد تبين انه من المستحيل تجاوز برنامج ايزيناخ – والظروف لم تكن تسمح بذلك – فقد كان من المترتب عقد اتفاق، على الأقل، من أجل العمل ضد العدو المشترك. ولكنهم، إذ عمدوا إلى وضع برامج مبدئية (بدلا من تأجيل هذا الأمر إلى مرحلة يحضره فيها نشاط مشترك أطول)، يقيمون بالتالي أمام العالم كله سوف يحكم الناس بالاستناد إليها على المستوى الذي بلغته حركة الحزب. لقد جاء زعماء اللاساليين إلينا بدافع الظروف. فلو قيل لهم منذ البدء بأنه لن يقدم احد على أية مساومة حول المبادئ، لكان ترتب عليهم طبعاً الاكتفاء ببرنامج عمل أو ببرنامج تنظيم بغية القيام بعمل مشترك. ولكن بدلا من هذا يسمحون لهم بان يأتوا مسلحين بتفويضات ويعترفون بمفعولها الإلزامي، وهكذا يستسلمون ويضعون أنفسهم تحت رحمة أناس هم أنفسهم بحاجة إلى المساعدة. وزيادة في الطين بلة، عقد هؤلاء مؤتمرهم قبل المؤتمر التوفيقي في حين عقد الحزب بالذات مؤتمره post festum*. . ومن الجلي انه كان ثمة سعي إلى درء أي انتقاد والى منع الحزب بالذات من التفكير في المسألة. ومعلوم أن واقع الاتحاد بالذات يرضي العمال، ولكنهم يخطئون أولئك الذين يعتقدون أن هذا النجاح العابر لا يكلف غالياً جداً. وفضلا عن ذلك، فان البرنامج لا قيمة له، حتى ولو لم نأخذ بعين الاعتبار انه يضفي صفة القداسة على قوانين الإيمان اللاسالية. وفي القريب العاجل، سأرسل لك الكراريس الأخيرة من الطبعة الفرنسية ل"رأس المال". وقد تأخر طبعها زمناً طويلاً بسبب من منع الحكومة الفرنسية. إن الكتاب سيكون جاهزاً في هذا الأسبوع أو في مطلع الأسبوع القادم. فهل تلقيت الكراريس الستة الأولى ؟ أرجوك أيضاً أن ترسل لي عنوان برهارد بيكر الذي يتعين عليّ أن أرسل له أيضاً هذه الكراريس الأخيرة. إن لدار الطبع"Volksstaat" عاداتها الخاصة. فاني لم استلم مثلا حتى الآن أية نسخة من الطبعة الجديدة لكتاب "محاكمة الشيوعيين في كولونيا"**. مع أطيب تمنياتي المخلص كارل ماركس ملاحظات على برنامج حزب العمال الألماني "وانطلاقا من هذه المبادئ، يسعى حزب العمال الألماني جهده، بجميع الوسائل المشروعة، إلى تأسيس الدولة الحرة - و - المجتمع الاشتراكي؛ إلى إلغاء نظام الأجرة مع قانون الأجور الحديدي - و - إلى محو الاستثمار بجميع أشكاله؛ إلى القضاء على كل تفاوت اجتماعي وسياسي". سأعود فيما بعد إلى لحديث عن الدولة "الحرة". وهكذا إذن، ينبغي على حزب العمال الألماني أن يؤمن، من الآن فصاعدا، "بقانون" لاسال "الحديدي" ! ولأجل إيجاد مكان له في البرنامج، يتحدثون بسخافة عن "إلغاء نظام الأجرة" (وكان ينبغي القول : نظام العمل المأجور) مع "قانون الأجور الحديدي. فإذا ألغيت العمل المأجور ألغيت بالطبع قوانينه أيضاً، سواء كانت من "الحديد" أو من الإسفنج، ولكن نضال لاسال ضد العمل المأجور يكاد يدور بوجه الحصر حول هذا القانون المزعوم. وعليه، من أجل البرهنة على أن زمرة لاسال هي الظافرة، ينبغي إلغاء "نظام الأجرة" "مع قانون الأجر الحديدي"، لا بدونه. ومن "قانون الأجور الحديدي" هذا، لا شيء، كما هو معروف، يخص لاسال، إلا كلمة "الحديدي" المقتبسة من "القوانين الخالدة الحديدية الكبرى" التي قال بها غوته. إن كلمة "الحديدي" هي بمثابة لصقة يتعارف بها المؤمنون الحقيقيون. ولكن، إذا قبلت القانون وعليه خاتم لاسال، وبالتالي، بالمعنى الذي يقصده لاسال لهذا القانون. فما هو هذا التعليل ؟ انه، كما أوضح لانغه، بعد وفاة لاسال، النظرية المالتوسية حول نمو السكان (التي يروج بها لانغه بالذات). ولكن، إذا كانت النظرية صحيحة، تعذر علي إطلاقاً إلغاء "القانون الحديدي"، حتى ولو ألغيت العمل المأجور مئة مرة، لان هذا القانون لا يشمل حينذاك نظام العمل المأجور وحسب، إنما يشمل أيضا كل نظام اجتماعي. وبالاستناد إلى هذه النظرية على وجه الدقة، يحاول الاقتصاديون منذ خمسين سنة ونيف أن يثبتوا أن الاشتراكية لا يمكنها إلغاء الفقر الموجود بحكم الطبيعة، إنما تستطيع فقط أن تعممه، وتنشره على كل سطح المجتمع ! ولكن كل هذا ليس بالأمر الرئيسي. فبصرف النظر إطلاقا عن خطأ لاسال في فهم هذا القانون، يتجلى التراجع الذي يثير الاستياء حقاً فيما يلي. منذ وفاة لاسال، انتشر في حزبنا هذا المفهوم العلمي القائل إن أجرة العمل ليست ما تبدو عليه، أي قيمة (أو ثمن) العمل، بل هي فقط شكل مموه لقيمة (أو ثمن) قوة العمل. وهكذا رمي مرة واحدة في سلة المهملات بالمفهوم البرجوازي حول أجرة العمل، كما رمي في الوقت نفسه بكل الانتقاد الذي كان موجهاً ضد هذا المفهوم فيما مضى، وكان من الواضح والثابت انه غير مسموح للعامل الأجير بأن يشتغل لتأمين معيشته بالذات، أي، أن يعيش، إلا إذا اشتغل مجانا بعض الوقت للرأسمالي (وأيضاً لشركائه في ابتزاز القيمة الزائدة)؛ وان المحور الذي يدور حوله كل نظام الإنتاج الرأسمالي هو السعي إلى زيادة العمل المجاني بإطالة يوم العمل أو بزيادة إنتاجية العمل، أي بالمزيد من الجهد الذي تبذله قوة العمل، الخ..؛ وان نظام العمل المأجور هو بالتالي نظام رق واستعباد، وهو في الحقيقة استعباد تشتد وطأته بقدر ما تتطور قوة العمل الاجتماعية المنتجة، مهما كانت عليه الأجرة التي يتقاضاها العامل، سواء كانت أحسن أم أسوأ بعض الشيء. وبعد ما شرع هذا المفهوم العلمي ينتشر أكثر فأكثر في حزبنا، يعودون إلى عقائد لاسال، في حين ينبغي لهم أن يعرفوا أن لاسال كان يجهل ما هي أجرة العمل، وكان، على غرار الاقتصاديين البرجوازيين، يعتبر مظهر الشيء انه الشيء بالذات. فكأن يقوم العبيد بثورة بعد أن يدركوا سر عبوديتهم، ويعمد عبد غارق في لجة المفاهيم البنلية، ويسجل في برنامج الثورة : ينبغي إلغاء العبودية لان إعالة العبيد لا يمكن أن تتجاوز في نظام العبودية حداً أعلى معيناً قليل الارتفاع ! إن مجرد كون ممثلي حزبنا قد استطاعوا أن يقترفوا مثل هدا العدوان الفظيع على المفهوم الشائع بين جماهير حزبنا، ليثبت بأية خفة إجرامية وأي انعدام في الوجدان عملوا في صياغة برنامج المساومة هذا ! فبدلا من الصيغة الغامضة التي تنتهي بها الفقرة : "القضاء على كل تفاوت اجتماعي وسياسي"، كان ينبغي القول انه مع إلغاء الفوارق الطبقية، يزول من تلقاء نفسه كل تفاوت اجتماعي وسياسي ناجم عن هذه الفوارق. III "لأجل تمهيد السبيل إلى حل المسألة الاجتماعية، يطالب حزب العمال الألماني بإنشاء جمعيات للإنتاج بمساعدة الدولة، وتحت رقابة الشعب الشغيل الديموقراطية. وينبغي استثارة نشوء جمعيات الإنتاج في الصناعة والزراعة إلى حد أن ينجم عنها التنظيم الاشتراكي للعمل الإجمالي". بعد "قانون الأجور الحديدي" للاسال، ترياق النبي نفسه. وإنهم "لينهدون السبيل" لهذا الترياق بطريقة لائقة. فبدلاً من النضال الطبقي القائم، يتحفوننا بجملة جديرة بصحافي مبتذل : "المسألة الاجتماعية" التي "تُمهِّد السبيل" من اجل "حلها". وبدلا من أن "ينجم" التنظيم الاشتراكي للعمل الإجمالي" عن عملية تحويل المجتمع تحويلا ثورياً، "ينجم" عن "مساعدة الدولة"، عن هذه المساعدة التي تمنحها الدولة لجمعيات الإنتاج التي "تستثير نشوءها" الدولة، لا العمال. إن لاسال وحده، بغروره وخياله، قادر على الاعتقاد انه من الممكن، بواسطة منح الدولة، بناء مجتمع جديد بنفس السهولة التي يبنى بها خط حديدي جديد ! وبدافع من بقايا حس الحياء يضعون "مساعدة الدولة"... تحت رقابة "الشعب الشغيل" الديموقراطية. أولا، يتألف "الشعب الشغيل" بأكثريته في ألمانيا من فلاحين لا من بروليتاريين. ثانيا، تعني كلمة "ديموقراطي" بالألمانية "بواسطة حكم الشعب". وفي هذه الحال، ماذا تعني "رقابة الشعب الشغيل بواسطة حكم الشعب" ؟ وخصوصاً بالنسبة لشعب يتقدم من الدولة بمثل هذه المطالب، ويعترف بالتالي بأنه لا يتسلم زمام الحكم ولم ينضج لتسلم زمام الحكم ! ومن نافل الكلام إن نتطرق هنا إلى انتقاد الوصفة التي وصفها بوشه في عهد لويس فيليب على النقيض من الاشتـراكيين الفرنسيين والتــي تبناها عمــال "Atelier" الرجعيون. ولا تنحصر المصيبة الكبرى في وردود هذا العلاج العجائبي الخاص في البرنامج، بل في التراجع على العموم من مفهوم الحركة الطبقية إلى مفهوم الحركة الانعزالية. وعندما يسعى العمال إلى توفير شروط الإنتاج الجماعي على نطاق المجتمع بأسره، في بادئ الأمر، على النطاق الوطني في بلادهم، فان هذا يعني فقط أنهم يناضلون في سبيل إجراء انقلاب في شروط الإنتاج الحالية؛ فيما يتعلق بالجمعيات التعاونية الحالية، فإنها لا تتسم بأية قيمة إلا بقدر ما تكون مؤسسات مستقلة، من صنع العمال أنفسهم، ولا تتمتع لا بحماية الحكومات ولا بحماية البرجوازية. رسالة15 فريدريك انجلس إلى بيبل لندن، 18-28 مارس 1875 عزيزي بيبل ! تلقيت رسالتك المؤرخة في 23 فبراير وقد سررت جداً لأنك في صحة وعافية. تسألني رأينا في كل حكاية التوحيد هذه، ولكن نصيبنا منها، لسوء الحظ، هو كنصيبك تماماً.فلا ليبكنخت ولا أي كان ابلغنا أي شيء، ولذا فنحن أيضاً لا نعرف إلا ما تقيدنا الصحف ولكنها قبل نشر المشروع، منذ ثمانية أيام، لم تنشر شيئا وبالطبع أثار هذا المشروع بالع دهشتنا فان حزبنا غالبا ما مد يده إلى اللاساليين وعرض عليهم المصالحة أو على الأقل التعاون، وغالباً ما صده بوقاحة هازينكليفر وهاسلمان وتولكه ومن لف لفهم إلى حد أن أي طفل كان بوسعه أن يستنتج انه إذا كان هؤلاء السادة يأتون إلينا عارضين المصالحة، فلأنهم واقعون في مأزق. وبما أن طابع هؤلاء الجماعة أصبح معروفا جيداً، فانه من واجبنا أن نستغل المأزق الذي آلوا إليه، لكي نحصل على جميع الضمانات الممكنة بصورة يستحيل معها على هؤلاء السادة أن يعززوا من جديد مواقعهم المتزعزعة في عيون العمال على حساب حزبنا. ولذا كان ينبغي ان نستقبلهم بأشد ما يكون من البرودة والحذر، وان نعلق قضية التوحيد على درجة الاستعداد التي يبدونها للتخلي عن شعاراتهم الانعزالية وعن "مساعدة الدولة"، ولقبول برنامج أيزيناخ لعام 1869 بخطوطه الأساسية أو لقبول طبعة جديدة من هذا البرنامج محسنة ومنطبقة على الوضع الراهن. فمن الناحية النظرية، أي فيما يتعلق بما هو حاسم بالنسبة للبرنامج، ليس حزبنا إطلاقاً ما يتعلمه من اللاساليين ؛ أما اللاساليون فمن المفيد لهم، طبعاً، أن يتعلموا من حزبنا. فالشرط الأول للتوحيد كان أن يكفوا عن أن يكونوا انعزاليين، أي لاساليين ؛ وهذا يعني انه ينبغي عليهم، إن لم يتخلوا تماما عن هذا الترياق الشافي الوافي الذي يسمونه مساعدة الدولة، أن يعتبروه على الأقل تدبيرا انتقائياً وثانوياً، بين كثير من غيره من التدابير الممكنة. إن مشروع البرنامج يثبت أن أصحابنا متفقون كثيرا على قادة اللاساليين من الناحية النظرية، ولكنهم بالمقابل، ليسوا إطلاقاً في مستواهم من حيث حبك الحيل السياسية. وهكذا فان "الشرفاء" [الايزيناخيين] قد تلقوا هذه المرة أيضاً درساً قاسياً من غير الشرفاء. أولاً، اقر هذا البرنامج جملة لاسال الطنانة، ولكنها الخاطئة تاريخياً، القائلة بأنه إزاء الطبقة العاملة، لا تشكل جميع الطبقات الأخرى سوى كتلة رجعية واحدة. إن هذه الموضوعة غير صحيحة إلا في بعض الحالات الاستثنائية، مثلا، في حال ثورة بروليتارية ككمونة باريس، أو في بلد ليست البرجوازية وحدها التي كيفت الدولة والمجتمع على صورتها ومثالها، بل حيث جاءت البرجوازية الصغيرة الديموقراطية بعدها وأنهت هذا التحويل حتى نتائجه الأخيرة. فإذا كانت البرجوازية الصغيرة الديموقراطية، في ألمانيا مثلا، من عداد هذه الكتلة الرجعية الواحدة، فكيف استطاع حزب العمال الاشتراكي-الديموقراطي ان يسير طوال سنوات، يداً بيد معها، مع حزب الشعب ؟ وكيف استطاعت صحيفة Volksstaat ان تستمد كل محتواها السياسي تقريبا من صحيفة Frankfurter Zeitung ("جريدة فرانكفورت")16 البرجوازية الصغيرة الديموقراطية ؟ وكيف حدث أن سبعة من مطالب هذا البرنامج بالذات ظهرت منطبقة، كلمة كلمة، مع برنامج حزب الشعب والديموقراطية البرجوازية الصغيرة ؟ إني اقصد بهذه المطالب المطالب السياسية السبعة المرقمة من 1 إلى 5 ومن 1 إلى 2، والتي ليس بينها مطلب غير برجوازي ديموقراطي17. ثانياً، إن مبدأ أممية الحركة العمالية هو، فعلا، مبدأ مرفوض تماماً في الوقت الحاضر، مبدأ ينكره اناس كانوا، طوال سنوات وفي أصعب الأحوال، يطبقون هذا المبدأ بأروع ما يكون. إن كون العمال الألمان يسيرون اليوم على رأس الحركة الأوروبية إنما يرتكز قبل كل شيء على الموقف الأممي حقاً الذي وقفوه إبان الحرب18 ؛ وليس ثمة بروليتاريا أخرى كان بوسعها أن تسلك مثل هذا السلوك القويم. والآن، وقد أصبح العمال في البلدان الأجنبية يتمسكون في كل مكان بهذا المبدأ بنفس الحزم والقوة اللذين تسعى الحكومات بهما إلى كبت كل محاولة لتحقيقه في منظمة من المنظمات، يقترح عليهم الآن أن يتخلوا عنه في هذا الوقت بالذات ! وما عساه أن يبقى إذن من أممية الحركة العمالية ؟ لن يبقى حتى ذلك الأمل الضعيف بتعاون مقبل بين عمال أوروبا في النضال من اجل تحررهم، لن يبقى على الأكثر سوى ذلك الأمل الضعيف "بتآخي الشعوب العالمي" في المستقبل، و"بالولايات المتحدة الأوروبية" التي يقول بها برجوازيو عصبة السلام ! وبديهي انه لم يكن من الضروري التحدث عن الأممية بوصفها منظمة. ولكنه كان ينبغي على الأقل عدم التراجع عن برنامج 1869 والقول بهذا الصدد على النحو التالي تقريباً : بالرغم من ان حزب العمال الألماني يعمل قبل كل شيء ضمن حدود الدولة (فليس من حقه ان يتحدث باسم البروليتاريا الاوروبية، وليس من حقه بالاحرى ان يدلي بآراء خاطئة)، فانه يدرك، مع ذلك، تضامنه مع عمال جميع البلدان وسيكون مستعداً على الدوام لأن ينفذ في المستقبل ايضاً، كما نفذ حتى الآن، الواجبات المترتبة عن هذا التضامن. ومثل هذه الواجبات موجودة حتى ولو لم يعلن الحزب نفسه عضواً في الأممية أو يقل عن نفسه انه منتسب إليها. وهذه الواجبات هي مثلا تقديم المعونة ومنع كسر الإضرابات، واتخاذ التدابير اللازمة لكي تطلع هيئات الحزب العمال الألمان على أحوال الحركة في الخارج، والتحريض ضد الحروب التي يثيرها الملوك أو قد يثيرونها، والتزام موقف إبان هذه الحروب كموقف العمال الألمان في 1870 و1871، الذي أصبح قدوة يقتدى بها، الخ.. ثالثاً، لقد سمح أصحابنا بان يفرض عليهم اللاساليون "قانون الأجور الحديدي" الذي يرتكز على مفهوم في الاقتصاد السياسي ولى عهده تماماً، ونعني به ذلك المفهوم القائل إن العامل لا يتلقى، بوجه عام، سوى الحد الأدنى من الأجرة وذلك بالضبط لأن ثمة دائماً فيضاً من العمال، حسب النظرية المالتوسية لنمو السكان (وتلك كانت حجة لاسال). لكن ماركس قد اثبت بالتفصيل في "رأس المال" أن القوانين التي تحدد الأجور معقدة كثيراً وان هذا القانون أو ذاك هو الذي يسود حسب الظروف، وان هذه القوانين ليست حديدية إطلاقاً بل هي على العكس مطاطية جداً، وانه يستحيل بوجه عام حل هذه المسألة ببضع كلمات كما يتصور لاسال. إن المبررات المالتوسية للقانون الذي نقله لاسال عن مالتوس وريكاردو (مع تحريف ريكاردو)، كما وردت، مثلا، في الصفحة 5 من "كتاب القراءة للعمال"، وهي مأخوذة من كراس آخر للاسال، إنما دحضها ماركس بالتفصيل في فصل "تراكم الرأسمال". وهكذا فإنهم بتبني "القانون الحديدي" الذي قال به لاسال، إنما تبنوا فكرة خاطئة ومبررات خاطئة. 1- "العمل مصدر كل ثروة وكل ثقافة، ولما كان العمل المفيد غير ممكن إلا في المجتمع وبواسطة المجتمع، فان دخل العمل يخص بشكله غير المنقوص، وبالحق المتساوي، جميع أعضاء المجتمع". القسم الأول من هذه الفقرة : "العمل مصدر كل ثروة وكل ثقافة". إن العمل ليس مصدر كل ثروة. فالطبيعة هي مصدر القيم الاستعمالية (التي هي بالضبط تؤلف الثروة المادية !) بقدر ما هو عليه العمل الذي ليس هو نفسه سوى ظاهرة لقوة من قوى الطبيعة أي لقوة عمل الإنسان. وهذه الجملة الواردة أعلاه تعثرون عليها في جميع كتب الالفباء، ولا تصح إلا بقدر ما تعني أن العمل يجري عند توافر الأشياء والأدوات المناسبة. ولكنه لا يجوز لبرنامج اشتراكي أن يحتوي مثل هذه التعابير والجمل البرجوازية التي تلزم الصمت حول الشروط التي وحدها تستطيع أن تعطيها معنى. فان عمل الإنسان لن يصبح مصدر القيم الاستعمالية، وبالتالي مصدر الثروة، إلا شرط أن يسلك، منذ البدء، سلوك المالك إزاء الطبيعة، إزاء هذا المصدر الأول لجميع وسائل العمل ومواد العمل، شرط أن يعاملها كأنها شيء يخصه. إن للبرجوازيين أسباباً وجيهة جدا لكي ينسبوا إلى العمل هذه القوة الخلاقة الفائقة الطبيعة ؛ إذ ينجم من كون العمل مشروطا بالطبيعة، إن الإنسان الذي لا يملك غير قوة عمله، يصبح بالضرورة، مهما كانت أحواله الاجتماعية والثقافية، عبد الذين وضعوا أيديهم على شروط العمل المادية. فلا يستطيع أن يعمل، وبالتالي أن يعيش، إلا بإذن هؤلاء. ولكن لندع الآن هذه الجملة كما وردت ومهما كانت عيوبها. فأي استنتاج يمكن أن نتوقعه ؟ طبعاً، الاستنتاج التالي : لما كان العمل مصدر كل ثروة، فما من إنسان في المجتمع يستطيع ان يستأثر بالثروة بدون الاستئثار بنتاج العمل. فإذا كان هذا الإنسان لا يشتغل بنفسه، فانه يعيش على حساب عمل الآخرين، بل انه يكسب ثقافته أيضاً على حساب عمل الآخرين". وبدلا من هذا الاستنتاج، يضيفون إلى الجملة الأولى جملة ثانية بواسطة التعبير "ولما"، لكي يستخلصوا من الثانية، لا من الأولى، استنتاجاً. القسم الثاني من الفقرة : "العمل المفيد غير ممكن إلا في مجتمع وبواسطة المجتمع". وفقاً للموضوعة الأولى، كان العمل مصدر كل ثروة وكل ثقافة، وبالتالي لا يمكن أن يكون ثمة مجتمع دون عمل. ولكن، ها نحن نعتم بالعكس إن العمل "المفيد" غير ممكن بدون المجتمع. وعلى هذا المنوال، يمكن القول أيضاً إن في المجتمع فقط يمكن للعمل غير المفيد، وحتى الضار اجتماعياً، أن يصبح فرعا من فروع الصناعة، وأن في المجتمع فقط للمرء أن يعيش بدون عمل، الخ.، الخ.. – أي انه، بكلمة موجزة، يمكن استنساخ كل روسو. وما هو العمل "المفيد" ؟ انه ليس العمل الذي يعطي النتيجة المفيدة المرغوب فيها. فالإنسان المتوحش – وقد كان الإنسان متوحشاً بعد أن كف عن يكون قرداً – الذي يقتل حيواناً بضربة حجر، أو يقطف الثمر، الخ.، إنما يقوم بعمل "مفيد". ثالثا. الاستنتاج : "ولما كان العمل المفيد غير ممكن إلا في المجتمع وبواسطة المجتمع، فان دخل العمل يخص بشكله غير المنقوص، وبالحق المتساوي، جميع أعضاء المجتمع". فيا له من استنتاج ظريف ! فإذا كان العمل المفيد غير ممكن إلا في المجتمع وبواسطة المجتمع، فان دخل العمل يخص المجتمع، ولا يعود إلى الشغيل بمفرده من هذا الدخل إلا شيء يزيد عما لا غنى عنه لبقاء المجتمع بوصفه "شرط" العمل. وبالفعل، كان المدافعون عن كل نظام اجتماعي قائم يتقدمون في جميع الأزمان بهذه الموضوعة. أولا، ترد ادعاءات الحكومة، مع كل ما يلتصق بها، لأن الحكومة، كما يقال، هي جهاز المجتمع للمحافظة على النظام الاجتماعي ؛ ثم ترد ادعاءات شتى أنواع الملكية الخاصة، لأن شتى انواع الملكية الخاصة هي كلها، كما يقال، أساس المجتمع، الخ.. وهكذا نرى أن جميع هذه الجمل الفارغة يمكن قلبها وتفسيرها حسب الرغبة. ولن يكون ثمة أي ترابط منطقي بين القسم الأول والقسم الثاني من هذه الفقرة إلا إذا وضعناها كما يلي : "إن العمل لا يكون مصدراً للثروة والثقافة إلا إذا كان عملا اجتماعياً"، أو، بتعبير آخر يؤدي المعنى نفسه، "في المجتمع وبواسطة المجتمع". إن هذه الموضوعة صحيحة لا جدال فيها لأن العمل المنفرد (هذا إذا افترضنا وجود شروطه المادية)، إذا كان يستطيع أن يخلق قيماً استعمالية، إنما لا يستطيع أن يخلق لا الثروة ولا الثقافة. ولكن الموضوعة الأخرى صحيحة أيضاً ولا جدال فيها : "وبقدر ما يتطور العمل تطوراً اجتماعياً ويغدو بالتالي مصدراً للثروة والثقافة، بقدر ما يشتد الفقر والإملاق عند العامل، وتتعاظم الثروة والثقافة عند غير العامل". ذلك هو قانون التاريخ برمته حتى الآن. فبدلا من الجمل والتعابير العامة حول "العمل" و"المجتمع"، كان ينبغي إذن أن يوضع هنا بدقة كيف تكوّنت في نهاية الأمر، في ظل المجتمع الرأسمالي الحالي، الشروط المادية وغيرها من الشروط التي تجعل العمال قادرين على دك هذه اللعنة الاجتماعية وتدفعهم إلى تحطيمها. ولكن كل هذه الفقرة، غير الموفقة شكلا والخاطئة أساساً، لم ترد هنا إلا لكي يستطاع كتابة الصيغة اللاسالية "دخل العمل غير المنقوص"، كأول شعار على راية الحزب. وسأعود فيما بعد إلى "دخل العمل" و"الحق المتساوي"، الخ..، لأن الشيء نفسه يتكرر فيما بعد على نحو مختلف نوعاً. 2- "إن وسائل العمل في المجتمع الحالي هي احتكار الطبقة الرأسمالية. وتبعية الطبقة العاملة، الناجمة عن هذا الوضع، هي سبب البؤس والاستبداد بكلا أشكالهما". إن هذه الفقرة، المقتبسة من نظام الأممية الداخلي، خاطئة بهذه الصيغة "المحسنة". فان وسائل العمل في المجتمع الحالي هي احتكار الملاكين العقاريين (بل إن احتكار الملكية العقارية هو ساس الاحتكار الرأسمالي) والرأسماليين. إلا أن نظام الأممية الداخلي ى يذكر في المقطع المعني، لا الطبقة الاحتكارية الأولى ولا الثانية. إنما يشير إلى "احتكار وسائل العمل أي مصادر الحياة". إن إضافة كلمتي "مصادر الحياة" تبين كفاية إن الأرض هي في عداد وسائل العمل. وقد اجري هذا التحسين لأن لاسال، لأسباب غدت معروفة اليوم لدى الجميع، كان يهاجم الطبقة الرأسمالية وحدها، دون الملاكين العقاريين. ففي انجلترا، لا يكون الرأسمالي، عادة، مالكا حتى للأرض التي يقوم عليها مصنعه. 3- "إن تحرير العمل يتطلب رفع وسائل العمل إلى مستوى ملكية المجتمع بأسره، وضبط العمل الإجمالي بصورة جماعية مع توزيع دخل العمل توزيعا عادلاً". "إن رفع وسائل العمل إلى مستوى ملكية المجتمع بأسره" (!) يعني على ما يبدو "تحويلها إلى ملكية للمجتمع بأسره"، ونقول هذا عرضاً. ما المقصود ب"دخل العمل ؟" أهو نتاج العمل أم قيمته؟ فإذا عنيت قيمته، فهل قيمة النتاج الإجمالية أو فقط القسم من البقية الذي أضافه العمل إلى قيمة وسائل الإنتاج المستهلكة؟ إن "دخل العمل" عبارة عن فكرة غامضة كان لاسال يتخذها بدلا من مفاهيم اقتصادية واضحة. وما هو "التوزيع العادل"؟ ألا يدّعي البرجوازيون أن التوزيع الحالي "عادل"؟ وبالفعل، أليس التوزيع الحالي التوزيع "العادل" الوحيد على أساس أسلوب الإنتاج الحالي؟ وهل العلاقات الاقتصادية تنظمها المفاهيم الحقوقية أم الأمر على العكس، أي أن العلاقات الحقوقية هي التي تنبثق من العلاقات الاقتصادية ؟ ثم، ألا يتبنى أصحاب الشيع الاشتراكية المختلفة، أكثر الآراء تبايناً حول هذا التوزيع "العادل" ؟ فلكي ندرك ما هو المقصود هنا بهاتين الكلمتين : التوزيع "العادل"، ينبغي لنا ان نقارن الفقرة الأولى بالفقرة الثالثة. فالفقرة الثالثة تفترض مجتمعاً "تكون قيه وساءل العمل ملكية المجتمع بأسره، ويضبط فيه العمل الإجمالي بصورة جماعية"، بينما تقول لنا الفقرة الأولى "إن دخل العمل بخص بكليته وبالحق المتساوي، جميع أعضاء المجتمع". "جميع أعضاء المجتمع"؟ حتى أولئك الذين لا يشتغلون؟ وإذ ذاك، أين هو "دخل العمل غير المنقوص"؟ مجرد أعضاء المجتمع الذين يشتغلون؟ فأين هو إذن "الحق المتساوي" بين جميع أعضاء المجتمع؟ ولكن "جميع أعضاء المجتمع" و"الحق المتساوي" ليسا سوى مجرد جملتين. أما الجوهر، فقوامه انه ينبغي في هذا المجتمع الشيوعي أن ينال كل شغيل، كما يقول لاسال، "دخل العمل غير المنقوص". فإذا أخذنا أولاً كلمتي "دخل العمل" بمعنى نتاج العمل، فان دخل العمل الجماعي يعني حينذاك النتاج الاجتماعي الإجمالي. والآن، ينبغي أن نقتطع منه: أولاً، ما نستعيض به عن وسائل الإنتاج المستهلكة. ثانياً، قسماً أضافياً لتوسيع الإنتاج؛ ثالثاً، أموالا للاحتياط أو للتأمين ضد الطوارىء، والكوارث الطبيعية، الخ.. إن هذه الاقتطاعات من "دخل العمل غير المنقوص" تحتمها الضرورة الاقتصادية، وتتحدد مقاديرها وفقاً للوسائل والقوى المتوافرة، وجزئياً بموجب حساب الاتفاق؛ ولكنها في مطلق الأحوال لا يمكن تحديدها على أساس العدالة. يبقى القسم الآخر من النتاج الإجمالي، وهو القسم المعد للاستهلاك. ولكن قبل الشروع بتوزيعه على الأفراد منه أيضاً: أولاً، النفقات الإدراية العامة، التي لا علاقة مباشرة لها بالإنتاج. إن هذا الجزء سيهبط فوراً هبوطاً ملحوظاً بالقياس إلى قدره في المجتمع الحالي، وسيقل بقدر ما يتطور المجتمع الجديد. ثانياً، ما هو معذّ لتلبية حاجيات المجتمع المشتركة، من مدارس، ومؤسسات صحية، الخ. إن هذا الجزء سيزداد فوراً زيادة كبيرة بالقياس إلى قدره في المجتمع الحالي، وسينمو بقدر ما يتطور المجتمع الجديد. ثالثاً، الأموال الضرورية لإغاثة العاجزين عن العمل، الخ.، أي، بكلمة موجزة، ما يعود إلى ما يسمى اليوم بإغاثة الفقراء الرسمية. وبعد ذلك فقط، نصل إلى ذلك "التوزيع" الذي لا يعني البرنامج إلا إياه، تحت تأثير لاسال، وبصورة ضيقة، محدودة، أي إلى هذا القسم من أشياء الاستهلاك الذي يوزع بصورة إفرادية بين منتجي المجتمع. وهكذا تحوّل "دخل العمل غير المنقوص" بصورة غير محسوسة إلى "دخل منقوص"، رغم أن ما يؤخذ من المنتج، بوصفه فرداً، إنما يعود عليه بالنفع من جديد، مباشرة أم بصورة غير مباشرة، بوصفه عضواً في المجتمع. وكما أن تعبير "دخل العمل المنقوص" قد ذاب واختفى، كذلك يذوب ويختفي تعبير "دخل العمل" بوجه عام. في مجتمع قائم على المبادئ الجماعية، قائم على الملكية العامة لوسائل الإنتاج، لا يتبادل المنتجون منتجاتهم ؛ إن العمل المبذول على المنتجات لا يظهر في هذا النظام الاجتماعي على انه قيمة هذه المنتجات، على انه صفة مادية تنطوي عليها المنتجات، إذ انه خلافاً لما يجري في المجتمع الرأسمالي، يغدو عمل الفرد بصورة مباشرة، لا بصورة غير مباشرة، جزءاً لا يتجزأ من عمل المجتمع. وهكذا، إن تعبير "دخل العمل"، الذي لا يصمد للنقد حتى في أيامنا هذه بسبب إبهامه، يفقد كل معنى. إن ما نواجهه هنا، إنما هو مجتمع شيوعي لا كما تطور على أسسه الخاصة بل بالعكس، كما يخرج لتوه من المجتمع الرأسمالي، أي مجتمع لا يزال، من جميع النواحي، الاقتصادية والأخلاقية والفكرية، يحمل سمات المجتمع القديم الذي خرج من أحشائه. فالمنتج يتلقى إذن بصورة فردية –بعد جميع الاقتطاعات- ما يوازي تماماً ما قدمه للمجتمع. وما قدمه للمجتمع، إنما هو نصيبه الفردي من العمل. مثلا، أن يوم العمل الاجتماعي يمثل مجمل ساعات العمل الفردية ؛ ووقت العمل الفردي الذي بذله كل منتج هو النصيب الذي قدمه من يوم العمل الاجتماعي، هو القسط الذي أسهم به في هذا العمل. وهو يتلقى من المجتمع سنداً يثبت انه قدّم قدراً معيناً من العمل (بعد اقتطاعات العمل المبذول من اجل الصناديق الاجتماعية) وبهذا السند، يأخذ من المخزون الاجتماعي كمية من أشياء الاستهلاك تناسب قدر عمله. وهكذا فان نفس النصيب من العمل الذي قدمه للمجتمع بشكل معين، إنما يتلقاه من المجتمع بشكل آخر. ومن الواضح أننا نواجه هنا نفس المبدأ الذي ينظم تبادل البضائع طالما انه تبادل قيم متساوية. إن المحتوى والشكل يتغيران لأنه، نظراً لتغير الأحوال، لا يستطيع احد أن يقدّم شيئاً غير عمله، هذا من جهة، ولأنه، من جهة أخرى، لا يمكن لغير أشياء الاستهلاك الفردي أن يدخل في ملكية الفرد. أما فيما يتعلق بتوزيع هذه الأشياء بين المنتجين بصورة فردية، فان المبدأ الموجه هو نفس المبدأ الذي يسود فيما يتعلق بتبادل البضائع المتعادلة : فان قدراً معيناً من العمل بشكل ما يبادل لقاء نفس القدر من العمل بشكل آخر. وهكذا فان الحق المتساوي يظل هنا، من حيث المبدأ، الحق البرجوازي، رغم ان المبدأ والتطبيق العملي يكفان عن التناقض هنا، في حين أن تبادل القيم المتعادلة لا يبقى في ظل تبادل البضائع إلا بصورة وسطية، لا في كل من الحالات. ورغم هذا التقدم، يظل هذا الحق المتساوي محصوراً من ناحية واحدة ضمن حدود برجوازية. فان حق المنتج يتناسب مع العمل الذي بذله ؛ والمساواة تتجلى هنا في اتخاذ العمل وحدة مشتركة للقياس. ولكن، رب فرد يتفوّق جسدياً أو فكرياً على فرد آخر، فهو إذن يقدّم، خلال الوقت نفسه، قدراً اكبر من العمل أو انه يستطيع أن يعمل وقتاً أطول ؛ ولكن يكون العمل مقياساً، ينبغي أن يتحدد بمدته أو شدّته، وإلا كفّ عن أن يكون وحدة للقياس. إن هذا الحق المتساوي هو حق غير متساو لقاء عمل غير متساو ؛ فهو لا يقر بأي امتياز طبقي لأن كل إنسان ليس سوى شغيل كغيره ؛ ولكنه يقرّ ضمناً بعدم المساواة في الملكات الفردية، وبالتالي في الكفاءات الإنتاجية بوصفها امتيازات طبيعية. فهو إذن، من حيث المحتوى، حق قائم على عدم المساواة، ككل حق. فالحق، بحكم طبيعته، لا يمكن أن يتجلى إلا في استعمال نفس الوحدة القياسية ؛ ولكن الأفراد غير المتساوين (ولن يكونوا أفراداً متمايزين إذا لم يكونوا غير متساوين) لا يمكن قياسهم وفقاً لوحدة مشتركة إلا بقدر ما يرى إليهم من وجهة النظر نفسها، إلا بقدر ما يرى إليهم من زاوية معينة، واحدة، مثلا، في الحالة المعينة، حيث لا يرى إليهم إلا بوصفهم عمالا، لا أكثر، وبصورة مستقلة عن كل الباقي. وبعد : رب عامل متزوج، والآخر عازب ؛ ورب رجل عنده من الأولاد أكثر من رجل آخر ؛ الخ.. وهكذا، لقاء العمل المتساوي، وبالتالي مع الاستفادة المتساوية من الصندوق الاجتماعي للاستهلاك، يتلقى احدهم بالفعل أكثر من الآخر، ويظهر أغنى منه، الخ.. ولاجتناب كل هذا، لا ينبغي أن يكون الحق متساوياً، بل ينبغي أن يكون غير متساو. ولكنها تلك عيوب محتومة لا مناص منها في الطور الأول من المجتمع الشيوعي كما يخرج من المجتمع الرأسمالي بعد مخاض طويل وعسير.فالحق لا يمكن أبداً أن يكون في مستوى أعلى من النظام الاقتصادي ومن درجة التمدن الثقافي التي تناسب هذا النظام. وفي الطور الأعلى من المجتمع الشيوعي، بعد أن يزول خضوع الأفراد المذل لتقسيم العمل ويزول معه التضاد بين العمل الفكري والعمل الجسدي ؛ وحين يصبح العمل، لا وسيلة للعيش وحسب، بل الحاجة الأولى للحياة أيضاً ؛ وحين تتنامى القوى المنتجة مع تطور الأفراد في جميع النواحي، وحين تتدفق جميع ينابيع الثروة العامة بفيض وغزارة، -حينذاك فقط، يصبح بالإمكان تجاوز الأفق الضيق للحق البرجوازي تجاوزاً تاماً، ويصبح بإمكان المجتمع أن يسجل على رايته : من كل حسب كفاءاته، ولكل حسب حاجاته ! لقد توسعت بخاصة حول "دخل العمل غير المنقوص" من جهة، وكذلك حول "الحق المتساوي" و"التوزيع العادل"، من جهة أخرى، لكي أبين أية جريمة كبيرة ترتكب، من جهة، حين يراد من جديد أن تفرض على حزبنا، كعقائد جامدة، مفاهيم كان لها بعض المعنى في مرحلة معينة، ولكنها لم تبق اليوم سوى عبارات مطروقة باطلة، ومن جهة أخرى، حين يراد تشويه النظرة الواقعية التي كلفت جهوداً طائلة لبثها في صفوف الحزب، ولكنها التي رسخت فيه عميقا اليوم، وذلك بواسطة مفاهيم حقوقية خرقاء وغير ذلك من الأضاليل الشائعة بين الديمقراطيين وبين الاشتراكيين الفرنسيين. وبصرف النظر عما قيل آنفاً، كان من الخطأ على وجه العموم أن يجعل مما يسمى التوزيع الأمر الأساسي وان يصار إلى إبرازه. فان توزيع أشياء الاستهلاك، في كل عصر وطور، ليس سوى نتيجة لتوزيع شروط الإنتاج نفسها. ولكن توزيع هذه الأخيرة يعبر عن طابع أسلوب الإنتاج بالذات. فان أسلوب الإنتاج الرأسمالي، مثلاً، يرتكز على كون شروط الإنتاج المادية بشكل ملكية الرأسمال وملكية الأرض، تقع في أيدي غير الشغيلة بينما سواد الناس لا يملكون سوى الشرط الشخصي للإنتاج – قوة العمل. وإذا كانت عناصر الإنتاج موزعة على هذا النحو، فان التوزيع الحالي لأشياء الاستهلاك ينبع منه تلقائياً. فإذا غدت شروط الإنتاج المادية ملكية عامة للعمال أنفسهم، تغير توزيع أشياء الاستهلاك عما هو عليه الآن. إن الاشتراكية المبتذلة (ومن خلالها أيضاً قسماً من الديمقراطية) قد اقتبست من الاقتصاديين البرجوازيين عادة اعتبار التوزيع وبحثه بوصفه أمرا مستقلاً عن أسلوب الإنتاج، وعادة تصوير الاشتراكية بالتالي كأنها تدور في الأساس حول قضايا التوزيع. ولكن حين تكون العلاقات الفعلية قد اتضحت منذ زمن بعيد. فما الفائدة من العودة إلى الوراء ؟ 4- "إن تحرير العمل ينبغي أن يكون من صنع الطبقة العاملة التي لا تشكل جميع الطبقات الأخرى إزاءها سوى كتلة رجعية واحدة". إن الجملة الأولى مستقاة من مقدمة نظام الأممية الداخلي، ولكنها واردة بصيغة "محسنة". فان هذه المقدمة تقول : "إن تحرير الطبقة العاملة ينبغي أن يكون من صنع العمال أنفسهم"، ولكن "الطبقة العاملة"، هنا، ترى، ماذا عليها أن تحرر؟ - "العمل". فافهم إذا كنت قادراً على الفهم. وبالمقابل، يتحفوننا بجملة إضافية موصولة، مستقاة من أعمق ينابيع لاسال : "(الطبقة العاملة) التي لا تشكل جميع الطبقات الأخرى إزاءها سوى كتلة رجعية واحدة". لقد جاء في "البيان الشيوعي" قوله: "ليس بين جميع الطبقات التي تقف الآن أمام البرجوازية وجهاً لوجه إلا طبقة واحدة ثورية حقاً، هي البروليتاريا. فان جميع الطبقات الأخرى تنحط وتهلك مع نمو الصناعة الكبرى، إما البروليتاريا فهي، على العكس من ذلك، اخص منتجات هذه الصناعة". وهكذا يرى في هذا المقطع إلى البرجوازية – بوصفها عامل الصناعة الكبيرة – على إنها طبقة ثورية بالنسبة للإقطاعيين والفئات المتوسطة، الذين يرغبون في الحفاظ لأنفسهم على جميع المراكز الاجتماعية الباقية عن أساليب الإنتاج البالية. فالإقطاعيون والفئات المتوسطة لا يشكلون إذن مع البرجوازية كتلة رجعية واحدة. ومن جهة أخرى، نرى إن البروليتاريا ثورية بالنسبة للبرجوازية’ لأنها، وهي التي نشأت ونمت وترعرعت على أساس الصناعة الكبيرة. تقصد أن تنزع عن الإنتاج هذا الطابع الرأسمالي الذي تحاول البرجوازية تخليده. ولكن "البيان الشيوعي" يضيف قائلاً : إن "الفئات المتوسطة" تغدو ثورية "إذ ينتظرها السقوط إلى صفوف البروليتاريا". ومن وجهة النظر هذه، كان خطل الرأي إن يقال عن الفئات المتوسطة إنها "تشكل مع البرجوازية"، ومع الإقطاعيين أيضا، "كتلة رجعية واحدة" بالنسبة للطبقة العاملة. فإبان الانتخابات الأخيرة، ترى، هل قيل للحرفيين وصغار الصناعيين، الخ..، والفلاحين : "إنكم لا تشكلون مع البرجوازيين والإقطاعيين سوى كتلة رجعية واحدة بالنسبة إلينا"؟ لقد كان لاسال يعرف "البيان الشيوعي" عن ظهر قلب، كما إن إتباعه الأمناء يعرفون الكتابات المقدسة التي دبجها هو بنفسه . فإذا كان قد زوّر "البيان الشيوعي" بمثل هذه الفظاظة، فانه شاء فقط إن يبرر تحالفه مع الأخصام الإقطاعيين والمستبدين ضد البرجوازية. وفضلا عن ذلك، تبدو الحكمة اللاسالية الواردة في الفقرة المذكورة آنفاً، كأنها ملصوقة لصقا، ولا تمت بأية صلة إلى الاستشهاد "المحسن" بشكل اخرق من نظام الأممية الداخلي. وهكذا نجد أنفسنا هنا أمام وقاحة، ووقاحة، في الحقيقة، لا تزعج السيد بيسمارك أبداً، أمام فظاظة من هذه الفظاظات الرخيصة التي اشتهر بها مارا برلين9. 5- "إن الطبقة العاملة تعمل على تحرير نفسها أولا في نطاق الدولة القومية الحالية، وهي على علم تام بان النتيجة الضرورية لجهودها التي يشاركها بها عمال جميع البلدان المتمدنة، ستكون تآخي الشعوب العالمي". خلافا "البيان الشيوعي" ولكل الاشتراكية السابقة، كان لاسال قد رأى إلى الحركة العمالية من أضيق وجهات النظر القومية. وها هم يقتفون خطواته في هذا الميدان، وذلك بعد ما قامت به الأممية من أعمال! وغني عن البيان تماماً انه ينبغي للطبقة العاملة، لكي تستطيع النضال على وجه العموم، إن تنتظم حيثما هي بوصفها طبقة، وان بلادها بالذات هي الميدان المباشر لنضالها. ولهذا كان نضالها الطبقي قومياً، لا من حيث المحتوى، بل، كما يقول "البيان الشيوعي"، "من حيث الشكل". ولكن "نطاق الدولة القومية الحالية"، مثلا، نطاق الإمبراطورية الألمانية، يدخل أيضا بدوره، اقتصادياً "في نطاق السوق العالمية"، وسياسياً "في نطاق نظام الدول". فان أول تاجر تصادفه يعرف إن التجارة الألمانية هي في الوقت نفسه تجارة خارجية، وان عظمة السيد بيسمارك تكمن على وجه الدقة في انتهاجه نوعاً معيناً من السياسة الدولية. وعلام يقصر حزب العمال الألماني أمميته؟ على إدراك أن نتيجة جهوده ستكون "تآخي الشعوب العالمي". وتلك جملة مقتبسة عن عصبة السلام والحــرية10 البرجوازية، ويقصد منها أن تعني شيئاً يساوي التآخي العالمي بين الطبقات العاملة في البلدان المختلفة في نضالها المشترك ضد الطبقات السائدة وحكوماتها. ولكننا لا نجد كلمة واحدة عن المهمات الأممية للطبقة العاملة الألمانية! وهذا كل ما يقترحونه على الطبقة العاملة الألمانية لمعارضة برجوازيتها الخاصة التي تآخت ضدها مع برجوازية جميع البلدان الأخرى ولمعارضة سياسة السيد بيسمارك القائمة على التآمر الدولي! وبالفعل، إن نزعة البرنامج الأممية أدنى إلى ما لا حد له، من النزعة الأممية التي يتصف بها حزب التجارة الحرة. قان هذا الحزب أيضا يزعم أن نتيجة عمله ستكون "تآخي الشعوب العالمي". ولكنه على الأقل يعمل شيئاً ما لجعل التجارة عالمية، ولا يكتفي أبدا بأن يعرف أن كل شعب يتعاطى التجارة في بلاده. إن نشاط الطبقة العاملة في مختلف البلدان لا يتوقف، في حال من الأحوال، على وجود "جمعية الشغيلة العالمية". فان هذه المنظمة كانت فقط أول محاولة لتزويد هذا العمل بجهاز مركزي، محاولة كانت لها نتائج لا تمحى بسبب من الاندفاع الذي بثته، ولكنه لم يبق من الممكن القيام بها، بشكلها التاريخي الأول، بعد سقوط كمونة باريس11. لقد كانت صحيفة بسمارك، "Norddeutsche"، على تمام الحق حين أعلنت، لما فيه رضى صاحبها، إن حزب العمال الألماني قد جحد النزعة الأممية في برنامجه الجديد12. وانتقل الآن إلى القسم الديموقراطي : أ – "أساس حر للدولة". أولا : وفقاً لما جاء في الفصل الثاني، يسعى الحزب الألماني إلى تحقيق "الدولة الحرة". الدولة الحرة – ولكن ما هي ؟ ان جعل الدولة حرة ليس مطلقاً هدف العمال الذين تحرروا من عقلية الخضوع والذل الضيقة المحدودة. فان "الدولة" في الإمبراطورية الألمانية تكاد تكون "حرة" كما هي عليه في روسيا. إن الحرية هي في تحويل الدولة من جهاز فوق المجتمع إلى جهاز خاضع بكليته لهذا المجتمع؛ وحتى في أيامنا، تتفاوت أشكال الدولة حرية بقدر ما تحد من "حرية الدولة". إن حزب العمال الألماني، - إذا تبنى هذا البرنامج على الأقل، - يكشف مدى النقص في استيعابه الأفكار الاشتراكية؛ وهو، بدلا من أن يعتبر المجتمع الحالي (وهذا القول يصح بالنسبة لكل مجتمع مقبل أيضاً) "أساس" الدولة الحالية (أو المجتمع المقبل أساساً للدولة المقبلة)، يعتبر الدولة، على العكس، واقعاً مستقلاً له "أسسه الروحية والأخلاقية والحرة" الخاصة. ثم أي سوء استعمال فظ في البرنامج لكلمات "الدولة الحالية"، "المجتمع الحالي"، وكذلك أي سوء فهم، اخشن أيضاً، لتلك الدولة التي يتقدم منها بمطالبه ! إن "المجتمع الحالي"، إنما هو المجتمع الرأسمالي القائم في جميع البلدان المتمدنة وقد تطهر إلى هذا الحد أو ذاك من عناصر القرون الوسطى وعدلته إلى هذا الحد أو ذاك خصائص التطور التاريخي في كل بلد من البلدان، وتطور إلى هذا الحد أو ذاك. أما "الدولة الحالية"، فإنها، على العكس، تتغير مع الحدود. فهي في الإمبراطورية البروسية الألمانية غيرها في سويسرا، وهي في انجلترا غيرها في الولايات المتحدة. "فالدولة الحالية" إذن مجرد وهم من الأوهام. ومع ذلك فان مختلف الدول في مختلف البلدان المتمدنة تتصف جميعها بطابع مشترك، رغم تنوع أشكالها، هو أنها تقوم في ارض المجتمع البرجوازي الحديث، المتطور رأسمالياً إلى هذا الحد أو ذاك. ولذا فإنها تشترك ببعض الصفات الجوهرية. وبهذا المعنى يمكن الحديث عن "الدولة الحالية" خلافا لدولة المستقبل حيث يزول المجتمع البرجوازي الذي تنبثق منه الآن. ثم يوضع السؤال التالي : أي تحول يطرأ على الدولة في المجتمع الشيوعي ظ وبتعبير آخر : أية وظائف اجتماعية مماثلة للوظائف الحالية للدولة تظل قائمة في المجتمع الشيوعي ؟ العلم وحده يستطيع الجواب عن هذا السؤال؛ ولن ندفع القضية إلى أمام قيد شعرة ولو قلنا بألف طريقة كلمة "الشعب" بكلمة "الدولة". بين المجتمع


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني