PCP

يا عمال العالم اتحدوا

أمير الشعراء أم شاعر الأمراء

تسارعت التحولات وأصبح شيوخ النفط في حيرة من أمرهم، ماذا ينقصنا بعد كل ما لدينا؟ الثروة المخزنة في بنوك بعيدة لكنها آمنة على الأقل بالنسبة لشعوب لا تفكر كثيرا في غدها، والجحافل التي دعوناها فجاءت و«تقوعدت» في الديار ولن تخرج إلا مع آخر قطرة نفط تخرج من أرضنا، النساء!! وما أدراك كم من النساء يملك أحدنا!! والبنون أيضا، إذا المال والبنون والبنوك وجنود وسيمون وأشداء يسهرون على أمننا. .. . بقيت خامسة الأثافي، الثقافة. . . نكاد أن نكون بلا إرث ثقافي ـ يقول الشيخ النفطي ـ . . .. بسيطة، يقولها المستشار القادم من بلاد فقيرة بالمال أو أفقرت بفعل فاعلين لكنها تنام على حضارة تمتد آلاف السنين عمقا في التاريخ، بقليل مما تسكبه جلالتكم أو فخامتكم على موائد العزة والفخر في جولاتكم الظافرة إلى مواخير أوربا نستطيع شراء كل ما تملكه بلاد الشام ومصر والمغرب من كتاب وشعراء ومثقفين، إنهم جائعون أو مجوعون يا مولاي، ورنين الذهب يطرب أسماع الشبعانين فما بالك بالجائعين. . . يصفن الأمير ويقول: إذاً ماذا تنتظر يا بني، خذ مفاتيح الخزائن واجمع لي ما تيسر من هؤلاء، أغدق عليهم، أطعمهم واسقهم وأرهم كم تغيرنا ليكفوا ألسنتهم عنا، و صحفي يغني معنا وبلهجتنا خير من آخر يغني علينا ويسبنا، وكان ما كان. .. فتحت صحف ومجلات ودور نشر في لندن وباريس وبرلين ونيقوسيا وأثينا وحتى ليماسول القبرصية. . . . . .. ، ثم جاء دور الفضائيات فأغرق الفضاء بالسفاهة والغثاء، وبدا الفضاء العربي كازينو واسعا ومنتجا لشيء واحد: الانحطاط. . . . لكن لم ينس الأمير الكريم أدباء وشعراء الأمة فأقام مهرجانات وجوائز يسبّح القائمون عليها والمشاركون بها بحمد صاحب النعمة، أو لنقل يكفي أنها باسم صاحب السمو. .. .فأصبحنا نسمع عن جوائز يسيل لها اللعاب تكاد تزاحم نوبل. . .وللمزيد من المصداقية اختير كتاب ومثقفون يشهد لهم إبداعهم وتاريخهم بالنظافة والنزاهة والالتصاق بالوطن والناس، ولم يرفض احد إلا ما ندر هذه الجوائز البراقة، ثم تذكروا أن عكاظ كانت عندهم فلم لا يحيون هذا المعلم المهم، لكن على طراز عولمي، فإذا كانت المعلقات تكتب بماء الذهب على جدران الكعبة فلم لا نغرق هؤلاء بالذهب حتى تبدو صحراؤنا التي غمرها النفط وفاحت رائحته على كل ما عداها دوحة للشعر ـ أليس هو ديوان العرب ؟ـ. وهكذا سمعنا وقرأنا وشاهدنا برنامجين خليجيين، أحدهما يريد «انتخاب» خليفة لشوقي بعد أن شغر المنصب زمناً طويلا، ولكن هذه المرة على طريقة سوبر ستار، وبرعاية سامية من سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وسمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان رئيس الأمن الداخلي، والشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان ما غيرو رئيس هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، أما الآخر فسينتخب شاعر الشعراء وهو مختص بالشعر النبطي الذي لا يفهمه معظم أبناء الأمة التي كانت تفطر وتتغدى وتتعشى شعراً. تدافع الشعراء الذين يمضون جل وقتهم في متابعة أخبار الجوائز والمسابقات إلى طلب الاشتراك في مسابقة أمير الشعراء وعلى كل ضامر جاؤوا من كل فج عميق. . . . ثم بدأت لجنة من نقاد ومثقفين كبار بغربلة هذا العدد الهائل من 5400 شاعر(حتى ظننا أن لدينا 200 مليون شاعر لكن الآخرين ينتظرون دورهم في المسابقات التالية.) إلى 80 في المرحلة الأولى، ثم 35 إلى أن توقف الغربال النفطي (أقصد النقدي) عند عبد الكريم . . واستحضرت المراحل المتقدمة من المسابقة شقيقاتها سوبر ستار وستار أكاديمي، و كل ما جادت به القريحة اليعربية من برامج تفريخ نجوم الكليب بواسطة الاتصال بالموبايل والتصويت لنجمك المفضل، ليتقاسم أصحاب البرامج الغلة مع شركات الموبايل الفقيرة. . . . وهكذا شاركت الشعوب العربية بديمقراطية قل نظيرها في هذا الوطن المليء بالسجون والجلادين والطغاة في انتخاب أمير شعرائهم، طالما أن أميربلادهم منتخب من الله ولا مجال لمجرد التفكير في انتخابه، إذاً فلننتخب أميراً للشعر، وهكذا فاز من يملك أنصاره ـ وليس أنصار شعره ـ اكبر رصيد من الوحدات، ففاز بمنصب الأمير ـ أمير الشعراء طبعا ـ السيد عبد الكريم معتوق، وهو إماراتي لم يسمع به معظم الوسط الثقافي قبل أن تقدمه شركة الجوائز العابرة للفضاء في برنامجها الترفيهي الثقافي من سيربح الموزون، ويقصدون بذلك الموزون من الشعر بدليل أن قصيدة النثر كانت غائبة عن المسابقة رغم كل منجزها الإبداعي والنقدي، ورغم أن القصيدة التقليدية قد وضعت رجلها الأخرى في القبر برحيل أهم واكبر رموزها الجواهري العظيم. فاز عبد الكريم واصبح اميرا على محمود درويش وادونيس وسعدي يوسف وقاسم حداد وسميح القاسم ونزيه ابو عفش و. . . .. ألف مبروك، لكن ماذا قدمت هذه المعمعة الفضائية الطويلة للشعر العربي؟ وتحديدا من من الشعراء السوريين المشاركين استفاد من مشاركته وبصم هناك؟ باستثناء الشاعرين محمد علاء الدين عبد المولى وياسر الأطرش، سحب الباقون ذيول خيبتهم منذ المراحل الأولى، وعادوا القهقرى إلى دمشق ولسان حالهم يكرر ما روجته أنظمة الهزيمة بعد مأثرة حزيران1967 بشكل «مسابقاتي»: لقد انتصرنا لأننا باقون في ساحة الشعر، وسنظل نلاحق الجوائز صغيرها وكبيرها، القيّم منها والهايف، لن نترك موقع انترنت ولا اتحاداً لكتاب ولا حتى جريدة أو دار نشر تعلن عن مسابقة دون أن نشارك، فذلك أصبح بالنسبة لنا باب رزق، وشارة الجائزة على غلاف ديواننا تجعل الآخرين يطقون غيظا. . . . .. إضافة إلى المبالغ المالية المحترمة، خاصة إذا كانت الجائزة من بلاد النفط والغاز، والغاز كما تعرفون ضروري لإشعال جذوة الإبداع عند مستشعري الجوائز. هل انتهى زمن الشعر مع بدء زمن الشعر النفطي أو النفط الشعري؟ لا طبعا، لكننا نخشى أن يسير الشعر إلى الموت تخمة لدى البعض و جوعا عند آخرين، وإنا لله وإنا إليه راجعون.


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني