PCP

يا عمال العالم اتحدوا

مستخدم اللغوي للشاعر –محمد الماغوط –

ما يدهشك في شعر محمد الماغوط قد يكون منحصراً في ثيمته النصية وانتقائيته البائنة الأنساق والتفصيلات كمتعلقات حياتية في الحراك البشري المحيط به، والمحتج عليه في دوامته الشعرية الحياتية والحاضرة دوما ً كوقوف محتج عند نصوصه، وبلسان أولئك المسحوقين الجياع والعاشقين. هذه الثيمات التي تأخذ بتلابيب المتلقي، لما لها من وقع على الإيلام البشري وكما أسموه على لسانهم اليومي-ينزل على الجرح- وهي المنطقة الشفيفة الإحساس والملازمة للرغبة الإنسانية ودواخلها. وقد أبدع الشاعر محمد الماغوط في تركيبته الشعرية وبما فيها من دقة القول وعمقه وملازمته لبساطة الفهم وعمق التداعي بمفهومه الشعري، أي بساطة القول عن الناس البسطاء بمشعل ناره الوهاجة، والذي عاد إليه في العمق الشعري و المتداعي بين جنباته الكتابية، أن قوله الشعري هو القول المنبعث من فم الناس والمليء من شارعهم البسيط، وبذلك فهو قريب من أحلامهم المنتظرة، هذه الأحلام المتشاكلة مع جراحهم.. والمنكسرة عند عتبات صباحاتهم اليومية، وهي كل مانراه في البساطة العميقة الشعر. وهذا الحس الماغوطي المصاحب شعريا ً للتسكع والحزن والألم الطويل المنثال بتنهدات طويلة الأمد، والتي صيرت شعره كما قال عنه معاصروه الكبار...مثل- نزار قباني-(أنت،يا محمد-أصدقنا... أصدق شعراء جيلنا، حلمي أن أكتب بالرؤى وبالنفس البريء،البعيد النظر الذي كنت تكتب به في الخمسينيات،كان حزنك وتشاؤمك أصيلين...وكان تفاؤلنا وانبهارنا بالعالم خادعاً( نعم فهذا ما قاله الماغوط-الذي صدق َما راح إليه نزار قباني- ضع قدمك الحجرية على قلبي ياسيدي الجريمة تضرب باب القفص والخوف يصدحُ كالكروان ها هي عربة الطاغية تدفعها الريح وها نحن نتقدم كالسيف الذي يخترق الجمجمة كل هذا كائن في خطاب الماغوط الشعري، الذي ابتعد كثيراً عن الأناقة اللغوية تلك المفتعلة حيناً والمتداولة، والتي حرص عليها الشعراء المجايلون له والآتون بعده كذلك. هكذا وجدنا بينهُ المشار إليه فنياً، وفي تقليبنا لكثيره المنتج، وما أبديناه إزاء تجربته الطويلة في لذيذه المتندر والمبثوث على طول هامته الشعرية،وقد راح المتلقي قائلاً في أحايينه الخاصة المتناولة لهذا الشاعر الرافض لكثير الحياة...لقد عدَّ ككينونة مخلوق شعري يلج دوماً بالشعر الواضح العميق والظاهر بجمالية من موقعه الخفي أو موقعه المابعد القول. وهذا ما جمل نص القصيدة النثرية العربية التي راح الكثير قبله في ولاداتها شعرياً، مثل-أنسي الحاج ومعايشيه، وقد حُسبتْ في حينها. ومن هنا وهناك عُدَّت وقوبلت هذه الأساليب عند الآخرين نصوصاً غريبة أو بعيدة عن تداولنا. خاصة أن القصيدة النثرية في بدئها الولادي والتكويني الراغب في صنع قانونها الشعري المطالب في إبداء حججها أمام التساؤلات المشرئبة المتأتية من الطبيعة الغريبة لهذا الصنع أو الأسلوب الشعري الكتابي. وقد انبرت معظم التجارب الشعرية إلى ميلها المعتني والمعتمد على الأنيق اللغوي بدءاً من التعبيرية اللغوية حتى انتقاء المفردة،بل راح النقد الحداثوي إلى إقامة معيار عام لهذه النصوص بعبارات لغوية بالدرجة الأولى. لكن شاعرنا الماغوط راح يضع جديده الشعري من خلال غرائبية القول والتصريحية اللغوية الشجاعة في انتقاء الحجة، وحتى ذلك المتداول على لسان الضيم الإنساني والقريب من لغة الرصيف المتألم وكما قال: آه ياحبيبتي عبثاً أسترد شجاعتي وبأسي المأساة ليست هنا في السوط أو المكتب أو صفارات الإنذار إنها هناك في المهد.. في الرحم فأنا قطعاً ما كنت مربوطاً إلى رحمي بحبل سرّه بل بحبل مشنقته هكذا أوجز الماغوط كل مايقال وما تناوله الآخرون من أسباب، و هي محور الضيم البشري الممتد على جنبي الماغوط كأوطان سحقت أبنائها في حبها وحلمها والذي رهلته السلطات، وقد راحت تداعيات الشاعر الحياتية،تتورم على شفتي الشاعر وتؤلمه لذا أطلق عناده الثوري قائلاً: سأتكي في عرض الشارع كشيوخ البدو ولن أنهض حتى تجمع كل قضبان السجون وإضبارات المشبوهين وتوضع أمامي لألوكها كالجمل على حافة الطريق حتى تفر كل هراوات الشرطة والمتظاهرين من قبضة أصحابها وتعود أغصاناً مزهرة مرة أخرى في غاباتها هذا العناد الذي اتخذ تعبيرية ومفردات وتصوير شعري غاضب وقريب من الشراسة التصريحية وكما أشار إليه الأديب الفلسطيني الراحل و المجايل له-غسان كنفاني-وقال...(بأنها كلمات مسلحة بالمخالب والأضراس،ومع ذلك، فإنها قادرة على تحقيق إيقاع عذب ومدهش، وأحياناً مفاجئ، كأن يتحول صليل السلاسل إلى عزف منفرد أمام عينيك ذاتهما في لحظة واحدة() وقد أيقنا حدته في رواحه الفني المنتقي هذا والبين في تصريح واقعه الذي يقف خلفه حلمه ورغبته التي نطقها ورسمها في جميله الشعري: وراء كل نافذة شاعر يبكي وفتاة ترتعش قلبي ياحبيبة.. فراشة ذهبية تحوم كئيبة أمام نهديك الصغيرين لم يخاطب الماغوط أو يحرص في خطابه بتعب لغوي خصصه لقوله الشعري بل سلك القول المباشر في اقتنائه الصوري والتعبيري من واقع الأشياء الحياتية الشمولية والملتصقة بهموم الإنسان، لذا نرى جمال لغته الشعرية بسيطة القول وغائرة الإيحاء المتداعي، وقريبة في دعواها الجميلة والمتألقه في بسيطها المحكي. وهذا من مبدعه الذي امتاز به الشاعر وأراده دوماً ملازماً كعزيز يريد حضوره في نصوصه وتحديد تفرده الذي يشبه بالمتداول غير المتداول، وهذه هي قيمة شعره التي اعتز بها المتلقي لما حققت له الذائقية المرجوة إليه....ومن قراءتي لنص له لزمني أن أقول... هذا هو الماغوط لنشكره، وهو الذي قال: والآن جاء دوركِ أيتها المرفرفة حول دفاتري كفراشة المصباح أو المسمار الضال حول خشب الصليب قد أنسى مواعيد الطعام والشراب والدواء وحتى الصلاة والدعاء ولكنني لن أنسى قواعد الشوق وأبجدية الحنين لك ولكل ما يمت لك بصلة... كان الماغوط هو الواقف الحقيقي على الجرح العربي والإنساني العام، و في محيطه المحبط ومازال صدى تصريحه هذا تصدقه أحوال المنطقة العربية والإنسانية كذلك، فهو المتسكع بشجاعته الحزينة، وهو الأكثر إثارة لقضية الإنسان المصيرية في (الوسعية) الحياتية، وراح بتركيب المتخيل حينما راحت تحاصره قاذورات المحيط. وقد انحنى بمروره الحزين هذا، كانكسارات راح الماغوط يرسم حسراتها وشعورها المأسوي الطويل الأمد، داخل حشرجاته التي انقلبت في بعض مناطقه الشعرية إلى عدمية أو تشيؤ والشبيه إلى(خيال المآته) المحبط من القدر القمعي للإنسان... ويمكن تحسسه في ما راح بنصه...(تحت الاحتلال إنني في رعاية دائمة لابأس بها الشمس تحميني من المطر والمطر من التجول والتجول من اللصوص واللصوص من التبذير حتى قال... أزمة المواصلات تحميني من المسرح وأنا أقول شكراً لك ياشاعرنا محمد الماغوط أيها الراحل دوما ً إلينا، وليس الراحل عنا، وقد قال الآخرون عنه: -كان الماغوط يحشو مسدسه بالدموع، وكما قالوا: الماغوط ملك الحزن والسخرية، وهذا صائب القول وصحيحه ............................... – خليل مزهر الغالبي - العراق


حقوق الملكية © للحزب الشيوعي الفلسطيني