PCP

يا عمال العالم اتحدوا

مدخل لمقاربة العولمة في ضوء المنهج المادي1 /2

منذ تسعينات القرن الماضي،وبالتحديد بعد إنهيار منظومة الدول الإشتراكية المحققة،برزت العولمة Globalization ،كظاهرة غزت العالم بأسره وطبعته بسماتها، مستحوذة على حيز كبير في حقل الدراسات والكتابات التي قاربتها فإنقسمت الى تيارين كبيرين: تيار مؤيد للعولمة بالمطلق ويدعو الى ضرورة الإنخراط بها مبرراً دعوته بالتطور الذي يشهده العالم وما حمله من سقوط لبعض الأفاهيم التي ما عادت مناسبة للتطور التقني والإنتاجي على الصعد كافة،وتيار آخر يرفض العولمة بالمطلق على قاعدة الخصوصية والحفاظ على الذات والهوية في مواجهة العولمة مما يقود الى مزيد من التقوقع والإنغلاق.بين التيارين برزت كتابات ودراسات تدعو للأخذ بإيجابيات العولمة وترك سلبياتها.ولكل تيار مسوغاته التي يبرر بها موقفه من العولمة إن ايجاباً أو سلباً أو كموقف إنتقائي.والإختلاف في الموقف من ظاهرة العولمة عند انعام النظر فيه يعود الى إختلاف الموقع الطبقي للناظرين فيها في البنية الاجتماعية الشاملة وإن حجب موقفه بأشكال مختلفة.والقاسم المشترك في معظم الكتابات والدراسات المختلفة في ما بينها،في الشكل،هو اتفاقها،في أسها،على ممارسة عملية فصل منهجي لظاهرة العولمة عن نمط الإنتاج الرأسمالي الذي ولدت من رحمه في المرحلة التاريخية الراهنة،أي فصلها عن تطور نمط الإنتاج الرأسمالي،وعملية الفصل المنهجي تعكس طبيعة الموقع الطبقي للناظرين فيها.وهنا تكمن أهمية إعتماد المنهج المادي الماركسي – اللينيني في مقاربة ظاهرة العولمة من موقع الإختلاف الطبقي وليس من موقع التماثل الطبقي، وبالتالي عدم فصل ظاهرة العولمة عن نمط الإنتاج الذي ولدها في عملية تطوره التوسعي، وهي بذلك مقاربة لنمط الإنتاج الرأسمالي الذي بحكم قوانينه يؤبد الإستغلال الطبقي وإغتراب المنتجين بأيديهم وأدمغتهم عن إنتاجهم. تأسيساً على عدم فصل ظاهرة العولمة عن نمط الإنتاج الرأسمالي نقاربها نفيياً بعرض مكثف لنمط الإنتاج الرأسمالي من حيث نشأته وتطوره. نشأة الرأسمالية وتطورها: في نهاية المرحلة الإقطاعية تحولت علاقات الإنتاج فيها الى عائق أمام التطور الجديد والهائل للقوى المنتجة،وكان ذلك في بداية تحول الحرفيين الى برجوازيين يعتمدون على الصناعة وإمتلاك وسائل الإنتاج فيها،ويعود ذلك الى عامل رئيسي هو أن الحدود والعوائق التي كانت قائمة بين الإقطاعات المختلفة حدت من حرية التبادل،وبالتالي حدت من تطور البرجوازية ونشاطها الصناعي. هذا التناقض أثار صراعاً كانت نتيجته سقوط المجتمع الإقطاعي وقيام المجتمع الرأسمالي مكانه الذي تميز بأن الطبقة المالكة الرئيسية فيه صارت طبقة البرجوازية الكبرى التي تملك وسائل الإنتاج الأساسية (معامل، أدوات إنتاج مختلفة، ومال، أي ما يشكل رأس المال)،في الطرف النقيض لها طبقة البروليتاريا التي لا تملك سوى قوة عملها المباعة للرأسمالي لقاء أجر لا يتجاوز تأمين البقاء على قيد الحياة وتجديد قوة العمل.ويساوي هذا الأجر، بشكل عام،المعدل الوسطي لقيمة الإحتياجات الضرورية،المادية والروحية،لبقاء العامل وتجديد قوة عمله،أي ما يساوي قيمة قوة العمل.والخاصية الأساسية لعمل الإنسان أنه يخلق،في ما ينتجه من سلع وأدوات،قيمة أكبر من قيمة إحتياجات الحد الأدنى لتجديد قوة العمل.والفرق بين القيمتين يعرف بالقيمة الزائدة Surplus Value التي يملكها الرأسمالي نتيجة إمتلاكه وسائل الإنتاج ويحقق منها الربح القائم على إستغلال الإنسان للإنسان. وفي المجتمع الرأسمالي عدة طبقات وفئات إجتماعية غير الطبقتين الرئيسيتين النقيضتين : البرجوازية الكبرى والبروليتاريا،كالبرجوازية المتوسطة والصغيرة والملاك العقاريين (الذين حلوا مكان الإقطاعيين في ملكية الأرض) والفلاحين المتوسطين والصغار والعمال الزراعيين...الخ. ويمكن تحديد نشأة الرأسمالية وتحولها الى إمبريالية من خلال عرض،بشكل مكثف ومركز، النقاط التالية: 1 – بعد فترة من صراع حاد عاشته أوروبا بين الإقطاعية والبرجوازية الناشئة،شكل العمال والفلاحون قوته الجماهيرية،فانتصرت علاقات الإنتاج الرأسمالية الملائمة لتطور القوى المنتجة الجديدة التي أوجدتها الثورة الصناعية والعلمية في نهايات القرون الوسطى على علاقات الإنتاج الإقطاعية.وكون البرجوازية في مرحلتها التاريخية الأولى كانت تعبر عن حركة تقدمية من المجتمع الرأسمالي فقد حطمت القيود الإقطاعية ووحدت البلد في دولة قومية واحدة،لذلك إرتبطت القومية،بهذا المعنى،بصعود البرجوازية. 2 – ساعدت علاقات الإنتاج الرأسمالية،في بدايتها،القوى المنتجة الجديدة على التطور،وشهد العالم تغيرات على المستويات كافة،التقنية والحضارية والثقافية والسياسية والعسكرية،لم يسبق أن شهد التاريخ السابق مثيلا ً لها. 3 – بفضل القوانين الخاصة بالنظام الرأسمالي،وتحديداً قانون العلاقة بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج،ومن أجل تجاوز التناقض الذي كان قد بدأ بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج الرأسمالية،تخطت الرأسمالية حدودها القومية وانطلقت في عملية غزو واسعة لكل أنحاء الكرة الأرضية متحولة الى نظام إمبريالي عالمي.ومع هذا التحول تحول الدور القومي للبرجوازية من دور تقدمي الى دور رجعي،إذ إستعمرت برجوازية البلدان المتطورة قوميات أخرى وعملت دون تقدمها وتطورها. 4 – تحول الرأسمالية الى نظام عالمي لم يسمح لها بتجاوز التناقض بين قواها المنتجة وعلاقات إنتاجها،بل أدى الى تصاعد وتيرة أزماتها الإقتصادية والى إنفجار حروب إقتسام وإعادة إقتسام العالم من قبل الدول الإمبريالية المختلفة. 5 – مع وصول الرأسمالية الى مرحلة أزمتها لم يعد الصراع ضدها مقتصراً على بروليتاريا بلدانها،بل صار يشمل الشعوب المستعمرة،إن بشكل مباشر: إستعمار عسكري- سياسي- إقتصادي،أو بشكل غير مباشر: إستعمار سياسي- إقتصادي.وبالتالي صارت مواجهة هكذا إستعمار تتخطى القوميات صارت مواجهة أممية،لأنه إستعمار موجه ضد جميع شعوب وقوميات العالم. ولقد حدد لينين السمات الرئيسية للإمبريالية بما يلي: "1 – تمركز الإنتاج والرأسمال تمركزاً بلغ في تطوره هذا من العلو أدى الى نشوء الإحتكارات التي تلعب دور الفاصل في الحياة الإقتصادية. 2 – إندماج الرأسمال البنكي في الرأسمال الصناعي ونشؤ الطغمة المالية على أساس الرأسمال هذه. 3 – تصدير الرأسمال خلافاً لتصدير البضائع يكتسب أهمية في منتهى الخطورة. 4 – شكل إتحاد رأسماليين وإحتكاريين عالمية تقتسم العالم. 5 – إنتهى تقاسم الأرض إقليمياً فيما بين كبريات الدول الرأسمالية".[1] ظاهرة تصدير رؤوس الأموال توضح السمات سالفة الذكر مدى راهنية الماركسية-اللينينية في تحليل تطور نمط الإنتاج الرأسمالي العالمي،الذي بات يعرف اليوم وفي المرحلة التاريخية الراهنة بالعولمة،فالرأسمالية دائمة البحث عن أسواق جديدة لها تختلف،في الشكل،عن سابقتها،ولكن تتماثل معها في أسها.وأحد أوجه إختلاف العولمة عن الإمبريالية في المرحلة التاريخية الراهنة من تطور النظام الرأسمالي العالمي التوسعي،هوتصدير رؤوس الأموال الى الدول التي لم تعد مصدرة للخامات ومستهلكة لمنتوجات الدول الإمبريالية وحسب،بل صارت دولا ً إستهلاكية- إنتاجية من ناحية، وإستهلاكية- خدماتية من ناحية ثانية،يحكمها قانون السوق المعولم الذي يتخطى الدولة ويعطل دورها في المجتمع بفرضه شروط النيوليبرالية والخصخصة التي تطلق العنان لحرية حركة رأس المال على حساب القطاع العام والخدمات الإجتماعية والعدالة في توزيع الثروات وتأمين فرص العمل ...الخ،مما يعني إرتهان وخضوع الدول المسيطر عليها لمشيئة حركة رأس المال الذي تحتكره شركات متعددة الجنسيات وعابرة للقارات تتحكم بمصير وتطور الدول التي توظف فيها رؤوس أموالها،وتوظيف رؤوس الأموال ليس محبة منها بتلك الدول بل وسيلة جديدة لزيادة رؤوس أموال تلك الشركات،من ناحية،وخدمة،من ناحية ثانية،للمصالح التوسعية للدول الإمبريالية في إطار من تمفصل المستوى السياسي على المستوى الإقتصادي في عملية واحدة هدفها إحكام السيطرة السياسية والإقتصادية على مقدرات العالم بأجمعه.ويبرز في هذا السياق صراع ما بين الدول الإمبريالية على الأسواق الجديدة،يتمثل في جزء منه في الصراع الدائر بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة والدول الأوروبية من جهة ثانية التي تحاول ايجاد مكان لها في السياسة الجديدة،أي سياسة القطب الواحد بعد إنتهاء الحرب الباردة،إضافة الى محاولات الصين وروسيا لحجز مكانهما،فعلياً وليس إسمياً،في النادي العالمي،دول الثمان G8 ،لإقتسام العالم . والصراع بين الدول الرأسمالية،وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية،للسيطرة على العالم وثرواته،تحول الى غزوات عسكرية لبلدان العالم،أفغانستان العراق ...،وفرض أمر واقع عسكري ليس لنهب الثروات وإحكام السيطرة على الدول المسيطر عليها سياسيا وعسكريا واقتصادياً وحسب بل للتحكم،في الوقت نفسه،بالتجارة العالمية وطرق المواصلات تحت حجج زائفة كنشر الديمقراطية والحرية... بمفهومهما العسكري الإستغلالي. إنتقال القيمة الزائدة المنتجة الى فوائد للقروض إن ظاهرة تصدير رؤوس الأموال وتوظيفها في الدول المسيطر عليها تنطلق من تدني كلفة أجور القوى المنتجة فيها،وعدم وجود قوانين تحميها من الإستغلال وإزدياد حاجتها للعمل تحت أي ظروف كانت نتيجة العوز والفقر الذي تعيش تحت وطأته وتوفر المواد الخام... الخ،دون إغفال تبعيتها السياسية بالدول الإمبريالية،وتوظيف رؤوس الأموال في الدول المسيطر عليها لا يخدم الإقتصاد الوطني لتلك الدول بحيث يبقى تعدد أنماط الإنتاج سائداً فيها مما يؤدي الى التطور اللامتكافئ بين المجتمعات بناء على قانون تفاوت التطور الذي يحكم النظام الرأسمالي العالمي،ونتيجته تأبيد علاقات التبعية البنيوية للدول المسيطر عليها بالدول الإمبريالية ولقانون السوق،وبالتالي يتأبد إرتهانها لسياسة رأس المال المعولم،وكدليل على سياسة رأس المال المعولم الذي يسعى وراء الربح على حساب الإقتصاد الوطني وتطوره الأزمة التي عصفت بدول "النمور" صيف 1997 نتيجة السحب المفاجيء لرؤوس الأموال وما نتج عنه من تدهور اقتصادي حاد على المستويات كافة،مما سهل عملية التحكم بتطورها بما يخدم مصلحة رؤوس الأموال المعولمة،بمساعدة من صندوق النقد والبنك الدوليين عبر وضعهما لحلول الغت فيها اي قيد على حركة رؤوس الأموال.والشكل الآخرمن ظاهرة تصدير رؤوس الأموال نعرفه جيداً في لبنان من شدة ما نعاني منه، انه الشكل الذي وضع الوطن تحت دين عام قارب عتبة الـ 50 مليار دولار بسبب السياسات الاقتصادية – المالية التي أسسها رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري القائمة، من جملة ما هي قائمة عليه، على الإستدانة وتوظيف القروض في قطاعات غير منتجة وذلك تطبيقاً لشروط الجهات المقرضة، هذا الشكل من تصدير رؤوس الأموال عبارة عن تقديم قروض للحكومات بشروط قاسية وفوائد مرتفعة وتحديد القطاعات التي يجب استثمار الأموال فيها وبالتالي هي شروط تخدم مصالح الجهات المقرضة على حساب الإقتصاد الوطني وتطوره وعلى البلد المقدمة اليه القروض ان يسدد فوائد القروض، وبذلك تنتقل القيمة الزائدة التي ينتجها الكادحون في ذلك البلد بشكل فوائد الى الجهة/الجهات المصدرة للقروض. إن التحديد سالف الذكر لبعض السمات الرئيسية لظاهرة العولمة ينطلق من فرضية: أن العولمة هي الطور الأعلى من أطوار تطور النظام الرأسمالي العالمي – التوسعي في المرحلة التاريخية الراهنة،حيث إختلفت أشكال الإستغلال نظراً لإختلاف شكل تطور النظام الرأسمالي العالمي القائم على تأبيد الإستغلال والتبعية البنيوية بين المجتمعات على قاعدة قانون تفاوت التطور الذي يحكم النظام الرأسمالي العالمي . وفي هذا السياق ترافقت العولمة،وتحديداً بعد سقوط دول المنظومة الإشتراكية المحققة،مع ظاهرة بالغة الخطورة تمثلت بإنتفاء وجود خريطة نهائية للعالم التي نتج عنها ايجاد دول جديدة،كجمهوريات الإتحاد السوفيتي مثلا،هي أسواق جديدة للرأسمال المعولم،وبؤر متوترة في الوقت نفسه،تضمن من جملة ما تضمنه،التطور اللامتكافئ بين الدول والمجتمعات الذي يؤبد سيطرة الدول الإمبريالية،وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية. اضافة الى ترافق ظاهرة العولمة مع ثورة في التكنولوجيا والإتصالات التي صار معها العالم بلا حدود بهدف تسهيل حركة رأس المال،وفي هذا الحقل من الضرورة العلمية التأكيد على ان الثورة في التكنولوجيا والإتصالات هي نتيجة لتطور النظام الرأسمالي العالمي – التوسعي،أي انها نتيجة للمنطلقات المبني عليها هذا النظام في المرحلة التاريخية الراهنة، ومن الخطأ محاكمة النتائج بفصلها عن أسها/أسبابها،أي فصلها عن الحركة التي ولدت من رحمها.ونظراً للتطور الهائل والسريع للثورة التكنولوجية من المتوقع ان يتقلص عدد القوى المنتجة العاملة وحصرها بحوالي 20 % مما يزيد عدد جيش العاطلين من العمل،وبالتالي زيادة عدد البروليتاريا كونها لا تضم الطبقة العاملة وحسب،بل تضم ايضاً، بمعناها الواسع، العاطلين من العمل وبذلك يبرز الصراع الطبقي لأخذ دوره المفترض في عملية الصراع بين من لا يملكون سوى قوة عملهم ومن يملكون وسائل الإنتاج ويعملون على تمركز رؤوس الأموال في يد الطغمة المالية.وفي مواجهة الرأسمالية وحروبها الإستعمارية تنبثق ضرورة تكريس الوعي الطبقي النقيض لدى جماهير البروليتاريا على إمتداد أرض الإنسان،خاصة وان البروليتاري،في المرحلة التاريخية الراهنة،لا يستطيع معرفة رب عمله نتيجة لإنتشار الشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات والقوميات على إمتداد الكرة الأرضية التي تسيطر على حركة وتطور أسواق العمل،مما يزيد عدد المتضررين من تمركز رؤوس الأموال في يد الطغمة المالية كالبرجوازية الصغيرة والمتوسطة،دون أن تتمكن من وضع بديل جذري للواقع القائم لإنطلاقها من موقع طبقي مماثل لموقع البرجوازية الكبرى الطبقي،وبديلها عبارة عن بديل إصلاحي يقود بمنطقه الطبقي الى تأبيد الفوارق الطبقية والإستغلال الطبقي وإن كان بأشكال مخففة ومختلفة.والبديل الإصلاحي هذا يعرف بالإنتقال من مرحلة تاريخية الى مرحلة أخرى دون إحداث تغيير جذري لطبيعة نمط الإنتاج،وحدهاالطبقة العاملة من خلال تكونها في حزب سياسي مستقل تؤمن عبره ممارسة سياسية نقيضة،لكونها الطبقة المهيمنة النقيض،هي من تقود عملية الصراع الطبقي ضد نقيضها الطبقي،الذي يحقق التغيير الجذري لطبيعة نمط الإنتاج القائم.فبالتناقض يتحقق التغيير الجذري وليس على أساس التماثل الطبقي. ورد الحلاج


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني