PCP

يا عمال العالم اتحدوا

برتولد بريخت واغتراب المسرح

الاغتراب في المسرح هو تغريب الحادثة أو الشخصية أي افتقادها إلى كل ما هو بديهي ومألوف وواضح بالإضافة إلى إثارة الدهشة والفضول بسبب الحادثة نفسها وبمعنى آخر يجب على الممثل أن ينسى كل ما تعلمه عندما يحاول أن يحقق الظاهرة الاغترابية وذلك من خلال أداء المسرحي بالاندماج الانفعالي للجمهور بالشخصيات التي يخلقها هنا تكمن مأثرة الشاعر والدرامي برتولد بريخت والذي يتردد اسمه كمنظـّر للمسرح ومنذ يفعانه عندما خاض أولى تجاربه الدرامية المسرحية وكان ينشر مقالات نقدية كثيرة في الصحافة وأيضاً نظرية في المسرح القديم والجديد. في الطريق الإبداعي لبريخت /1898 ــ 1956/ حاول أن يؤسس لشكل جديد للدراما المسرحية عبر رؤية خاصة وتحليل خاص وقد أسس عام /1948/ في المهجر مجلة للسان حال صغير للمسرح. ينطلق بريخت من الحقيقة التالية: في الوهلة الأولى المواضيع تسير في المسرح بالتوازي مع المسرح الجديد ومن خلال نظرة جديدة يجب أن نرمي إسفين الروعة الذي يتغذى من العادة نحو التعليم والإهمال نحو الفائدة وبشكل أكبر من ذلك هذا الإسفين لا يولد شيئاً رائعاً ولكن بريخت وأتباعه لا يوجد عندهم في عملهم الفعلي على المنصة أن يتركوا مملكة التمتع بالمسرح. لأن المسرح حسب بريخت تأسس في التشكيلات الحية والحقيقية أو بالأحداث المبتكرة في العلاقات الإنسانية المتبادلة بهدف التسلية والترويح عن النفس وهي الوظيفة الفنية للمسرح والتي تعطيه الشعور الداخلي بالأنفة والعظمة وإذا ما أرجعنا المسرح مثلاً في سوق لبيع الأخلاق فهذه الحالة لا تعطيه أبداً رافعة فنية إلى مرتبة عالية وعلى العكس تماماً نكون قد ذهبنا بالمسرح نحو الانخفاض إذا من الأخلاق لا نسعى للسعادة أو السعادة للأحاسيس. وبنظرة تاريخية تكمن الثورة الحقيقية في حياة شعب من الشعوب في التغير العميق لذهنية هذا الشعب في اتجاه تقدمي عصري وإدخال تغيّر أساسي على وعي المجتمع وإبدال مفاهيمه حول العلاقات الأساسية بين الإنسان والإنسان وبينه وبين عالمه المادي نحو الأفضل وتحقيق سعادته ورفاهيته وبالطبع فإن العصور التاريخية المختلفة لها أنواع مختلفة من السعادة بالعلاقة مع الطريقة التي عاش بها الناس بين بعضهم البعض. ــ الحكام من تيرانيا ديموس في السيرك الإلياذي كانوا يروحون عن أنفسهم بطريقة مختلفة عن البيت الخلفي للملك لويس السادس عشر. وهكذا يجب على المسرح أن يؤسس للفنون الأخرى للتعايش بين البشر ليس فقط بتمثيل حياة أخرى للإنسان ولكن أيضاً بشكل جديد للحياة. ــ اكتشف في ذاته الخصوصية لكي يتمتع في الفن والقدرة على التشكيل والتي تشكلت في عصور مختلفة وهذا غير متبع عندنا لإظهار وجهة النظر هذه بأنه لم نكتشف السعادة الخصوصية لأنفسنا والتي تتضمن مفهوم السعادة لعصرنا هذا يسأل برتولد بريخت، ويضيف إذا كنا نبحث عن الشيء الأعم والأشمل للسعادة والتي يمكن أن يقدمه لنا هذا العصر بتشكيلاته المختلفة في العلاقات الإنسانية لذا يجب أن نفهم أنفسنا بأننا أبناء عصر العلم والذي بطريقة جديدة يحدد لنا الحياة وهذا سوف يكون الحياة في المعنى العام. ــ العلم والفن عند برتولد بريخت يتشابهان في هذا الشيء بأنهما مدعوان لكي يسهلوا حياة البشر ــ العلم عبر إيجاد السبل لكي يؤمن حياة الناس ومعيشتهم والفن لكي يروّح لهم عن أنفسهم. ويعاود طرح السؤال بريخت، ما هي العلاقة الوليدة الجديدة نحو الطبيعة والمجتمع حيث أننا أبناء لهذا العصر العلمي نحو المسرح ويجيب بريخت: العلاقة هي صفائنا الداخلي وجاهزيتنا نحوه وتكون نقدية وهي كالعلاقة النقدية بين النهر ومجراه حيث يسعى النهر لتهذيب المجرى أو العلاقة النقدية بين الشجرة والثمار وقت النضوج «سعي الشجرة لإنضاج الثمار» أو العلاقة النقدية بين المجتمع وإعادة بناء هذا المجتمع يختتم بريخت وبهذه الطريقة فقط يعطي المسرح الإمكانية التامة للمشاهد لكي يتمتع بالأخلاق الخاصة لعصره والذي يتبع من العمل المنتج عندما يحوّل النقد إلى سعادة للناس حينها ليس للمسرح أي مسائل أخلاقية إجبارية ولكنه سوف يحصل على إمكانيات كبرى «للتعبير». ولكي نطبّق هذه الأفكار لا يمكننا ترك المسرح مثلما وجدناه في السابق يشير بريخت إلى أنه، أينما نظرنا في صالة العرض لنكتشف بعدئذ أن المشاهدين يجلسون كأنهم جامدين وفي حالة شاذة جداً وكأن عضلاتهم مشدودة بقوة غير عادية أو أنهم مسترخين في إنهاك تام. ــ إنهم غالباً لا يتكلم أحدهم مع الآخر. يجلسون معاً وكأنهم نائمين يحلمون أحلاماً مزعجة جداً ــ يحملقون في منصة العرض مثل المسحورين ــ حالة الملل التي سقط فيها المشاهد تعطى إليه بصورة غير واضحة ولكن الأحاسيس القوية تكون عميقة إلى الحد الأفضل الذي يعمل به الممثلون حيث أن مثل هذه الحالة والتي لا تعجبنا ونريد من الممثل أن يظهر قدر الإمكان أسوأ ما يكون. المسرح الذي وجدناه يريد أن يرجع الممثلون مع الأمل بأنهم مخلوقات لعصر علمي في جمهور مسحور قليل الثقة وخائف ولكننا بحاجة لمسرح يتابع بريخت ليس فقط يتيح لنا إمكانيات أن نغربل مشاعرنا وأحاسيسنا ورؤيانا .. والضغوطات التي نتعرض لها ويسمع بتشكيلات على المنصة ساحة صراع تاريخية للعلاقات الإنسانية ولكن نريد من هذا المسرح الذي يخلق لنا الأفكار والمشاعر الضرورية لتغيير ساحة الصراع هذه ولكن هكذا مسرح يتطلب طريقة جديدة للأداء التمثيلي والتي لا تقف عائقاً أمام التفكير الحر والحي للمُشاهد. وهنا يعرض برتولد بريخت الطريقة البطولية «الصراع القاسي والحر» والتغريب المجهول «الفعل المبهر» وهي لعبة التمثيل والتي كانت سائدة ومجربة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية على مسرح آم شيغباور دام في برلين وتأسست على فعل التغريب. ــ العمل المسرحي الغريب أو المُغرب إذا صح التعبير هو العمل الذي يسمح للمشاهد أن يتعرف على المادة المسرحية وبنفس الوقت تبدو له هذه المادة مجهولة وكمثال على ذلك في المسرح الأثيني ومسرح العصور الوسطى جعلوا أعمالهم مجهولة عن المشاهدين من خلال الأقنعة للبشر والحيوانات. وكذلك المسرح الآسيوي الذي يُخدم إلى الآن بواسطة الموسيقا والأفعال الغامضة والتي تؤسس لفعل الاغتراب عند المشاهد. وهذه المؤثرات الغامضة بدون أدنى شكل تـُُزعج التفاعل الحي بين الممثل والمشاهد بتقنيات أكثر قليلاً من الطرق ذاتها التي نصل بها إلى التفاعل الحي المباشر والذي بدوره يُؤسس على الانبهار أو الانفعال المركزي للمشاهد وهكذا تبقى الأهداف الاجتماعية لأفعال التغريب القديمة مختلفة جداً عن الوسائل المتبعة في وقتنا الحاضر. تحرم الوسائل القديمة المستعملة في «التغريب» المشاهد من أي إمكانية لكي يتفاعل ويتأثر بالحدث الفني وتحوله إلى شيء غير متغير «ثابت» ولكن الوسائل الجديدة لا تحتوي أي عنصر للغرابة وفقط النظرة العلمية قادرة وحدها على الفصل بين الغرابة وعدم الاغتراب. الوسائل الجديدة للاغتراب يجب أن تزيل من الخضوع للحدث تلك العمليات الاجتماعية في مناخ المعرفة والذي يحميها من الانفعال. وهكذا ولوقت طويل يبدو إلينا غير متغير يظهر إلينا بأنه تغير وفي كل خطوة نجتهد لأشياء والتي نحسبها غامضة لدرجة ما بحيث لا نعطيها الجهد الكافي لكي نفهمها. ــ كل الأشياء والتي يظنها الناس بأنها تجربة حية وشخصية عند احتكاكهم ببعضهم البعض يمكن أن نقبلها بأنها تجربة حية تخص البشرية جمعاء وهكذا الذي يعيش كمثال في عالم واحد للقدماء يتعرف على نوادرهم وهو يفهم الظاهرة مثلما يقدمونها له وإذا تشجع أحدهم ورغب بشيء أكثر يهدف هو نحو ذاته كقاعدة ولها استثناء. حَذرْ الممثل من السلوك يتشارك بحذره من المجتمع وهو يقبل هذا الجدل من الأفكار والمضامين ككل لا يتجزأ وأكبر من الأجزاء المكونة له والتي لا تخضع لأي تفكير. ولكن هذه القوة للتأثير والتي لا يمكن الوصول إليها يظنها الممثل أنها معروفة ولكن آواه من عدم الثقة لهذا الشيء الذي لا يعرفه. ولكي تبدو هذه التجربة الحية للإنسانية أمر مشكك به يجب على الإنسان أن يطور في نفسه هذه النظرة الغرائبية المجهولة والتي مع غاليليه العظيم يكون مع النواس الثقالي المتأرجح وهذه الحركة المبهرة مثل الشيء غير المنتظر وغير الواضح وبالنتيجة يصل إلى قناعاته وبقدر ما هو صعب بقدر ما هو نظرة فنية للأمور ولهذا يجب على المسرح أن يؤسس عند المشاهد تكويناته الفنية بغية التعايش الإنساني وإجبار الجمهور على الاندهاش وهذا يمكن الوصول إليه بواسطة تقنية الانبهار من المعرفة. ــ إحدى سعادات عصرنا الحالي والذي يتحقق فيه الكثير من التغيرات المختلفة في الطبيعة هو قدرتنا على التدخل دائماً وبالتالي جعل الأشياء مفهومة بالنسبة لنا. يجب أن لا يبقى الإنسان كما هو عليه الآن ويجب أن لا ننظر إليه مثلما هو بل مثلما ما يستطيع أن يكون يجب أن لا ننطلق منه بل نسير نحوه ولكن هذا لا يعني أن نضع أنفسنا مكانه وعلينا أن نقف أمامه مثل ما نعرض كل شيء لكم ولهذا المسرح بالنتيجة يجب أن يختلف عن الذي يعرضه. ولكي نصل إلى فعل الانبهار يجب على الممثل أن يرفض كل الأشياء التي تعلمها بهدف أن يُحرض عند الجمهور الحياة في الأشكال التي أسسها هو. ومثلما يكون عنده دافع لكي يقود الجمهور لحالة التغير هذه فيجب على الممثل أن لا يقع في ذلك وعضلاته تكون مشدودة مثلاً أن يلتفت برأسه للوراء وعضلات رقبته مشدودة وهذه الحركة السحرية تلفت الانتباه ونلاحظ تقليد المشاهدين الذين يفعلون الحركة ذاتها وتظهر هناك ضجة نفسية مولدة لهذه الحركة. ــ صوت الممثل يجب أن يتحرر من كل «الوعظات المقدسة التي يلقيها الكهان» ومن كل الأشياء التي تقود الإنسان إلى النوم حيث يؤدي ذلك إلى ضياع معنى الكلمات وحتى عندما يشكل «يعبّر» عن غباء فهو نفسه يجب أن لا يتحلى بهذه الصفة وكيف في حالة مضادة يتمكن المشاهدون من الفهم أنهم محاطين بمواقف غبية على المسرح. وبحسب بريخت فعلى الممثل أن لا ينسى للحظة واحدة ويقود في اللانهاية للفقر الفني لعمله الإبداعي وشعاره دائماً «الممثل لا يلعب دوراً للير ولكنه أن يكون لير نفسه فهذا يكون مقتل للعمل الفني وللممثل ذاته». وعليه هو فقط مسألة أن يفصح عن البطل داخله أو بدقة أكثر أن يصيغ مسألته وليس فقط أن يعيش الموقف وهذا لا يعني عندما يريد أن يخلق شخصية شهواني أن يظهر بارداً ولكن أحاسيس الشخصية لا يجوز من حيث المبدأ أن تغلف أحاسيس بطله، حيث أن إحساس الجمهور أيضاً من حيث المبدأ أن لا تتطابق مع تلك للبطل ولهذا الجمهور يجب أن يمتلك الحرية التامة. حيث أن الممثل يظهر على المنصة في شخصيتين ــ مثل لوتون ومثل غاليليه في الظاهر لوتون لا يذوب في ظاهر غاليليه وهذه الطريقة لأداء الممثل حصلت على اسم «ملحمة» وهو في نهاية الأمر يرمز أن الواقع الفعلي يكون عملية عفوية للعرض ولا يتخفى وعلى المنصة يقف بالذات لوتون ويعرض كيف يكون غاليليه والجمهور المنبهر من لعبة المسرح بشكل طبيعي يجب أن لا ينسى بوتون وحتى إذا هو سعى لخلق بطله الشخصي إلى اللانهاية والمشاهدين عندها لا يكونوا قد وصلوا إلى أحاسيسهم وأفكارهم ويكون قد سقطوا في فقر المشهد. يأسر الشكل أفكار ومشاعر الممثل حيث يبدو بالحقيقة موديل واحد ووحيد فقط ويعكس الممثل عندها هذا الموديل ولكي يتخطى هذا التشوه الحاصل يجب عليه أن يرجع بعمله الفني فعله الوحيد للمشهد. ــ أسس برتولود بريخت المسرح الذي يسمح للمشاهد لكي يظِهر إمكانياته الإبداعية عندما يتحرر من مكابح الأحداث المشاهدة على المنصة. وفي هذا المسرح يجب على ألإنسان التمتع بالمشاهدة وأن يتقبل مثل التسلية لعمله الفوضوي الذي يؤمن له الغذاء الروحي والخوف من إعادة تشكيله الفني الدائم وهنا سوف يحقق ذاته بأسهل الطرق لأنه حسب بريخت الطريقة السهلة للوجود والكامنة في الفن. م. نايل الحي


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني